الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الرابع
في إيفاء المسلم فيه
إذا أحضر المسلم إليه المسلم فيه، ودفعه إلى ربه، تنفيذا للاتفاق القائم بينهما، وإبراء لذمته، فهل يجب على رب السلم قبوله وقبضه مطلقًا، أم أنه يجب عليه قبوله في حالات، ولا يجب في حالات. هذا ما سوف نكشف عنه من خلال البحث التالي.
أولًا: الحالات التي يجب على المسلم قبول المسلم فيه:
يجب على المسلم قبول المسلم فيه إذا أحضره المسلم إليه في الحالات التالية:
الحال الأولى:
[م-742] إذا أحضر المسلم إليه المسلم فيه عند حلول الأجل وفق صفاته المشروطة في العقد والمتفق عليها بينهما في عقد السلم، فإنه يجب على المسلم قبوله، فإذا أسلم بطعام جيد فأتاه بطعام يقع عليه اسم الجيد، وإن كان غيره أجود منه لزمه قبوله، وإن تضمن ضررًا عليه في قبضه؛ لأنه حقه فوجب عليه قبوله كالوديعة، ولأن الضرر لا يزال بالضرر، ولأن في ذلك إبراء لذمة المسلم إليه، وهذا بالاتفاق
(1)
.
الحال الثانية:
إذا تم تسليم المسلم فيه بصفة أجود من المتفق عليها، فلا خلاف بين الفقهاء في جواز قبوله، واختلفوا في وجوب ذلك على رب السلم:
(1)
انظر الشرح الكبير (3/ 220 - 221)، البيان في مذهب الإمام الشافعي (5/ 438)، المغني (4/ 203)، الكافي في فقه الإمام أحمد (2/ 117)، كشاف القناع (3/ 301).
فقيل: يجب على المسلم قبوله. وهذا مذهب الجمهور
(1)
.
وعللوا ذلك:
الأول: أنه من باب حسن القضاء.
الثاني: أن الامتناع عن قبوله عناد؛ لأنه قد زاده خيرًا.
الثالث: أن قبوله لا يفوت عليه أي غرض يبتغيه.
وقيل: يجوز قبول الأجود عن الأدنى، ولا يجب؛ لما في ذلك من المنة. وقياسًا على زيادة العدد. وهو مذهب المالكية
(2)
، وقول مرجوح في مذهب الشافعية
(3)
.
ورد:
بأن الجودة والرداءة لا يمكن فصلها، بخلاف الزيادة في العدد فإنها من قبيل الهبة فلم يلزمه قبولها.
وقيل: إن دفع ذلك على وجه التفضيل لا يلزم المسلم القبول، وإن دفعه لأجل أن يدفع عن نفسه مشقة تعويضه بمثل ما اشترط لزم قبوله، وهذا قول في مذهب المالكية
(4)
.
الحال الثالثة:
إذا أحضر المسلم إليه المسلم فيه على صفته المشروطة قبل حلول أجله،
(1)
حاشية الدسوقي (3/ 220)، البيان في مذهب الإمام الشافعي (5/ 438)، مغني المحتاج (2/ 115)، السراج الوهاج (ص: 210)، المغني (4/ 203)، الكافي في فقه الإمام أحمد (2/ 117).
(2)
حاشية الدسوقي (3/ 220)، الشرح الصغير (3/ 283).
(3)
مغني المحتاج (2/ 115)، السراج الوهاج (ص: 210) البيان في مذهب الإمام الشافعي (5/ 438 - 439).
(4)
حاشية الدسوقي (3/ 220).
وليس في قبوله ضرر على رب السلم، وليس له غرض صحيح في تأخير استلامه، فهل يلزمه قبوله؟
قيل: يلزمه قبوله؛ لأن غرضه حاصل مع زيادة تعجيل المنفعة، فجرى مجرى زيادة الصفة، وتعجيل الدين المؤجل، وهذا مذهب الشافعية والحنابلة
(1)
.
وقيل: يجوز قبوله ولا يجب؛ بشرط أن يأتي به على صفته المتفق عليها لا أجود، ولا أردأ، ولا أقل، ولا أكثر؛ لأن الأجل حق لهما، وهذا مذهب المالكية
(2)
.
