الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الثاني
التوريد بين العقد والوعد
[م-804] اختلف الفقهاء المعاصرون هل بيع عقد التوريد عقد أو مواعدة.
فأكثر الباحثين على أن التوريد عقد، وليس وعدًا بالعقد. وبهذا صدر قرار مجمع الفقه الإسلامي.
جاء في قرار المجمع رقم 107 (1/ 12): «عقد التوريد عقد يتعهد بمقتضاه طرف أول بأن يسلم سلعًا معلومة مؤجلة بصفة دورية خلال فترة معينة لطرف آخر مقابل مبلغ معين مؤجل كله أو بعضه
…
».
وقيل: عقد التوريد لا يعدو من الناحية الشرعية أن يكون تفاهمًا ومواعدة من الطرفين، أما البيع الفعلي فلا ينعقد إلا عند تسليم المبيعات.
وهذه المواعدة ملزمة للجانبين وليست عقدًا باتًا. وهذا ما اختاره محمد تقي العثماني
(1)
.
والقول بلزوم المواعدة عند الحاجة له نظائر في الفقه الإسلامي من ذلك ما جاء في الفتاوى الخانية عن بيع الوفاء.
قال قاضي خان من الحنفية: «واختلفوا في البيع الذي يسميه الناس بيع الوفاء، أو البيع الجائز، قال أكثر المشايخ منهم السيد الإمام أبو شجاع، والقاضي الإمام أبو الحسن السغدي حكمه حكم الرهن
…
والصحيح أن العقد
(1)
عقود التوريد والمناقصة - محمد تقي العثماني، بحث مقدم لمجلة مجمع الفقه الإسلامي في الدورة الثانية عشرة (2/ 314).
الذي جرى بينهما إن كان بلفظ البيع لا يكون رهنًا، ثم ينظر إن ذكرا شرط الفسخ في البيع فسد البيع ..... وإن ذكرا البيع من غير شرط، ثم ذكر الشرط على وجه المواعدة جاز البيع، ويلزمه الوفاء بالوعد؛ لأن المواعدة قد تكون لازمة، فتجعل لازمة لحاجة الناس»
(1)
.
فعبارة القاضي خان صريحة في أن المواعدة يمكن أن تجعل لازمة لحاجة الناس، ولا شك أن الحاجة في الإلزام بالمواعدة ظاهرة في عقود التوريد، فلو لم يكن وعد المشتري ملزمًا لتضرر البائع والمشتري ضررًا بينًا.
فضرر البائع يتمثل في الجهد والمال المبذولين في توفير السلعة بناء على طلب المشتري، فإنه لولا وعد المشتري بالشراء لم يتكبد البائع هذا الجهد، ولم ينفق هذه المبالغ الكبيرة، وربما لا يوجد من يشتري منه ذلك النوع من البضائع التي وفرها بناء على رغبة المشتري، فرفض المشتري شراءها يضيع مال البائع ووقته وجهده، ويسبب له خسائر لا تحتمل.
وكذلك المشتري قد يتضرر بكون الوعد غير ملزم، وذلك أنه لما وعده البائع بتوفير هذه الكمية من السلع أمسك عن طلبها من تاجر آخر اعتمادًا على وعد البائع، وربما فاته عروض مغرية بسبب احترامه للوعد القائم بينه وبين البائع، وربما لا يستطيع توفير السلعة في التاريخ المتفق عليه من غير البائع إذا أخل البائع بوعده، وامتنع من توفير السلعة
(2)
.
(1)
الفتاوى الخانية بهامش الهندية (2/ 165)، وانظر مجلة مجمع الفقه الإسلامي، العدد الثاني عشر (2/ 314 - 315).
(2)
انظر مجلة مجمع الفقه الإسلامي، العدد الثاني عشر (2/ 316 - 317).