الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الوطء، ولو كان البيع باطلًا لكره له الوطء وغيره، لعدم الملك، فيكون قد اتفق عمر رضي الله عنه مع ابن مسعود على صحة مثل هذا الشرط.
وأما الدليل على صحة الاشتراط كون عمر رضي الله عنه لم يبين فساد هذا الشرط، ولو كان الشرط فاسدًا عنده لبينه عمر رضي الله عنه مع ما عرف عنه من جهره بالحق، وصدعه به.
الدليل الثاني:
قد يشترط البائع ألا يبيعه ولا يهبه، وله في ذلك غرض صحيح، وليس مجرد التحجير على المشتري، فقد يشترط البائع ذلك لمصلحة تعود على العاقد، أو على المعقود عليه، ولا حرج في ذلك:
فالمصلحة التي تعود على العاقد، كما لو علمت حاجة المشتري إلى بيت يسكنه، ولكنه لا يحسن التصرف، فما يقع في يده شيء إلا ويزهد فيه، ويبيعه رغم حاجته إليه، فأردت أن أبيعه، وأشترط عليه ألا يبيعه، وكان الغرض من ذلك نفع المشتري حتى لا يخرجه من ملكه. فهذا الشرط لا يحل حرامًا، ولا يحرم حلالًا، واشتراط البائع له فيه غرض صحيح.
وأما مثال المصلحة التي تعود على المعقود عليه: كما لو كان للبائع عبد صالح، واحتاج إلى بيعه، وخاف إن باعه أن تداوله الأيدي، فيقع في يد من لا يقدره، ولا يحسن عليه بل قد يظلمه، فاشترط على المشتري ألا يخرجه من ملكه، فالمصلحة هنا تعود على المعقود عليه، وليس اشتراط مثل ذلك لمجرد التحجير على المشتري.
الراجح:
من خلال استعراض أدلة الأقوال رأينا كيف أن حديث هشام (اشترطي لهم
الولاء) فيه من الاختلاف ما وقفت عليه، والأكثر على عدم ذكر زيادة (واشترطي لهم الولاء) وعلى فرض أن تكون هذه الزيادة محفوظة فإنه يقال فقط في القضية التي سيق فيها الحديث: كما باع رجل عبده بشرط أن يكون له ولاؤه. أما الذي هو محل تأمل كبير عندي:
هل قياس جميع الشروط التي تخالف مقتضى العقد على اشتراط الولاء قياس صحيح، فإن كان الولاء حقًا ماليًا، له قيمة في العقد صح قياس جميع الشروط التي تخالف مقتضاه، وإن كان الولاء ليس من الحقوق المالية بنص الحديث لم يصح القياس.
(ح-379) فقد روى الشيخان من حديث ابن عمر (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الولاء، وعن هبته)
(1)
.
(ح-380) وروى ابن حبان في صحيحه من حديث ابن عمر مرفوعًا: (الولاء لحمة كلحمة النسب)
(2)
.
فلا يقاس على الولاء غيره من الشروط المالية ولو كانت تخالف مقتضى العقد، وذلك أن كل شرط مالي، ولو كان مخالفًا للعقد قد قابله جزء من الثمن، فإذا بطل الشرط فهل يحق للمشتري أن يأخذ ما يقابله من الثمن بلا عوض، فمثلًا: إذا اشترط المشتري أن لا خسارة عليه، فشرطه هذا شرط يخالف مقتضى العقد، وإذا قبل البائع هذا الشرط فإن المشتري سوف يشتري المبيع بقيمة أكثر مما لو اشتراها بدون هذا الشرط، وهذا معلوم، فيكون البائع قد قبض قيمة هذا الشرط الباطل، فإذا بطل الشرط، ولزم البيع بنفس الثمن، فقد أخذ
(1)
صحيح البخاري (2535)، ومسلم (1506).
(2)
صحيح ابن حبان (4950).
البائع قيمة هذا الشرط الباطل بلا مقابل، فهل يحق له أن يأخذ قيمة هذا الشرط إذا صححنا العقد، أو نقول: يلزم البيع، وما زاد من الثمن مقابل هذا الشرط يرد إلى المشتري؛ لأن عوض الحرام حرام.
وإذا قلنا: بخصم قيمة الشرط، فإن البائع له أن يقول: أنا لم أرض بإخراج المبيع من ملكي بهذا الثمن بعد الخصم، ومن شروط صحة البيع: رضا البائع بالثمن، ورضا المشتري بالمبيع، وهو ما لم يتحقق هنا، فإذا تراضيا على الثمن الجديد فليتعاقدا عليه بعد إبطال العقد بالصورة الأولى، وبهذا نكون قد توجهنا إلى الأخذ بقول الجمهور، وهو إبطال البيع وإبطال الشرط.
هذا الكلام يقال: من حيث الجملة حول ما يسمى بالشرط المخالف لمقتضى العقد، ولا يلزم من ذلك أن يكون كل شرط يخالف مقتضى العقد أن يكون باطلًا خاصة إذا كان للعاقد غرض صحيح مشروع من اشتراط ألا يبيعه، ولا يهبه، فإذا كان له غرض مشروع فإن القول الذي أميل إليه هو صحة التزام مثل هذا الشرط، لأن الأصل في الشروط الصحة والجواز، فلو أراد البائع أن يبيع سلعته على أحد من الناس، وقصد محاباته بهذا البيع وانتفاعه من هذا المبيع، وخشي أنه إن باعه عليه أن يخرجه من ملكه ببيع أو هبة، وهو لم يرد من البيع إلا انتفاع المشتري من المبيع ولولا ذلك لما باعه فإن هذا الشرط لا يوجد ما يمنعه، والغرض منه غرض مشروع وصحيح، والله أعلم.
* * *