الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وهذا القول هو الذي أميل إليه؛ بشرطين:
الشرط الأول:
ألا يكون المبلغ في الشرط الجزائي مبالغًا فيه، فلا يجوز أن يكون الشرط الجزائي يأتي على ربح المقاول كله، فضلًا أن يحمله خسائر، فهذه العقوبة المالية إنما تقلل من ربحه فقط، بحيث لا يتجاوز به ثلث الربح، أو عشرة بالمائة من مقدار العقد، لأن الشرط الجزائي يجب أن يكون قائمًا على العدل، بحيث لا يأتي على نصيب المقاول كله فيكون عمله بلا مقابل، فهذا من الظلم الذي لا تقره الشريعة، بل يجب أن يكون متوازنًا، فإذا كان المبلغ في الشرط الجزائي مبالغًا فيه حمل ذلك على أن مراد العاقد هو التهديد وحمل المقاول على التنفيذ، ويسقط الشرط الجزائي إلا أن يكون هناك ضرر فيقدر بقدره؛ لأن الضرر مدفوع.
الشرط الثاني:
ألا يكون الشرط الجزائي قد نص على أن استحقاقه في مقابل التعويض عن الأضرار، فإن هذا ظاهر بأن العاقدين قد اجتهدا في تقدير الضرر وقت العقد عندما قدرا الشرط الجزائي، وقد يكون الضرر أكثر، أو أقل، ولكن لو كان الشرط الجزائي لم ينص على أنه تعويض في مقابل الأضرار، وإنما كان النص على أنه في مقابل التأخير، فالذي أراه أنه يجب الالتزام بالشرط الجزائي بغض النظر عن قيمة الضرر الواقع من التأخير، لاعتبارات كثيرة منها ما تقدم، ومنها:
- أنه شرط معلق على التأخير، وليس معلقًا على الضرر، فإذا علق الشرط على التأخير استحق بحصول التأخير، ولو لم يكن هناك ضرر.
- ومنها: أن هذا القول هو الذي يتفق مع حق العاقدين في اشتراط الشروط، فلا ينبغي تقييد حريتهما والحد منها إلا فيما يخالف نصًا شرعيًا كما لو كان يلزم من الشرط الوقوع في الربا أو في الغرر، أو لزم منه مخالفة مقتضى العقد، وهذا ليس منها، كل ما هنالك أنه قد يلحق المقاول من جراء الشرط بعض الغبن؛ وهذا ليس كافيًا في تعليق العقد بالضرر؛ لأن جماهير الفقهاء على جواز الغبن لمن دخل على بصيرة.
قال القرطبي: «الجمهور على جواز الغبن في التجارة، مثل أن يبيع رجل ياقوتة بدرهم، وهي تساوي مائة، فذلك جائز، وأن المالك الصحيح الملك، جائز له أن يبيع ماله الكثير، بالتافه اليسير، وهذا ما لا اختلاف فيه بين العلماء إذا عرف قدر ذلك، كما تجوز الهبة، واختلفوا فيه إذا لم يعرف قدر ذلك
…
»
(1)
.
- ومنها: أن المبلغ المتفق عليه كشرط جزائي إما أن يكون في مقابل التأخير، ولو لم يكن هناك ضرر؛ وإما أن يكون في مقابل دفع الضرر:
فإن كان في مقابل التأخير فيجوز أن يأخذ الشرط الجزائي ولو ولم يكن هناك ضرر: لأن الأجل له قيمة في العقد، فالسلعة قيمتها مؤجلة تختلف عن السلعة قيمتها حالة، وهذا أمر معلوم فإن قيمة العقد إذا اشترط على المقاول ونحوه أن يكون إنجازه خلال عام تختلف قيمته عندما يكون العقد مدة إنجازه خلال عامين أو ثلاثة، ولو لم يكن في مقابل التأخير وقوع ضرر، أو فوات منفعة.
وإن كان الشرط الجزائي في مقابل الضرر.
(1)
تفسير القرطبي (5/ 153)، وانظر المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية (2/ 41).
فإما أن يكون الشرط الجزائي أكثر من الضرر، أو مساويًا له، أو أقل منه.
ففي حال كان المبلغ المتفق عليه مساويًا للضرر الواقع فلا إشكال.
وأما في حال كان المبلغ المتفق عليه أقل من الضرر الواقع فإنه يدخل في جواز أن يتنازل الإنسان عن بعض حقه ابتداء، فيجوز إذا كان ذلك بشرط من باب أولى.
وإما إذا كان المبلغ المتفق عليه أكثر من الضرر الواقع، ولم يكن المبلغ فاحشًا بحيث يذهب بالربح كله - بحيث لا يجعل الشرط الجزائي عمل المقاول والمورد والصانع مجانًا بدون مقابل - وكان ذلك باتفاق مسبق بين العاقدين، فما الحرج في دفعه، فإن العربون يدفع، ولو لم يكن هناك ضرر أصلًا، أو كان هناك ضرر ولكن ليس بقدر العربون، ويكون هذا من باب الغرامية المالية بسبب التأخير.
وهذا ما يجري عليه العمل في العقود، فإنك تجد أن العقود تنص على أن التأخير في الشهر الأول تختلف غرامته عن الشهر الثاني، فيجعلون الجزاء تصاعديًا، فالشهر الأول أو اليوم الأول: غرامته مثلًا 1% من قيمة العقد، واليوم الثاني أو الشهر الثاني غرامته بقدر 1.5%، وفي اليوم الثالث: 2%، وهكذا مما يدل على أن الشرط هنا غرامة، وليس تعويضًا عن أضرار، والله أعلم.
وهذا القول يتفق مع ما جاء في نظام المناقصات والمزايدات السعودية، فقد جاء فيها ما يلي:
«إذا تأخر المقاول عن إتمام العمل وتسليمه كاملًا في المواعيد المحددة، ولم تر اللجنة صاحبة المقاولة داعيًا لسحب العمل منه توقع عليه غرامة عن المدة
التي يتأخر فيها إكمال العمل بعد الميعاد المحدد للتسليم إلى أن يتم الاستلام المؤقت دون حاجة إلى تنبيه للمقاول، ويكون توقيع الغرامة على المقاول كما يلي:
1% عن الأسبوع الأول.
1.
5 % عن الأسبوع الثاني.
2% عن الأسبوع الثالث.
2.
5 % عما زاد عن ثلاثة أسابيع.
3% عن أي مدة تزيد عن أربعة أسابيع
(1)
.
* * *
(1)
انظر نظام المناقصات والمزايدات في السعودية (ص: 107) نقلًا من مجلة مجمع الفقه الإسلامي (12/ 2/ص: 81).