الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الشرط الثاني
في كون المسلم فيه أو عوضه منفعة
قال الخرشي: قبض الأوائل، كقبض الأواخر
(1)
.
[م-705] سبق لنا عند الكلام على تعريف البيع ذكر صور البيع، من ذلك:
(أ) بيع المقايضة: وهو بيع العروض بعضها ببعض.
(ب) بيع الصرف: وهو بيع الأثمان بعضها ببعض.
(جـ) بيع الأعيان بالأثمان، كبيع السلعة بالدراهم، وهو البيع المشهور. ويصل التقسيم إلى تسع صور مشهورة سبق ذكرها، وضرب الأمثلة عليها.
وأما الصور التي يكون عليها بيع السلم، فمنها:
(1)
- أن يكون رأس المال من الأثمان (الدراهم والدنانير)، وما يقوم مقامها من الأوراق النقدية، والمسلم فيه من العروض الموصوفة في الذمة كالحنطة، والشعير، والأرز.
(2)
عكس المسألة السابقة، أن يكون رأس المال من العروض، كالحيوان، والثياب، والمسلم فيه من الأثمان (الدراهم والدنانير) أو ما يقوم مقامها، وهذا جائز على الصحيح، وهو مذهب الجمهور كما سيأتي إن شاء الله بحثه في مسألة مستقلة.
(3)
- أن يكون رأس المال من العروض كالحيوان، والثياب، والمسلم فيه من العروض الموصوفة في الذمة، كالحنطة، والشعير ونحوها.
(4)
- أن يكون رأس المال أو عوضه من المنافع، فالمنافع كما يجوز أن تكون
(1)
الخرشي (5/ 203)، وانظر حاشية الدسوقي (3/ 196).
رأس مال في السلم، فإنه يجوز أن تكون مسلمًا فيها؛ لأن المنافع تثبت في الذمة كالأعيان. وهذا القسم هو موضع البحث في هذا الفصل.
وعندما نقول: (كون المسلم فيه أو عوضه منفعة) لا نقصد بالمنفعة ثمرة الأعيان، كحليب الأنعام، وثمرة الأشجار، بل المقصود بالمنافع: هي المنافع المعنوية (الأعراض) التي تقوم بالأعيان، مثل سكنى الدار، وركوب الدابة، ونحوها.
وقد أجاز المالكية، والشافعية، والحنابلة، كون المسلم فيه أو عوضه من المنافع.
(1)
.
وذكر صاحب مواهب الجليل عن ابن عرفة، أنه صحح كون رأس المال منفعة معينة، ولو حل أجل الطعام المسلم فيه قبل استيفاء المنفعة التي هي رأس المال
(2)
.
وجاء في أسنى المطالب: «ويجوز جعل المنفعة رأس مال كغيرها، وتسليمها بتسليم العين»
(3)
.
(1)
الخرشي (5/ 203).
(2)
مواهب الجليل (4/ 516).
(3)
أسنى المطالب (2/ 123)، وانظر حاشيتي قليوبي وعميرة (2/ 305)، تحفة المحتاج (5/ 6)، نهاية المحتاج (4/ 186)، مغني المحتاج (2/ 103).
وجاء في مجلة الأحكام الشرعية على مذهب الحنابلة، ما نصه:«السلم في المنافع صحيح بلفظ السلم، أو السلف، فلو قال: أسلمتك هذا الدينار في منفعة عبد، صفته كذا وكذا، لبناء حائط معلوم. أو أسلفتك هذه الدراهم في منفعة دابة، صفتها كذا، وكذا لحمل، أو ركوب معلومين، وقَبِل المؤجر صح سلمًا، ولزم فيه قبض الأجرة في المجلس، وتأجيل النفع إلى أجل معلوم»
(1)
.
ولم أقف على نص من كتب الحنفية يكشف لي مذهبهم في هذه المسألة، إلا أنه معروف في مذهبهم أن المنافع من قبيل الملك، ولا تعتبر مالًا؛ لأن المالية عندهم لا تتحقق إلا بتوفر أمرين:
أحدهما: أن يكون الشيء مما يمكن حيازته وادخاره، والمنافع لا يمكن حيازتها، ولا ادخارها فلا تعتبر مالًا.
الثاني: أن يكون الشيء مما له قيمة مادية بين الناس، فيخرج بذلك حبة القمح، والأرز، فإنه لا ينتفع بها وحدها عادة
(2)
.
والصواب مع قول الجمهور.
* * *
(1)
مجلة الأحكام الشرعية المادة (539).
(2)
كشف الأسرار (1/ 268)، البحر الرائق (5/ 277)، غمز عيون البصائر في شرح الأشباه والنظائر (4/ 5)، حاشية ابن عابدين (4/ 501). وانظر الموسوعة الكويتية (25/ 200)، عقد السلم في الشريعة الإسلامية - نزيه حماد (ص: 33).