الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الثالث
سقوط الأجل إذا لم يسدد في وقته المحدد
[م-439] قد تنص بعض العقود بأنه في حالة تأخر المدين عن تسديد القسط الذي عليه في حينه، أو في حالة تأخره عن قسطين متتاليين فإن بقية الأقساط تصير حالة بذلك، فما حكم هذا الشرط الجزائي بهذه الصيغة.
وللجواب على ذلك نقول:
إن كان المتأخر عن أداء الأقساط معسرًا فلا يجوز إلزامه بتعجيل الأقساط المؤجلة عليه بسبب العجز؛ وذلك لأن الواجب في حق المعسر الإنظار إلى ميسرة، كما قال تعالى:{وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ} [البقرة:280].
وإن كان المتأخر عن أداء الأقساط موسرًا، ولكنه يماطل في أداء هذه الحقوق، فإن الحنفية وبعض الحنابلة قد نصوا على جواز مثل هذا الشرط الجزائي في حق الموسر المماطل.
(1)
.
وجاء في درر الحكام شرح مجلة الأحكام: «إذا اشترط الدائن في الدين المقسط، بأنه إذا لم يدفع المدين الأقساط في أوقاتها المضروبة، يصبح الدين
(1)
بدائع الصنائع (6/ 45).
معجلًا، فيجب مراعاة الشرط، فإذا لم يف المدين بالشرط، ولم يدفع القسط الأول مثلًا عند حول أجله، يصبح الدين جميعه معجلًا»
(1)
.
وقال ابن القيم: «إن خاف صاحب الحق ألا يفي له من عليه بأدائه عند كل نجم كما أجله، فالحيلة أن يشترط عليه أنه إذا حل نجم، ولم يؤد قسطه فجميع المال عليه حال، فإن نجمه على هذا الشرط جاز، وتمكن من مطالبته به حالًا ومنجمًا
…
»
(2)
.
ولأن هذا الشرط فيه مصلحة للعقد ومصلحة للعاقد:
أما مصلحة العقد فإن مثل هذا الشرط يحمل المدين على الالتزام في سداد الديون بأوقاتها، وهذا احترام لنص الالتزام الذي تضمنه العقد.
وفيه منفعة للعاقد: وذلك لأن من ماطل في سداد قسط واحد، قد يحمله ذلك على المماطلة في سداد بقية الأقساط، فبدلًا من أن يطالبه في كل قسط يتأخر في سداده، وهذا يعني ضياع وقته وماله، فإنه إذا تأخر طالبه مرة واحدة بسداد جميع الأقساط.
ولأن الأصل في الشروط الصحة والجواز، فإذا رضي المدين بهذا الشرط عند التعاقد فإنه يلزمه؛ لأن المؤمنين على شروطهم إلا شرطًا حرم حلالًا أو أحل حرامًا، وهذا الشرط لا يخالف نصًا شرعيًا، ولا يخالف مقتضى العقد، وفيه مصلحة للعاقد فاقتضت القواعد صحته.
وقد نص قرار مجمع الفقه الإسلامي على صحة هذا الشرط.
جاء في قرار المجمع رقم: (53/ 6/2) بشأن البيع بالتقسيط.
«يجوز شرعًا أن
(1)
درر الحكام شرح مجلة الأحكام (1/ 85)، المادة:83.
(2)
أعلام الموقعين (4/ 52).
يشترط البائع بالأجل حلول الأقساط قبل مواعيدها، عند تأخر المدين عن أداء بعضها ما دام المدين قد رضي بهذا الشرط عند التعاقد».
وقد خالف في ذلك أعضاء اللجنة الدائمة للإفتاء في البلاد السعودية، ورأوا أن شرط حلول الأقساط عند تأخر المدين عن السداد لا يجوز، وعللوا ذلك بأنه ينافي مقتضى العقد؛ وهو التأجيل الذي استحقت به هذه الزيادة
(1)
.
وبهذه المسألة نكون - بعون الله وتوفيقه وحده - قد أكملنا البحث في شروط العاقدين، ما يصح منها، وما لا يصح.
* * *
(1)
اللجنة الدائمة الفتوى رقم (18796) برئاسة سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز.