الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وللجواب على ذلك لا بد من السؤال: هل الشرط الجزائي عقوبة مالية مقابل الإخلال بالشرط، أو أنه تعويض عن الضرر الحاصل من التأخير.
فإذا قلنا: إن الشرط الجزائي عقوبة مالية مقابل الإخلال بالشرط المتفق عليه لم ندخل في بحث: هل المبلغ في الشرط الجزائي مساو للضرر الحاصل من التأخير، أو أكثر منه، أو أقل.
أما إذا قلنا: إنه تعويض عن الضرر الحاصل من التأخير، فإنه يلزم على ذلك لوازم كثيرة، منها:
أنه لا يستحق شيئًا من الشرط الجزائي إذا ثبت أن التأخير لم يترتب عليه أي ضرر.
ومنها: الرجوع إلى المحاكم الشرعية في تقدير الضرر، ومقابلة ذلك بالمبلغ المتفق عليه.
ومنها: زيادة المبلغ إذا كان المبلغ في الشرط الجزائي المتفق عليه أقل من الضرر الواقع، أو النقص منه إذا كان الشرط الجزائي أكثر من الضرر الواقع.
[ن-41] وقد اختلف العلماء في الشرط الجزائي هل هو عقوبة أو تعويض عن الضرر إلى قولين:
القول الأول:
يرى أن الشرط الجزائي تعويض عن الضرر الحاصل، وبالتالي: لا يستحق شيئًا من شرط له إذا ثبت أن التأخير لم يترتب عليه أي ضرر، ولم يتسبب في فوات أي منفعة مالية.
وهذا ما أخذ به مجمع الفقه الإسلامي، وظاهر قرار هيئة كبار العلماء.
ويرى فضيلة الشيخ الدكتور الصديق الضرير أن جميع القوانين الغربية والعربية على هذا القول
(1)
.
(1)
يقول فضيلة الشيخ الدكتور الصديق الضرير في مجلة مجمع الفقه الإسلامي (12/ 2)(ص: 283): «جميع القوانين في البلاد العربية التي لا تلتزم بالشريعة، والقوانين في البلاد التي تلتزم بالشريعة (القانون الأردني، والقانون السوداني) تشترط حدوث هذا الضرر
…
هذا محل اتفاق بين جميع القوانين، وهو العدل؛ لأن الشرط الجزائي: هو اتفاق على التعويض، لكنه يفترض أن التعويض حدث، وأن هذا الاتفاق مقابل هذا الضرر، ولذلك ألقى عبء إثبات عدم الضرر على الطرف الآخر، لكن المفترض أن هناك ضررًا، وأن التعويض أو المبلغ الذي اتفق عليه مساو لهذا الضرر ما لم يثبت خلافه».
ولي نقاش لفضيلته حول نقطتين:
النقطة الأولى: أنه خلص إلى أن التعويض يجب أن يكون بمقدار الضرر، ويحتج بقوله: لأن الشرط الجزائي: هو اتفاق على التعويض.
وهذا استدلال بمحل النزاع، فمن سَلَّم لفضيلته بأن الشرط الجزائي هو اتفاق على التعويض. فإن للآخر أن يقول: بل هو شرط استحقاقي معلق على التأخير.
النقطة الثانية: احتجاجه بأن الشرط الجزائي تعويض على الضرر بقوله: «هذا محل اتفاق بين جميع القوانين» .
وهذا أولًا ليس بحجة، وثانيًا: لو سلم أن الغرض من الشرط الجزائي التعويض فإنه لا يسلم له بأن القضاء له حق أن يتدخل في إثبات الضرر، أو في زيادة الشرط الجزائي، أو النقص منه، لأنهما لما اتفقا على ذلك قطع المتعاقدان السبيل إلى تدخل القضاء في إثبات الضرر، أو في تقديره، ورضيا بدفع هذا المبلغ بمجرد حصول سببه، وهو التأخير.
جاء في مجلة مجمع الفقه الإسلامي (12/ 2/ص: 241): «القانون الفرنسي ينص صراحة على ذلك بالفصل (1152) مدني: (إذا ذكر في الاتفاق أن الطرف الذي يقصر في تنفيذه يدفع مبلغًا معينًا من المال على سبيل التعويض، فلا نقصان أو زيادة).
علق القاضي: محمود شمام على هذا بقوله: «وهذا يدل صراحة على أن القاضي لا يتدخل لمعاينة الضرر وجودًا أو عدمًا، وإن وجد فلا يطالب بإثباته وتقديره، وليس من حقه أن يعدل ما حصل الاتفاق عليه.
