الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال: اختصم إلى شريح في رجل اكترى من رجل ظهره، فقال: إن لم أخرج يوم كذا وكذا، فلك زيادة كذا وكذا، فلم يخرج يومئذ، وحبسه، فقال شريح: من شرط على نفسه شرطًا طائعًا غير مكره، أجزناه عليه
(1)
.
[إسناده صحيح].
قال الشيخ الزرقاء رحمه الله: «وهذا النوع من الاشتراط المروي عن القاضي شريح في ضمان التعويض عن التعطل والانتظار ما يسمى في الفقه الأجنبي الحديث: الشرط الجزائي»
(2)
.
وعندي أن هذا من بيع العربون، وليس من الشرط الجزائي، وسيأتي الفرق بين بيع العربون، وبين الشرط الجزائي في
الدليل الثاني
، وعلى تقدير أنه من الشرط الجزائي فهذا يساق على أن الشرط الجزائي وجد من يقول به من السلف، ولا يساق على أنه دليل على صحته، فليس كل قول مأثور، عن رجل غير معصوم، يكون قوله حجة، ويساق قوله للاحتجاج كما تساق الأدلة عن الرسول صلى الله عليه وسلم، أو عن صحابته رضوان الله عليهم، ولكن إن سيق للاستئناس به، فلا بأس.
الدليل الثاني:
الشرط الجزائي فيه شبه ببيع العربون، والذي أجازه الحنابلة، ورجحت جوازه في المبحث السابق.
فحقيقة بيع العربون: أن يدفع المشتري مبلغًا من المال للبائع على أنه إن أخذ السلعة يكون ذلك المبلغ محسوبًا من الثمن، وإن تركها فالمبلغ للبائع.
(1)
مصنف عبد الرزاق (8/ 59) رقم: 14303. ورواه البخاري معلقًا بصيغة الجزم (2/ 981). وانظر تغليق التعليق (3/ 415).
(2)
المدخل الفقهي العام (ف: 234).
فكل من الشرط الجزائي وبيع العربون يتضمن التزام أحد طرفي العقد عند التعاقد أن يدفع مبلغًا معينًا من المال فالشرط الجزائي في مقابل الإخلال بالشرط، والعربون في مقابل استعمال خيار العدول عن العقد، فإذا شرطا هذا في العقد، وصدر عن رضا واختيار لزمهما.
وهناك فرق بين بيع العربون، وبين الشرط الجزائي، من ذلك:
1 -
العربون هو في مقابل عدول المشتري عن العقد، أما الشرط الجزائي فهو في مقابل الإخلال بالتزام المقاول أو الصانع.
2 -
الالتزام بدفع العربون عند عدول المشتري قائم ولو لم يترتب على العدول ضرر؛ لأنه مقابل العدول، أما الشرط الجزائي ففيه خلاف:
فقيل: لا يستحق إلا إذا وقع ضرر على الدائن، لأنه تقدير للتعويض عن الضرر.
وقيل: الشرط الجزائي عقوبة مالية للإخلال بالالتزام
(1)
.
3 -
العربون لا يجوز تعديله من القاضي، والشرط الجزائي، إن قيل: إنه تعويض عن الضرر جاز تخفيضه وزيادته، وإن قيل: إنه عقوبة مالية لم يتدخل القاضي بذلك.
4 -
في بيع العربون المشتري مخير بين تنفيذ العقد وترك العربون، أما
(1)
هناك فريق من العلماء يرى عدم وجوب الشرط الجزائي إذا لم يكن هناك ضرر من التأخير، أو كان زائدًا على مقدار الضرر الناشئ عن التأخير، وفريق آخر يرى أن الشرط الجزائي غرامة مالية مقابل عدم الالتزام بالمدة المتفق عليها لتنفيذ العقد، فسواء كان هناك ضرر، أو لم يكن هناك ضرر، فمن حق العاقد أن يشترط تسليم المبيع خلال مدة معينة، وهذا هو الراجح، وقد تكلمت عن هذا في مبحث سابق، عند الكلام على شروط استحقاق الشرط الجزائي، راجعه غير مأمور.