وهو الصحيح؛ لأنه خلاف ما اتفق عليه.
الحال الرابعة:
إذا أحضر المسلم فيه بعد حلوله، ولكن في غير محل التسليم المتفق عليه، ولم يكن لحمله مؤونة، فهل يلزم المسلم قبوله؟
قيل: يلزمه وهذا مذهب الشافعية والحنابلة
(3)
.
وقيل: إن كان المسلم فيه عينًا (دراهم أو دنانير) لزمه قبوله، وإن كان عرضًا، ولو لم يكن لحمله مئونة كجوهر لم يلزمه قبوله، وهو مذهب المالكية
(4)
.
وأرى أنه لا يلزمه قبوله مطلقًا؛ لأنه خلاف ما اتفق عليه في العقد.
(1)
مغني المحتاج (2/ 116)، السراج الوهاج (ص: 210)، كشاف القناع (3/ 302)، المغني (4/ 203).
(2)
الخرشي (5/ 225)، منح الجليل (5/ 392)، مواهب الجليل (4/ 541) وانظر بهامشه التاج والإكليل (4/ 541).
(3)
مغني المحتاج (2/ 116)، السراج الوهاج (ص: 210)، كشاف القناع (3/ 302)، المغني (4/ 203).
(4)
الخرشي (5/ 229)، مواهب الجليل (4/ 544)، حاشية الدسوقي (3/ 22).
هذه هي الحالات التي قيل بأنه يلزم المسلم قبول المسلم فيه إذا أحضره المسلم إليه، وهي في أكثرها مختلف فيها.
فإن امتنع المسلم من قبض حقه فيلزم بالقبض أو الإبراء فيقال له: إما أن تقبض، وإما أن تبرئ منه، فإن لم يفعل دفعه إلى الحاكم وبرئ لذلك، ويقوم الحاكم مقامه في القبض بحكم ولايته العامة
(1)
.
[م-743] ثانيًا: الحالات التي يجوز قبول المسلم فيه، ولا يلزم:
الحال الأولى:
أن يأتي به قبل حلوله، ويكون في قبضه ضرر على ربه، أو كان له غرض صحيح في تأخير استلامه، فإنه يجوز له أن يقبضه ولكن لا يلزمه قبوله.
الحال الثانية:
أن يأتي به دون صفته المتفق عليها، فإنه يجوز أخذه إذا تراضيا على ذلك، ولا يلزمه القبول
(2)
.
الحال الثالثة:
[م-744] أن يكون أجود مما اتفق عليه، ولكنه من نوع آخر، كمن أسلم في تمر برني، فجاءه بمعقلي أجود منه، فإنه يجوز له قبوله، ولا يلزمه، وهو أحد الوجهين في مذهب الشافعي، والمشهور من مذهب الحنابلة
(3)
.
وقيل: يجب عليه قبوله، وهو أحد الوجهين في مذهب الإمام الشافعي
(4)
.
(1)
انظر الشرح الكبير (3/ 220 - 221)، المغني (4/ 203)، الكافي في فقه الإمام أحمد (2/ 117)، كشاف القناع (3/ 301).
(2)
حاشية الدسوقي (3/ 220)، السراج الوهاج (ص: 210).
(3)
السراج الوهاج (ص: 210)، مطالب أولي النهى (3/ 219).
(4)
البيان في مذهب الإمام الشافعي (5/ 439).
وجهه: أنه أعطاه من جنس حقه، وفيه زيادة لا تتميز، فأشبه ما لو أسلم في نوع رديء فأعطاه من ذلك النوع جيدًا، فإنه يلزمه قبوله.
وقيل: يحرم، وهو الأظهر عند الشافعية
(1)
.
لأنه يشبه الاعتياض عن المسلم فيه، وهو غير جائز.
والأظهر أن ذلك جائز، وليس بواجب.
هذه هي الحالات التي يجوز لرب السلم قبول المسلم فيه، ولا يلزمه، والله أعلم.
* * *
(1)
نهاية المحتاج (4/ 214).