الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الثالث
في صفة العيب المضمون
[م-786] إذا أحدث المقاول عيبًا فإن كان بالإمكان تدارك ما أحدثه من عيب، وذلك بالقيام بإصلاح ذلك الشيء ففي هذه الحالة يحق لرب العمل أن يطالب المقاول إما بالتنفيذ العيني للعقد، أو فسخ العقد ورد البدل مع التعويض إن كان له مقتضٍ، ويترتب على ذلك مسؤولية المقاول عن الأضرار المتولدة عن فعله وصنعه.
وإن كان العيب ليس بالإمكان تداركه وإصلاحه، فإن المقاول يضمن بشرط أن يكون العيب مؤثرًا، وهذا شرط لا بد منه، ولا يختلف الفقهاء في الضمان إذا كان النقص كثيرًا، سواء كان ينقص العين، أو ينقص القيمة.
وإن كان العيب لا ينقص العين ولا القيمة، ومنفعته تامة فليس لرب العمل خيار في رد العين
(1)
.
واختلفوا في النقص اليسير على ثلاثة أقوال:
القول الأول:
إن كان العيب ينقص القيمة أَثَّر ذلك مطلقًا، يسيرًا كان، أو كثيرًا. وهذا مذهب الحنفية
(2)
،
(1)
البحر الرائق (6/ 42)، الشرح الكبير (3/ 108)، الخرشي (5/ 126 - 127)، مغني المحتاج (2/ 51).
(2)
بدائع الصنائع (5/ 274)، فتح القدير (6/ 357)، وقول الحنفية بأن ما ينقص القيمة يؤثر مطلقًا يقصدون به ما كان بدل مال، يبين ذلك ما ورد في الفتاوى الهندية (3/ 75):«كل عقد ينفسخ بالرد، ويكون مضمونًا بما يقابله يرد بالعيب اليسير والفاحش .... وكل عقد لا ينفسخ بالرد، ويكون مضمونا بنفسه لا بما يقابله، كالمهر وبدل الخلع والقصاص، فإنه لا يرد بالعيب اليسير، وإنما يرد بالعيب الفاحش. هكذا في شرح الطحاوي» .
والمالكية
(1)
، وأحد القولين في مذهب الشافعية
(2)
،
ومذهب الحنابلة
(3)
.
(1)
قسم المالكية العيوب ثلاثة أقسام:
قسم: لا يحط من الثمن شيئًا ليسارته، أو لأن المبيع لا ينفك منه.
والثاني: ما يحط من الثمن يسيرًا.
والثالث: ما يحط من الثمن كثيرًا.
قال ابن رشد في المقدمات (2/ 101): «فأما ما لا يحط من الثمن شيئًا ليسارته، أو لأن المبيع لاينفك منه، فإنه لا حكم له» .
وانظر مواهب الجليل (434 - 435)، المنتقى للباجي (4/ 188)، الفواكه الدواني (2/ 82)، التاج والإكليل (4/ 455)، شرح ميارة (2/ 33). الخرشي (5/ 132).
وذكر صاحب الشرح الشرح الكبير (3/ 114) الرد بالعيب القليل كالكثير، واختلاف حكم اليسير عند المالكية بين العروض وبين الأصول (كالعقار) ليس راجعًا إلى عدم اعتبار اليسير، وإنما هو راجع إلى اختلاف الأثر المترتب على العيب بعد اعتبار أن العيب اليسير مؤثر مطلقًا، لكن يختلف أثره من اعتبار الرجوع في قيمة النقص، أو رد العين المعيبة، ليس إلا.
(2)
الضابط عند الشافعية في العيب الموثر، ما ذكروه من قولهم:«ما نقص القيمة، أو العين نقصًا يفوت به غرض صحيح، ويغلب على أمثاله عدمه» .
انظر المجموع (11/ 548) فرأى بعض الشافعية: أن قولهم نقصًا يفوت به غرض صحيح راجع إلى العين خاصة، وبالتالي ما نقص من القيمة مؤثر مطلقًا، يسيرًا كان أو كثيرًا، وما نقص من العين، فإنه لا يؤثر إلا إن كان نقصًا يفوت به غرض صحيح.
قال في المجموع (11/ 548): «وإن لم يكتف بنقص العين، واشترط فوات غرض صحيح؛ لأنه لو قطع من فخذه، أو ساقه قطعة يسيرة، لا تورث شيئًا، ولا يفوت غرض، لايثبت الرد، ولهذا قال صاحب التقريب: إن قطع من أذن الشاة ما يمنع التضحية ثبت الرد، وإلا فلا» . وانظر السراج الوهاج (ص: 186).
وهناك قول آخر في مذهب الشافعية: أن قوله: يفوت به غرض صحيح راجع إلى القيمة والعين معًا، وبالتالي فالنقص اليسير الذي لا يفوت به غرض صحيح مما يتغابن الناس في مثله لا يؤثر، ولا يوجب الرد.
(3)
قال في الفروع (4/ 104): «ويسير عيب مبيع كالكثير، وهو نسبة قدر النقص إلى قيمته صحيحًا
…
». فقوله: «وهو نسبة قدر النقص» تبين أن المراد باليسير هنا ما ينقص القيمة، وإن قل، وليس مطلق العيب.
وقال في المغني (4/ 113): «فصل في معرفة العيوب: وهي النقائص الموجبة لنقص المالية في عادات التجار; لأن المبيع إنما صار محلا للعقد باعتبار صفة المالية فما يوجب نقصًا فيها يكون عيبًا» . وقد أطلق النقص في المالية ليشمل الكثير واليسير، وفهم منه أن ما لا يوجب نقصًا في المالية فليس بعيب. اهـ