يقول فقيه القانون عبد الرزاق السنهوري: وذلك حتى يكون الغرض من الشرط الجزائي منع أي جدل يدور حول وقوع الضرر، ومقدار التعويض. (التعليق آخر الصفحة (2/ 857) الوسيط).
وقد كان القانون المصري القديم يتمشى مع ذلك إذ ينص (إذا كان المقدار معينًا في العقد فلا يجوز الحكم بأقل أو أكثر منه).
إلا أن التقنين الجديد سمح للقاضي بمعاينة الضرر، وتقديره، ومن ثم مَكَّنه من التعديل، فقد خصت المادة (224) مدني: (لا يكون التعويض الاتفاقي مستحقًا إذا أثبت المدين أن الدائن لم يلحقه ضرر، ويجوز للقاضي أن يخفض هذا التعويض إذا أثبت المدين أن التقدير كان مبالغًا فيه، أو أن الالتزام قد نفذ في جزء منه». اهـ ما نقلته من مجلة مجمع الفقه الإسلامي.
وإذا كانت المسألة خلافية بين أهل القانون لم يمنع المجتهد أن يجتهد في اختيار أقرب القولين للحق.
ففي قرار المجمع ما نصه:
(1)
.
وجاء في قرار هيئة كبار العلماء: «إذا كان الشرط الجزائي كثيرًا عرفًا بحيث يراد به التهديد المالي، ويكون بعيدًا عن مقتضى القواعد الشرعية، فيجب الرجوع في ذلك إلى العدل والإنصاف على حسب ما فات من منفعة، أو لحق من ضرر، ويرجع في تقدير ذلك عند الاختلاف إلى الحاكم الشرعي عن طريق أهل الخبرة والنظر»
(2)
.
(1)
مجلة مجمع الفقه الإسلامي، العدد الثاني عشر (2/ 306).
(2)
قرار هيئة كبار العلماء رقم (25) في تاريخ 21/ 8/1394 هـ.
وهذا النص ليس صريحًا بأن الشرط الجزائي يشترط أن يكون بمقدار الضرر، وإنما الذي أفهمه من عبارة قرار الهيئة:
أن الشرط الجزائي إذا كان متفاحشًا جدًا بحيث يعرف أن المراد منه التهديد، وليس التعويض فهذا لا يجب الوفاء به، بل يرجع إلى التعويض، لأننا لا يمكن لنا أن نعالج الضرر الواقع على من شرط له بالوقوع في أشد منه على المشروط عليه، وإذا لم يجب الوفاء بالمبلغ المتفق عليه لم يكن لنا بد من الرجوع في تقدير المبلغ إلى مقدار الضرر، فإنه مقتضى العدل والإنصاف. لأن الواجب أن يكون التعويض متناسبًا مع مقدار ما ربحه المقاول أو الصانع أو المورد أما إذا لم يكن الشرط الجزائي فاحشًا جدًا فيجب الوفاء به عند الإخلال بالالتزام، ولا يلزم أن يكون التعويض في هذه الحالة بقدر الضرر، بل يجب الوفاء به سواء كان هناك ضرر، أو لم يكن هناك ضرر، وسواء كان التعويض بقدر الضرر أو قل عنه، أو زاد عليه لأن الشرط الجزائي مشروط سلفًا قبل أن يقع الضرر، ويتبين مقداره، فما الفائدة من تقدير الشرط الجزائي إذا كان الواجب هو مقدار الضرر فقط.
فهذا الشيخ عبد الله بن منيع كما سيأتي النقل عنه، وهو أحد أفراد مجلس هيئة كبار العلماء، وممن شارك في صنع هذا القرار يصرح بأن الشرط الجزائي عقوبة مالية، وليس تعويضًا عن الضرر.
وخذ مثالًا آخر على ذلك: الشرط الجزائي في حال المرابحة (شراء السيارات بالتقسيط) قد يشترط المصرف بأنه في حال عدم سداد قسط واحد تحل جميع الأقساط، وقد أجاز المجمع الفقهي هذا الشرط، وسوف أبحثه بحثًا مستقلًا إن شاء الله تعالى.
فإذا حلت جميع الأقساط نظير التأخير عن سداد قسط واحد، فما هو الضرر الواقع على المصرف من تأخر سداد قسط واحد، ليحل جميع الدين، وقد يكون المبلغ الحال كبيرًا جدًا، أليس الضرر هنا على المصرف إن كان هناك ضرر ليس بحجم الشرط الجزائي، فالشرط الجزائي هنا عقوبة، وليس لدفع الضرر.