الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الثالث
في شروط عقد الإستصناع
الشرط الأول
ذكر الجنس والنوع والقدر
[م-757] هذا الشرط يرجع إلى اشتراط كون المبيع معلومًا، وهو شرط في كل مبيع، وليس خاصًا في عقد الاستصناع.
جاء في درر الحكام: «يلزم في الاستصناع وصف المصنوع وصفًا يمنع حدوث أي نزاع لجهالة شيء من أوصافه، وتعريفه تعريفًا يتضح به جنسه ونوعه على الوجه المطلوب، ولما كان المصنوع بيعًا
…
كان من اللازم العلم به تماما»
(1)
.
وقال الكاساني: «وأما شرائط جوازه، فمنها: بيان جنس المصنوع، ونوعه، وقدره، وصفته؛ لأنه لا يصير معلومًا بدونه»
(2)
.
* * *
(1)
درر الحكام شرح مجلة الأحكام (1/ 424).
(2)
بدائع الصنائع (5/ 3).
الشرط الثاني
أن يكون مما يجري فيه التعامل بين الناس
[م-758] اشترط الحنفية أن يكون عقد الاستصناع في الأمور التي يجري فيها التعامل بين الناس، وهذا الشرط محل اتفاق بينهم.
وعللوا ذلك: بأن جوازه كان على خلاف القياس، وإنما ثبت جوازه بتعامل الناس فيه، فيختص حكمه بما لهم فيه تعامل، وأما ما لا تعامل لهم فيه فيبقى على وفق القياس، وهو المنع إلا بصورة السلم وشروطه، والله أعلم.
قال الكاساني في بدائع الصنائع: «وأما شرائط جوازه .... منها: أن يكون ما للناس فيه تعامل كالقلنسوة والخف .... لأن جوازه - مع أن القياس يأباه- ثبت بتعامل الناس، فيختص بما لهم فيه تعامل، ويبقى الأمر فيها وراء ذلك موكولًا إلى القياس»
(1)
.
وجاء في درر الحكام «يلزم أن يكون الاستصناع في الأشياء المتعامل فيها، أما التي لم يجر التعامل فيها، فالعقد فيها فاسد
…
»
(2)
.
وجاء في الهداية: «بخلاف ما لا تعامل فيه؛ لأنه استصناع فاسد، فيحمل على السلم الصحيح»
(3)
.
وإذا كان مرد ذلك إلى تعامل الناس، فإن تعامل الناس يختلف من عصر إلى
(1)
بدائع الصنائع (5/ 209 - 210).
(2)
درر الحكام شرح مجلة الأحكام (1/ 422)، وانظر حاشية ابن عابدين (5/ 224)، البحر الرائق (6/ 186).
(3)
الهداية (3/ 78)، وانظر حاشية ابن عابدين (5/ 224)، وفي الموسوعة الكويتية (3/ 328):«أن يكون مما يجري فيه التعامل بين الناس؛ لأن ما لا تعامل فيه يرجع فيه للقياس، فيحمل على السلم، ويأخذ أحكامه» .
عصر، ومن بلد إلى آخر، وإذا كان الحنفية يمنعون الاستصناع في الثياب في عصرهم، فإنه لا يمكن أن يمنع من ذلك في عصرنا، لجريان التعامل بين الناس في عصرنا على الذهاب إلى الخياط، وتحديد القماش، ثم يقوم البائع بخياطة القماش إلى ثوب، أو إلى غيره مما يلبس، وهكذا إذا تعامل الناس فيما لم يجر فيه التعامل من قبل، أمكن أن يجري فيه عقد الاستصناع، والله أعلم، وهذا لا إشكال فيه بحسب مذهب الحنفية، والذين وضعوا هذا الشرط، وهو أن يجري الاستصناع بما جرى فيه التعامل بين الناس.
ولكن السؤال الذي يطرح نفسه، كيف نفتح أمام الاستصناع هذا الباب الواسع في كل ما تدخله الصنعة، فإننا بهذا التوسع نكون قد خالفنا المذاهب الأربعة جميعًا: الثلاثة الذين لم يقبلوا عقد الاستصناع من الأصل إلا إذا توفرت فيه شروط السلم، وفي مقدمها: تعجيل الثمن، والحنفية الذين لم يجيزوه مستقلًا عن السلم إلا بشرط أن يجري فيما تعارف الناس على التعامل فيه؛ لأن العمل فيه من لدن الناس جعله مستثنى من الأصل، فما لم يتعارف الناس على التعامل فيه، لا يصح فيه الاستصناع، تمسكًا بالأصل، وهو عدم جواز بيع المعدوم، ومن ثم قيدوا القول بالجواز بالمتعارف؟
قال الشيخ مصطفى الزرقاء:
«هذه ملاحظة واردة بالنظر الفقهي، وتحتاج إلى جواب.
ويبدو لنا في الجواب: أن تنوع الحاجات، والصناعات، واختلاف الأشكال، والأوصاف، والخصائص في أصناف النوع الواحد، إلى درجة كبيرة مما تفتقت عنه أذهان المخترعين في عصر الانفجار الصناعي هذا، قد أدى إلى أن يصبح طريق الاستصناع متعارفًا عليه في كل ما يصنع بوجه عام»
(1)
.
(1)
مجلة مجمع الفقه الإسلامي، العدد السابع (2/ 254).
وعندي أن هذا الجواب لا يشفي الصدر، والجواب أن يقال: الأصل في المصانع اليوم أنها لا تقوم بصناعة شيء بناء على حاجة خاصة، أو على طلب مجموعة من الأفراد؛ لأن آلية المصانع إنما تقوم على أساس حاجة السوق إلى هذه الصناعة، فما لم تكن صناعته مربحة ومطلوبة بشكل واسع، فإن المصانع لا تتجه إلى العمل فيها؛ لأن بناء المصانع مكلف جدًا، فإذا علم أن هناك طلبًا كبيرًا على تلك الصناعة، فإن هذا يعني: أن التعامل فيها يجري بشكل واسع، ومتعارف عليه، وبهذا يتحقق شرط الجواز عند الحنفية، والله أعلم.
* * *