الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المسألة الثالثة
الحكم التكليفي لتلقي الركبان
[م-360] اختلف العلماء في حكم التلقي لمن كان عالمًا بالنهي.
فقيل: يحرم، وهذا مذهب المالكية
(1)
، والشافعية
(2)
، والحنابلة
(3)
.
وعبر الحنفية بالكراهة، والمراد بها كراهة التحريم عندهم
(4)
.
قال في فتح القدير: «هذه الكراهات - يعني: النجش، والسوم على سوم غيره، وتلقي الجلب، وبيع الحاضر للباد، والبيع عند أذان الجمعة- كلها تحريمية، لا نعلم خلافًا في الإثم»
(5)
.
وقيل: يكره، وهو قول مرجوح في مذهب الحنابلة
(6)
.
والتحريم عند الحنفية في حالتين:
(1)
قال في مواهب الجليل (4/ 379):» لا يجوز للرجل أن يخرج من الحاضرة إلى الجلائب التي تساق إليها، فيشتري منها.
وقال في الاستذكار (21/ 70):» وجملة قول مالك في ذلك، أنه لا يجوز أن يشتري أحد من الجلب والسلع الهابطة إلى الأسواق شيئًا حتى تصل السلعة إلى سوقها
…
».
(2)
قال النووي في الروضة (3/ 413):» يحرم تلقي الركبان
…
».
وقال العمراني في البيان (5/ 352):» لا يحل تلقي الركبان للبيع
…
».
(3)
الإنصاف (4/ 398)، كشاف القناع (3/ 211).
(4)
بدائع الصنائع (5/ 129)، حاشية ابن عابدين (5/ 102)، عمدة القارئ (11/ 284).
(5)
فتح القدير (6/ 476)، وهذا يبين عدم صحة ما حكاه ابن المنذر في إجماعه، حيث يقول:«وأجمعوا على أن تلقي السلع خارجًا لا يجوز، وانفرد النعمان فقال: لا أرى به بأسًا» .
(6)
الإنصاف (4/ 398)، كشاف القناع (3/ 211).
الحالة الأولى: أن يتلقاهم المشترون للطعام منهم، في سنة حاجة، ليبيعوه من أهل البلد بزيادة، فمنع ذلك من أجل الضرر.
الحالة الثانية: أن يشتري منهم بأرخص من سعر البلد، وهم لا يعلمون السعر، فمنع ذلك من أجل الغرر
(1)
.
فإذا لم يكن هناك ضرر كما في الصورة الأولى، ولم يكن هناك غرر كما في الصورة الثانية، فلا بأس بالتلقي.
واشترط المالكية أن يكون المتلقي على دون ستة أميال، فإن كان أكثر من ستة أميال فلا يحرم التلقي على الصحيح من المذهب.
وإن كان دون ستة أميال، وليس في البلد فاشترطوا للتحريم أن يكون المشتري للتجارة، وليس للأكل والقنية.
وإن كانت داره في البلد، فمرت به، فإن كان للبضاعة سوق لم يشتر منها، لا للتجارة، ولا للقنية، حتى تهبط الأسواق، وإن لم يكن للبلد سوق، فإنه يجوز أن يشتري منها إذا دخلت أزقة البلد
(2)
.
والأحاديث مطلقة، والحد بالمسافة بحاجة إلى توقيف.
(1)
انظر حاشية ابن عابدين (5/ 102).
(2)
قال الصاوي في حاشيته على الشرح الصغير (3/ 109)» حاصل ما قاله الشارح في مسألة التلقي، أن الشخص: إما أن يكون خارجًا من البلد المجلوب إليه التجارة، أو منزله خارج عنه تمر به التجارة فمتى كان خارجًا لستة أميال، أو منزله على ستة أميال جاز له الشراء مطلقا للتجارة، أو للقنية كان لتلك السلع سوق بالبلد أم لا.
وإن كان على دون ستة أميال فالخارج يحرم عليه الشراء مطلقا للتجارة أو القنية، كان للسلع سوق أم لا ومن منزله على دون ستة أميال جاز له الأخذ لقوته مطلقا، وللتجارة إن لم يكن للسلع سوق، وهذا الحاصل الذي قاله الشارح زبدة الخلاف الذي في المذهب».
وقد سبق أن تطرقت إلى ذلك عند الكلام على الأحاديث الواردة في النهي عن التلقي.
واشترط بعض المالكية، وهو قول مرجوح لدى الشافعية أن يقصد التلقي، فإن لم يقصد لم يحرم، وهو قول الليث بن سعد، والأوزاعي.
(1)
.
(2)
.
وقال العمراني الشافعي: «وإن خرج لحاجة غير التلقي، فوافى القافلة، فهل يجوز له أن يشتري منهم. فيه وجهان:
أحدهما: يجوز؛ لأنه لم يقصد التلقي.
والثاني: لا يجوز. قال ابن الصباغ: وهو الصحيح؛ لأن المعنى الذي نهي عن التلقي لأجله موجود»
(3)
.
(1)
إكمال المعلم (5/ 139).
(2)
طرح التثريب (6/ 65).
(3)
البيان في مذهب الشافعي (5/ 353 - 354).
وهو المشهور من مذهب الحنابلة.
قال في شرح منتهى الإرادات: «ولو كان المتلقي بلا قصد نصًا؛ لأنه شرع لإزالة ضررهم بالغبن، ولا أثر للقصد فيه .. »
(1)
.
وقال ابن عبد البر في الاستذكار: «وقال الليث بن سعد: .... إن كان على بابه، أو في طريقه، فمرت به سلعة، يريد صاحبها سوق تلك السلعة، فلا بأس أن يشتريها، إذا لم يقصد التلقي؛ لأنه ليس بمتلق، وإنما التلقي أن يعمد إلى ذلك»
(2)
.
وقال في التمهيد: «لم يجعل الأوزاعي القاعد على بابه، فتمر به سلعة، لم يقصد إليها، فيشتريها متلقيًا، والمتلقي عنده: التاجر، القاصد إلى ذلك، الخارج إليه»
(3)
.
وقال الشيخ محمد بن إبراهيم مفتي الديار السعودية - حرسها الله - في زمانه: «لو اشترى إنسان من إنسان في البرية، أو في فناء من أفنية البلد، فلا خيار له - يعني البائع - والبيع صحيح؛ لأنه قصر في الاختيار في البيع، والنهي جاء في التلقي، ولا جاء لا تشتروا من الجالبين في الطريق»
(4)
.
قلت: المفسدة التي من أجلها منع المشتري من التلقي موجودة في هذا العقد، سواء قصد التلقي أو لم يقصده؛ وسواء قلنا: العلة هي حماية الجالب، أو قلنا: إن العلة هي نفع السوق.
* * *
(1)
شرح منتهى الإرادات (2/ 41).
(2)
الاستذكار (21/ 72 - 73).
(3)
التمهيد (13/ 321).
(4)
فتاوى ورسائل سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم (7/ 91).