الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الرابع
التوريد عقد مركب من بيع وإجارة
[م-806] من أهم الأمور التي ينبغي تحريرها في عقد التوريد هل هو عقد بيع، أو عقد إجارة، أو هو عقد مركب من بيع وإجارة؟
وأهمية ذلك ترجع إلى اشتراط تقديم الثمن.
فإن قلنا: إن عقد التوريد عقد بيع، وكان المبيع موصوفًا في الذمة اشترطنا تقديم الثمن حتى لا نقع في بيع الدين بالدين.
ولما كانت الممارسات القائمة في أسواق المسلمين لا تقوم على تقديم الثمن؛ لأن في ذلك مخاطرة كبيرة فقد لا يلتزم المورد بتسليم البضاعة، وإذا التزم بتسليمها فقد لا يلتزم بالمواصفات المتفق عليها.
لذا رأى بعضهم أن يفتي بجواز هذه المعاملة بالرغم من كونه مخالفًا للأصول، وذلك على أساس أن الحاجة تنزل منزلة الضرورة، ولأنه ليس في هذا العقد ما يؤدي إلى الربا أو القمار، أو الغرر الفاحش الذي هو علة لمنع بيع الكالئ بالكالئ.
قال الشيخ القاضي محمد تقي العثماني: «ولكن هذا الرأي فيه نظر من وجوه، ولو فتحنا باب غض النظر عن هذه المبادئ التي استمر عليها الفقه الإسلامي عبر القرون، فإن ذلك يفتح المجال لإباحة كثير من العقود الفاسدة التي ابتدعها السوق الرأسمالي مثل المستقبليات وغيرها»
(1)
.
(1)
مجلة مجمع الفقه الإسلامي، العدد الثاني عشر (2/ 314).
ومنهم من حاول الهروب من هذا الإشكال بالقول:
إن هذا ليس عقدًا، وإنما هو من قبيل المواعدة الملزمة، أما البيع الفعلي فلا ينعقد إلا عند تسليم المبيعات
…
وهذا رأي مجموعة من الباحثين، منهم الشيخ العثماني.
وقريب من هذا القول رأي الشيخ وهبة الزحيلي:
يقول الشيخ وهبة: «ما يتعلق بعقد التوريد هو في الواقع مجرد اتفاق أولي بين الجهة المستفيدة وبين الجهة المقدمة لهذه الخدمات، فهو اتفاق ينقلب في نهاية الأمر إلى عقود فردية متكررة، كلما تقدم المورد بصفقة معينة يقدم فاتورة المبيعات ويذكر الثمن، ثم تأتي الجهة التي تستفيد من هذا التنفيذ بإقرار هذا العمل، وتدفع له الثمن على هذه الصفقة التي قدمها، فإذن هناك عدة عقود انفرادية من خلال اتفاق شامل، وهو الذي تسميه القوانين عقود التوريد، والأدق أن يقال له: اتفاق التوريد، فإذن ينقلب الأمر من اتفاق إلى عقد عند التنفيذ
…
»
(1)
.
واضطرب الشيخ عبد الوهاب أبو سليمان فتارة يسميه وعدًا واتفاقًا، وتارة يطلق عليه بأنه عقد جائز قابل للفسخ، وبينهما فرق، فالوعد ليس عقدًا حتى يقال: إنه عقد جائز.
(2)
.
(1)
المرجع السابق (2/ 535).
(2)
فقه المعاملات الحديثة - عبد الوهاب أبو سليمان (ص: 91).