الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
القول الثاني:
إذا زاد عليه غيره سقط إيجابه، وهو اختيار الأبياني من المالكية، وكان العمل عليه في أكثر البلاد.
(1)
.
وجه هذا القول:
أن العمل والعرف قد جرى في أكثر البلاد على أن البيع لا يلزمه إذا زاد غيره عليه، والمعروف عرفًا كالمشروط شرطًا.
فإذا قسنا على ذلك المناقصة قلنا: إن العطاء الأقل مسقط للعطاء الأكثر.
الراجح:
في بيع المناقصة كان أطراف العقد فيها قد قبلوا بسقوط ما يسمى بخيار المجلس، وخيار المجلس يسقط بإرادة المتعاقدين سواء كان ذلك شرطًا أو عرفًا، ويبقى التفصيل أن يقال:
إن كان المناقص له يمثل نفسه وليس من أشخاص القانون العام، فإن له الحق أن يشتري سلعته ممن يشاء، وذلك أن المناقص له قد لا يرغب في التعاقد مع
(1)
مواهب الجليل (4/ 239).
صاحب العطاء الأقل إما لأنه مماطل، أو لأنه قليل الخبرة في القيام بالمعقود عليه كما لو كان المطلوب عملًا معينًا، أو كان عسرًا في تعامله، أو لغير ذلك من الأعمال.
وأما إذا كان المناقص له وكيلًا فلا يجوز له أن يمضي البيع لصاحب العطاء الأكثر إلا بإذن الموكل.
وكذلك الشأن فيما يتعلق في أملاك الدولة، فإن الشخص يتصرف فيها بالوكالة. فما يباع في المزاد من أملاك الدولة لا يجوز أن يباع على صاحب العطاء الأقل، وما يشترى بأموال الدولة عن طريق عقود المناقصة يجب أن يشترى من صاحب العطاء الأقل بشرط الالتزام بالشروط والمواصفات؛ لأن المتصرف وكيل عن المسلمين الممثلين في بيت المال، وإلا حصل في هذا الأمر تلاعب لا يخفى قد تضيع فيه الأموال العامة بحجة أنه يجوز أن يرسو المزاد على صاحب العطاء الأكثر
(1)
.
(1)
وقد ذهبت القوانين العربية إلى الأخذ بما قاله الأبياني، يقول القانون المدني المصري مادة (99):«لا يتم العقد في المزايدات إلا برسو المزاد، ويسقط العطاء بعطاء يزيد عليه، ولو كان باطلًا» .
فالعطاء الأكثر يسقط الأقل، ولو كان العطاء الأكثر باطلًا كما لو كان الإيجاب صادرًا من شخص يحضر عليه القانون شراء ذلك الشيء المعروض للبيع كما لو صدر الإيجاب من رجال القضاء والنيابة العامة، ففي المادة (471) من القانون المدني المصري «لا يجوز للقضاة ولا أعضاء النيابة ولا للمحامين ولا لكتبة المحاكم ولا للمحضرين أن يشتروا لا بأسمائهم، ولا باسم مستعار الحق المتنازع فيه، كله أو بعضه إذا كان النظر في النزاع يدخل في اختصاص المحكمة التي يباشرون أعمالهم في دائرتها، وإلا كان البيع باطلًا.
وخالف في هذا القانون الكويتي فقد أخذ بمذهب المالكية، انظر المادة (79) مدني كويتي، في حالة المزايدات التي تجري داخل مظروفات، فقررت أنه لا يسقط عطاء المتزايد بعطاء أفضل، ويكون للداعي إلى المزاد أن يقبل من العطاءات المقدمة ما يراه أصلح .. ».
وما دام أن المنع من أجل سد الذريعة إلى الفساد فكلما اتخذت من الإجراءات ما يسد الفساد جاز ذلك.
قال الشيخ مصطفى الزرقاء: «إذا كانت المزايدة أو المناقصة جارية بطريق الظرف المختوم، بأن يرسل المتزاحمون معروضاتهم في الأسعار دون أن يعلم أحدهم بما قدم الآخر، ثم تفتح هذه المعروضات فإنها تعتبر بحكم إيجابات متعددة، فيصح للطرف الآخر - أي البائع في حال المزايدة والمشتري في حال المناقصة - أن يبني قبوله على ما شاء منها، فيلزم صاحبه، ولو كان ما قد قبله هو الأقل في حال المزايدة، أو الأكثر في حال المناقصة.
على أن هذا الاختيار لا يصح في المزايدات أو المناقصات التي تروجها الدوائر الرسمية من فروع الحكومة فيما تحتاج إلى بيعه وشرائه؛ لأنها لا يجوز لها أن تختار من الأسعار المعروضة إلا ما هو أوفق لمصلحة بيت المال العام، وهو السعر الأكثر في حال المزايدة، والأقل في حال المناقصة»
(1)
.
وقال الشيخ القاضي محمد تقي العثماني: «لو أجرينا المناقصة على أساس هذا القول - يعني مذهب المالكية - جاز لصاحب المناقصة أن يقبل أي عرض شاء، سواء كان أقل أو أكثر، وربما تضطر الجهة الطالبة للمناقصة إلى قبول عرض سعر أكثر لمصالح أخرى، مثل كون صاحب العرض أتقن، أو أوثق بالنسبة لمن عرض سعرًا أقل، ولكن بما أن المناقصات تجري عمومًا من قبل الجهات الحكومية أو المؤسسات الحكومية التي تمر فيها العملية من خلال أيدي كثير من الناس فإن قبول السعر الأكثر معرض لتهمة التواطؤ والرشوة
(1)
العقود المسماة في الفقه الإسلامي - عقد البيع (ص: 167).
وغيرها، فينبغي أن تكون مثل هذه المناقصات خاضعة لتشريعات تضمن شفافية العملية، ويؤمن معها التواطؤ والرشوة»
(1)
.
* * *
(1)
مجلة مجمع الفقه الإسلامي، العدد الثاني عشر (2/ 329).