الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الثاني
في الحكم الفقهي للمقاولة
[م-764] عقد المقاولة إما أن يعتبر عقدًا جديدًا، أو يعتبر من العقود المسماة.
فإن اعتبرناه عقدًا جديد، فإن الصحيح من أقوال أهل العلم جواز إحداث عقود جديدة.
لقوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [المائدة:1].
وقوله تعالى: {وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدتُّمْ} [النحل:91].
ولأن «الأمور قسمان: عبادات ومعاملات، فالعبادات الأصل فيها التحريم؛ لأن التعبد لا بد فيه من الإذن الشرعي على فعله، ولهذا ذم الله سبحانه وتعالى المشركين الذين شرعوا لهم دينًا من قبل أنفسهم، فقال:{أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُم مِّنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَن بِهِ اللَّهُ} [الشورى:21].
وأما المعاملات فالأصل فيها الحل، حتى يأتي دليل شرعي يمنع من ذلك لقوله تعالى:{وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} [البقرة: 275]. فالبيع مطلق يشمل كل بيع إلا ما دل الدليل الخاص على تحريمه.
وقوله تعالى: {إِلَّا أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ} [النساء: 29].
فلم يشترط إلا مجرد الرضا.
فإذا كانت العقود والشروط من باب الأفعال العادية فالأصل فيها عدم التحريم، فيستصحب عدم التحريم فيها حتى يدل دليل على التحريم كما أن
الأعيان الأصل فيها عدم التحريم وقوله تعالى: {وَقَدْ فَصَّلَ لَكُم مَّا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ} [الأنعام:119] عام في الأعيان والأفعال وإذا لم تكن حراما لم تكن فاسدة; لأن الفساد إنما ينشأ من التحريم وإذا لم تكن فاسدة كانت صحيحة وأيضًا فليس في الشرع ما يدل على تحريم جنس العقود والشروط إلا ما ثبت حله بعينه»
(1)
.
وقد عقدت فصلًا في الأدلة على جواز إحداث عقود جديدة في كتاب عقد البيع فأغنى عن إعادته هنا.
وإن اعتبرنا عقد المقاولة من العقود المسماة، فإنه سوف يأخذ حكم عقدين في الفقه الإسلامي:
الأول منهما: عقد الاستصناع إن كان المقاول قد تعهد بتقديم المواد من عنده، وقد ذكرنا الخلاف في جواز عقد الاستصناع، وبينا أن الراجح جوازه عند الكلام على عقد الاستصناع فلا حاجة إلى إعادته.
الثاني: عقد الأجير المشترك إن كان صاحب العمل قد تعهد بتقديم المواد من عنده.
والأدلة على جواز عقد الأجير المشترك من القرآن والسنة وإجماع الأمة.
أما القرآن فقال تعالى: {فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} [الطلاق:6].
وقال تعالى: {قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَاأَبَتِ اسْتَئْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَئْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ (26) قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَن تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرًا فَمِنْ عِندِكَ} الآية [القصص: 26، 27].
(1)
انظر الفتاوى الكبرى (4/ 90)، مجموع الفتاوى (29/ 152).