الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وحجة الجمهور:
أن النهي يقتضي فساد المنهي عنه، مع أن الثمن يكون في المبيع مجهولًا لاقتران السلف به.
وقد روي عن محمد بن أحمد بن سهل البرمكي أنه سأل عن هذه المسألة إسماعيل بن إسحاق المالكي، فقال له: ما الفرق بين السلف والبيع، وبين رجل باع غلامًا بمائة دينار، وزق خمر، فلما عقد البيع، قال: أنا أدع الزق، قال: وهذا البيع مفسوخ عند العلماء بإجماع.
فأجاب إسماعيل عن هذا بجواب لا تقوم به حجة، وهو أن قال له: الفرق بينهما: أن مشترط السلف مخير في تركه أو عدم تركه، وليس كذلك مسألة زق الخمر. قال ابن رشد: وهذا الجواب هو نفس الشيء الذي طولب فيه بالفرق، وذلك أن يقال له: لما كان هنا مخيرًا، ولم يكن هنالك مخيرًا في أن يترك الزق، ويصح البيع، والأشبه أن يقال: إن التحريم هاهنا لم يكن لشيء محرم بعينه، وهو السلف؛ لأن السلف مباح، وإنما وقع التحريم من أجل الاقتران، أعني اقتران البيع به، وكذلك البيع في نفسه جائزًا، وإنما امتنع من قبل اقتران الشرط به، وهنالك إنما امتنع البيع من أجل اقتران شيء محرم لعينه به، لا أنه شيء محرم من قبل الشرط.
ونكتة المسألة: هل إذا لحق الفساد بالبيع من قبل الشرط يرتفع الفساد إذا ارتفع الشرط أم لا يرتفع، كما لا يرتفع الفساد اللاحق للبيع الحلال من أجل اقتران المحرم العين به. وهذا ينبني على أصل آخر هو: هل هذا الفساد حكمي أو معقول، فإن قلنا:
حكمي، لم يرتفع بارتفاع الشرط، وإن قلنا: معقول، ارتفع بارتفاع الشرط» اهـ كلام ابن رشد
(1)
.
وقال ابن عبد البر: «أجمع العلماء على أن من باع بيعًا على شرط سلف يسلفه، أو يستسلفه، فبيعه فاسد مردود، إلا أن مالكًا في المشهور من مذهبه يقول في البيع والسلف: إنه إذا طاع الذي اشترط السلف بترك سلفه، فلم يقبضه، جاز البيع. هذا قوله في موطئه
…
»
(2)
.
وقال القرطبي: «واتفق العلماء على منع الجمع بين بيع وسلف»
(3)
.
(4)
.
وقال القاضي ابن العربي: «وأما بيع وسلف، فإنما نهى عنه لتضاد الهدفين، فإن البيع مبني على المشاحة والمغابنة، والسلف مبني على المعروف والمكارمة، وكل عقدين يتضادان وصفًا، لا يجوز أن يجتمعا شرعًا، فاتخذوا هذا أصلًا»
(5)
.
(1)
بداية المجتهد (2/ 121 - 122).
(2)
التمهيد (24/ 385).
(3)
الجامع لأحكام القرآن (3/ 360).
(4)
المغني (4/ 162)، وانظر في كتب المذاهب: المبسوط (13/ 16)، الهداية شرح البداية (3/ 48)، الوسيط (3/ 72)، روضة الطالبين (3/ 398).
(5)
القبس (2/ 798)، وقال الشاطبي في الموافقات (3/ 193):«نهى النبي» عن البيع والسلف؛ لأن باب البيع يقتضي المغابنة والمكايسة، وباب السلف يقتضي المكارمة والسماح والإحسان، فإذا اجتمعا داخل السلف المعنى الذي في البيع، وخرج السلف عن أصله».
وقال ابن القيم: «وحرم الجمع بين السلف والبيع لما فيه من الذريعة إلى الربا في السلف بأخذ أكثر مما أعطى، والتوسل إلى ذلك بالبيع أو الإجارة كما هو الواقع»
(1)
.
(2)
.
«ولا خلاف بين الفقهاء في أن الحكم بحرمة ذلك وفساده منسحب على الجمع بين القرض والسلم، وبين القرض والصرف، وبين القرض والإجارة؛ لأنها كلها بيوع، وأما الجمع بين ما سوى ذلك من العقود فهو محل نظر الفقهاء، وقد اختلفت اجتهاداتهم فيه، وتباينت تفصيلاتهم وآراؤهم في كثير من صوره، وضوابطه
…
»
(3)
.
وسوف نعرض اشتراك بعض العقود مع البيع، ومدى تأثير مثل ذلك على صحة البيع.
* * *
(1)
إغاثة اللهفان (1/ 363).
(2)
تهذيب السنن (5/ 149).
(3)
العقود المستجدة وضوابطها، الدكتور نزيه حماد، بحث مقدم لمجلة مجمع الفقه الإسلامي (10/ 2/ص:493).