الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الثاني
في أخذ الغرامة المالية من المماطل عن السداد
[م-438] إذا امتنع المدين عن وفاء الدين في الوقت المحدد، فإن كان معسرًا فإن الموقف الشرعي أن ينتظر به إلى ميسرة.
قال تعالى: {وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ} [البقرة:280].
قال ابن رجب: «من عليه دين لا يطالب به مع إعساره، بل ينظر إلى حال يساره، قال تعالى:{وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ} [البقرة: 280]. وعلى هذا جمهور العلماء خلافًا لشريح، في قوله: إن الآية مختصة بديون الربا في الجاهلية، والجمهور أخذوا باللفظ العام
…
»
(1)
.
وإن كان موسرًا فإنه لا يجوز له أن يماطل، ويجب عليه سداد دينه في وقته، فإذا ماطل وتأخر عن السداد، ولحق الدائن ضرر مالي بسبب هذا الامتناع فهل يجب على المدين أن يدفع تعويضًا ماليًا في مقابل ما فات الدائن من منافع أو لحقه من ضرر؟
هذه المسألة اختلف فيها الفقهاء المعاصرون، وأما الفقهاء المتقدمون فلا أعلم أن أحدًا منهم أجاز تغريم المتأخر غرامة مالية تعويضًا للدائن، أو عقابًا للمدين. وما وجد من ذلك لبعضهم إنما هو في حق الغاصب، ومعلوم أن الغاصب يعامل معاملة الأشد لعدوانه على خلاف بينهم فيما إذا كانت الأعيان
(1)
جامع العلوم والحكم (1/ 310)، وانظر تفسير الطبري (3/ 110).
المغصوبة دراهم أو عروض كما سيأتي بيانه إن شاء الله تعالى. أما المدين فلم أقف على كلام للفقهاء المتقدمين يقول بوجوب دفع التعويض إذا تأخر عن السداد، ويبقى القائل بوجوب دفع التعويض مطالبًا بأن يثبت هذا القول عن السلف.
وأما اجتهاد الفقهاء المعاصرين فجاء على النحو التالي
(1)
:
فقيل: للدائن أن يطالب المدين إذا كان موسرًا بالتعويض المالي عما لحقه من ضرر أو فاته من منافع نتيجة مماطلته.
وهذا قول الشيخ مصطفى الزرقاء
(2)
، والشيخ عبد الله بن منيع
(3)
، والدكتور الصديق الضرير
(4)
.
على خلاف: هل يجوز أن يكون هذا التعويض موضع اتفاق مسبق بين الدائن والمدين، أو يجب أن يرجع فيه إلى القضاء عند وقوع المماطلة.
(1)
جزم بعض الباحثين بأن التعويض المالي عن الضرر من جراء التأخر في سداد الدين بأنه لا يعلم عن الفقهاء المتقدمين.
يقول الدكتور رفيق المصري كما في مجلة مجمع الفقه الإسلامي (6/ 1/ص:334): «أما التأخر في سداد الأقساط فلا نعلم عند الفقهاء السابقين أن أحدًا منهم أجاز فيه تغريم المتأخر بغرامة مالية، أو معاقبته بعقوبة مالية» .
ويقول الدكتور سليمان التركي في كتابه بيع التقسيط (ص: 324): «الخلاف في هذه المسألة لا أعلمه عند متقدمي الفقهاء، وقد سبق أن أول من أثاره وطلب نقاشه فضيلة الشيخ مصطفى ابن أحمد الزرقاء
…
».
(2)
هل يقبل شرعًا الحكم على المدين المماطل بالتعويض على الدائن - الزرقاء، بحث منشور في مجلة أبحاث الاقتصاد الإسلامي، الصادرة عن مركز أبحاث الاقتصاد الإسلامي، بجامعة الملك عبد العزيز بجدة، العدد الثاني، المجلد الثاني (ص: 97).
(3)
بحث في أن مطل الغني ظلم - للشيخ عبد الله بن منيع (ص: 8، 30).
(4)
مجلة أبحاث الاقتصاد الإسلامي، عدد (1)، المجلد (3) ص:112. وانظر مجلة مجمع الفقه الإسلامي (6/ 1/ص: 417 - 418).
وهل يقدر التعويض وفق ربح الدائن، أو يقدر وفق ربح المثل.
(1)
.
وقيل: لا يجوز أخذ هذا التعويض مطلقًا، وهذا قول الدكتور نزيه حماد
(2)
، والشيخ عبد الله بن بيه
(3)
، والدكتور زكي الدين عثمان
(4)
، وجماعة من أهل العلم.
وقيل: أخذ مال من المماطل زائدًا على قدر الدين، هو من باب العقوبة، يرجع فيها إلى القضاء، وتصرف في بيت مال المسلمين إن وجد أو في المصالح العامة. وهذا يتوجه له بعض الباحثين، منهم القاضي محمد تقي العثماني
(5)
.
وقيل: في التفريق بين التعويض عن الضرر الفعلي الواقع، وبين التعويض عما فات الدائن من كسب، فيجوز الأول دون الثاني.
(1)
انظر مجلة مجمع الفقه الإسلامي (6/ 1/ص: 334).
(2)
مجلة البحوث الفقهية المعاصرة، عدد 14، ص: 22 - 23. ويقول الشيخ في كتابه: (قضايا فقهية معاصرة) ص: 351): «اتجاه بعض الباحثين المعاصرين إلى القول بمشروعية الحكم على المدين المماطل بالغرامة المالية جزاء مطله لجبر الضرر الذي لحق بالدائن على أساس سعر الفائدة في المدة التي تأخر فيها عن وفاء الحق، أو بمعيار عائد الاستثمار في تلك الفترة لدى المصرف الإسلامي، أو بمقدار ما فات الدائن من ربح معتاد في طرق التجارة العامة بأدنى حدوده العادية لو أنه قبض دينه في موعده، واستثمره بالطرق المشروعة المتاحة على أساس المضاربة أو المزارعة أو نحو ذلك، فليس ذلك بسديد، وما التعويض المالي للدائن في هذا الرأي إلا فائدة ربوية مهما اختلفت التسميات، وتنوعت مقاييس تقديره، والله تعالى أعلم».
(3)
مجلة مجمع الفقه الإسلامي (6/ 1/ص:416).
(4)
الشرط الجزائي بحث للدكتور زكي الدين شعبان، ضمن مجلة الحقوق والشريعة (ص: 137).
(5)
مجلة مجمع الفقه الإسلامي، العدد السابع (2/ 60 - 61).