الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثالث
أن يتم توريد السلعة من دائم العمل
قد يتم توريد السلعة من دائم العمل، كعقود الإعاشة والتغذية للمدارس وشركات الطيران والمستشفيات ونحوها، حيث يتم التسليم فيها على دفعات قد تكون يومية، أو شهرية على مدى عام أو أكثر أو أقل، ويتم دفع الثمن في نهاية العقد، أو أثناء التنفيذ على أقساط
(1)
.
فهذه الصورة إحدى صور عقد التوريد، حيث يؤجل فيها العوضان، والعوضان محلهما الذمة حيث لم يتعين في سلعة بعينها، فهل تأجيل العوضين في هذه الصورة سائغ؟
[م-811] وللجواب على ذلك نقول:
هذه المسألة معروفة في المذهب المالكي بـ (بيعة أهل المدينة) وهو الشراء من دائم العمل كالخباز والجزار والبقال واللبان، على أن تشتري منه كل يوم كذا وكذا من اللبن أو اللحم، أو الخبز، ويؤجل فيها الثمن.
وقد ورد عن مالك وأصحابه روايتان فيها:
الرواية الأولى:
القول بالجواز، وقد اعتبروها بيعًا، ولم يعدوها سلمًا اتباعًا لما جرى عليه العمل بالمدينة بشرطين:
أحدهما: أن يشرع في قبض أوله، وأجازوا التأخير في قبض المبيع إلى
(1)
فقه المعاملات الحديثة - عبد الوهاب أبو سليمان (ص: 100).
خمسة عشر يومًا، واستخفوا ذلك، ولم يعتبروا ذلك دينًا بدين، ولا يجوز تأخير القبض إلى أبعد من خمسة عشر يومًا إلا بشروط السلم.
الثاني: أن يكون المبيع موجودًا عند البائع، أو يكون من أهل حرفته لتيسره عنده.
وليس ذلك محض سلم، ولذلك جاز تأخير الثمن، ولا شراء شيء بعينه حقيقة، ولذلك جاز أن يتأخر قبض جميعه إذا شرع في قبض أوله
(1)
.
(ح-554) والأصل في صحة هذه المعاملة: ما رواه ابن القاسم، عن مالك، عن عبد الرحمن المجمر،
عن سالم بن عبد الله قال: كنا نبتاع اللحم من الجزارين بسعر معلوم نأخذ منه كل يوم رطلًا أو رطلين، أو ثلاثة ويشترط عليهم أن يدفعوا الثمن من العطاء قال: وأنا أرى ذلك حسنًا
(2)
.
(1)
جاء في مواهب الجليل (4/ 538): «والشراء من دائم العمل كالخباز وهو بيع .... هذه تسمى بيعة أهل المدينة لاشتهارها بينهم .... وقد كان الناس يتبايعون اللحم بسعر معلوم، يأخذ كل يوم شيئًا معلومًا، ويشرع في الأخذ ويتأخر الثمن إلى العطاء، وكذلك كل ما يباع في الأسواق ولا يكون إلا بأمر معلوم يسمى ما يأخذ كل يوم، وكان العطاء يومئذ مأمونًا، ولم يروه دينا بدين واستخفوه
…
وقد ذكروا أنه يتأخر الشروع العشرة الأيام ونحوها ..... قال مالك: ولا أرى به بأسًا إذا كان العطاء مأمونًا، وكان الثمن إلى أجل فلا أرى به بأسًا. قال ابن رشد: كنا إلخ يدل على أنه معلوم عندهم مشهور ولاشتهار ذلك من فعلهم سمي بيعة أهل المدينة وهذا أجازه مالك وأصحابه اتباعا لما جرى عليه العمل بالمدينة بشرطين: أن يشرع في أخذ ما أسلم فيه، وأن يكون أصله عند المسلم إليه على ما قاله غير ابن القاسم في سماع سحنون من السلم والآجال، وليس ذلك محض سلم ولذلك جاز تأخير رأس المال إليه فيه، ولا شراء شيء بعينه حقيقة ولذلك جاز أن يتأخر قبض جميعه إذا شرع في قبض أوله
…
».
(2)
هذا الأثر نقله فقهاء المالكية من سماع ابن القاسم من كتاب الجامع، انظر حاشية العدوي (2/ 183)، منح الجليل (5/ 384)، مواهب الجليل (4/ 538).