الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عقد السلم
تمهيد
تعريف السلم
تعريف السلم اصطلاحًا
(1)
:
السلم نوع من البيوع، إلا أنه لما كان له شروط خاصة أعطي اسمًا خاصًا. وقد ذكر الفقهاء للسلم تعريفات عدة تختلف فيما بينها في بعض القيود تبعًا لاختلافهم في الشروط المعتبرة فيه.
فالفقهاء متفقون على أن السلم عقد
(2)
. وبعضهم يصرح بأنه عقد بيع
(3)
.
ومتفقون أيضًا أن المبيع موصوف.
(1)
السلم في اللغة، جاء في لسان العرب (12/ 295):«السلم بالتحريك: السلف، وأسلم في الشيء، وسلم، وأسلف بمعنى واحد، والاسم: السلم» .
وفي المصباح المنير (1/ 286): «السلم في البيع مثل السلف وزنًا ومعنى» .
والسلم في لغة العرب معناه: الإعطاء، يقال: أسلم الثوب إلى الخياط، وأسلم في البر، وأصله: أسلم الثمن فيه فحذف. انظر المغرب (ص: 234).
والسلم: لغة أهل الحجاز، والسلف لغة أهل العراق. وسمي سلمًا لتسليم رأس المال في المجلس، وسلفًا لتقديمه رأس المال عاجلًا، قبل تسليم المبيع. انظر عمدة القارئ (12/ 61) كشاف القناع (3/ 288).
(2)
الإنصاف (5/ 84)، مواهب الجليل (4/ 514)، شرح ميارة (2/ 79).
(3)
العناية شرح الهداية (7/ 69 - 70)، البحر الرائق (6/ 168)، حاشية الدسوقي (3/ 195)، مغني المحتاج (2/ 102) قواعد الأحكام في مصالح الأنام (2/ 81).
ومتفقون أيضًا أن الموصوف غير معين: أي دين في الذمة، فلا يجوز في السلم أن يكون العقد على عين معينة، ولو كانت موصوفة؛ لأن العين لا تسمى سلمًا.
ويختلف الدين عن العين بأمرين هما:
الأول: في المتعلق، فالدين متعلق في الذمة، وقد يكون حالًا، وقد يكون مؤجلًا.
والعين يتعلق الحق بذاتها، وليس في الذمة، وقد تكون حاضرة، وقد تكون غائبة.
وبناء على هذا الفرق: فإن ما تعلق بالذمة لا يبطل، ولو تلف مال صاحبه كله؛ لأن متعلقه بالذمة لم يتعلق حقه بعين معينة، بينما العين إذا تلفت بغير تعد، ولا تفريط فقد فاتت على صاحبها؛ لأن حق صاحبها متعلق بعينها.
وكذلك من عليه دين فإن له قضاءه من أي ماله شاء، وإن لم يدفع عينه. بخلاف العين، فإن الحق يتعلق بذاتها لا بأمثالها.
الفارق الثاني: الحوالة والمقاصة لا تجري إلا في الديون؛ لأن الأعيان إنما تستوفى بذاتها لا بأمثالها.
هذا ما يتفق عليه الفقهاء في عقد السلم، وأما ما يختلفون فيه فإنهم يختلفون فيما يلي:
(1)
- يختلف الشافعية مع الجمهور: بأن الشافعية يصححون السلم حالًا ومؤجلًا بينما الجمهور يرون اشتراط الأجل في صحة السلم. وسيأتي إن شاء الله تعالى تحرير الخلاف في السلم الحال.
(2)
- يختلف المالكية مع الجمهور في تسليم الثمن في مجلس العقد.
فالجمهور يشترطون تسليم رأس المال في مجلس العقد، بينما المالكية أجازوا تأجيله اليوم واليومين والثلاثة؛ لخفة الأمر.
هذه هي الفروق، وواضح أن الحنفية والحنابلة متفقون على التعريف، وانفرد المالكية بجواز تأخير الثمن يومًا، أو يومين؛ لقرب الأمر، كما انفرد الشافعية بجواز أن يكون السلم حالًا.
إذا عرف هذا، نأتي إلى ذكر التعريفات:
عرفه الحنفية: بأنه بيع آجل بعاجل
(1)
.
فقوله: (بيع): أخرج القرض، فإنه مبادلة عاجل بآجل، ولكنه على سبيل الإرفاق والإحسان، وليس على سبيل التكسب والمعاوضة.
وقوله (آجل) إشارة إلى أن الحنفية يشترطون الأجل في المسلم فيه، وقد خرج بهذا القيد كل بيع يجب فيه التقابض، كبيع الصرف، وبيع الأموال الربوية المتحدة في العلة، كبيع الذهب بالفضة، وبيع البر بالتمر، فإن هذه البيوع لا يجوز أن يسلم فيها؛ لأنه لا يجوز تأجيل المبيع.
ويؤخذ على التعريف: أنه لم يذكر قيد أن يكون المؤجل متعلقًا بالذمة، فإن المعين قد يكون مؤجلًا، ولا يسمى سلمًا، بل لا بد أن يكون المؤجل متعلقًا بالذمة، أي غير معين.
فمن اشترى سيارة زيد على أن يستلمها بعد شهر فهذا المبيع عين مؤجلة، ولا تتعلق بالذمة؛ لأن السلعة كما قلت معينة، ومن اشترى سيارة يستلمها بعد شهر صفتها كذا، وكذا، ولم يرد سيارة بعينها، فهذا المبيع دين مؤجل، ومحله
(1)
مجمع الأنهر شرح ملتقى الأبحر (2/ 97)، العناية شرح الهداية (7/ 69 - 70)، البحر الرائق (6/ 168).