الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثاني
تسليم العمل بعد إنجازه
[م-776] يختلف قبض المبيع والعين المستأجرة عن قبض المعمول بعد فراغ المقاول منه، ذلك أن العين في البيع والإجارة تكون غالبًا عينًا معينة بالذات، معروفة للمشتري أو للمستأجر، ولا يقتضي الأمر أكثر من تسلمها. بخلاف القبض في عقد المقاولة، وذلك أن المقاولة تقع على عمل لم يكن قد بدأ وقت إبرام العقد فوجب عند إنجازه أن يستوثق رب العمل من أنه موافق للشروط المتفق عليها، أو لأصول الصنعة، ويكون ذلك بفحصه، فالقبض فيه لا يكفي بل لابد من تقبله والموافقة عليه، وهو معنى زائد على مجرد القبض.
والتقبل والقبض قد يجتمعان، وقد ينفصلان:
فقد يقبضه رب العمل ويتقبله في وقت واحد، وذلك بأن يفحصه عند قبضه، ويستوثق من أنه هو الذي قصد إليه بالتعاقد، فيوافق عليه.
وقد ينفصل تقبل العمل عن القبض:
كما لو فحص رب العمل عمل المقاول بعد إنجازه، وهو لا يزال في يد المقاول، وتقبله.
وقد يتأخر التقبل عن القبض، كما لو قبضه قبل أن يفحصه، والمطلوب هو قبضه وتقبله، وليس قبضه فقط.
إذا علم ذلك نأتي بالكلام عن تسلم العمل وقبضه.
لما كان المقاول مطالبًا بتسليم المعمول إلى ربه، وكان رب العمل مطالبًا بتسلم العمل من المقاول وجب مراعاة ما يلي:
الأول: أن يكون التسليم في الميعاد المتفق عليه، أو في الميعاد المعقول لإنجاز العمل وفقًا لطبيعته ولعرف الحرفة.
ثانيًا: يجب على رب العمل أن يقوم بتنفيذ التزامه من التسلم والتقبل بمجرد أن يفرغ المقاول من عمله ويضعه تحت تصرفه.
ثالثًا: يجوز لرب العمل أن يمتنع عن تسلم العمل إذا كان المقاول قد خالف ما ورد في العقد من شروط، أو ما تقضي به أصول الصنعة
(1)
.
رابعًا: إذا كان العقد واردًا على العمل، والأدوات من المالك، فيكون العقد من قبيل إجارة الأجير المشترك.
فهنا إما أن يكون المقاول ينجز العمل، والعين في يد صاحبها، كما لو قام سباك بتصليح مواسير المياه، وهي في مكانها، أو استأجر رجلًا ليبني له جدارًا في ملكه، فإن تسليم موضع المقاولة يكون بفراغ المقاول من عمله؛ لأنه في هذه الحالة يكون المقاول قد سلم العمل شيئًا فشيئًا
(2)
.
وإما أن يكون موضع المقاولة في يد المقاول فلا بد حينئذ من تسلم العمل من قبل صاحب العمل.
وتسليم العمل يكون برفع المقاول كافة الموانع والعوائق التي تمنع من قبض الشيء الذي وقع عليه العمل، ويكون صاحب العمل متمكنًا منه، وتحت تصرفه، ومأذونًا له باستلامه، وبهذا يكون المقاول قد التزم بالتسليم.
(1)
الوسيط - السنهوري (7/ 1/ص:148 - 149).
(2)
تحفة الفقهاء (2/ 354)، بدائع الصنائع (4/ 204)، تبيين الحقائق (5/ 109، 110)، المدونة (4/ 449) وما بعدها، المهذب (1/ 409)، المغني (5/ 309)، مطالب أولي النهى (3/ 681 - 682).
وهذا غاية ما يقدر عليه المقاول، وهو محتاج إلى إخراج نفسه من العهدة، فإذا أتى بما في وسعه فقد برئ، وليس في وسعه إلا ذلك، وأما القبض الذي هو التسلم، فهذا فعل صاحب العمل، فلا يكلف المقاول فعل غيره، فجُعِل تمكين صاحب العمل من القبض ورفع كافة الموانع التي تمنع من القبض قبضًا، وهو القبض الحكمي
(1)
.
رابعًا: إذا كان العقد واردًا على العمل والعين من المقاول، فيكون العقد استصناعًا.
فهل يلزم رب العمل بتسلم العمل بعد إنجازه، هذه المسألة ترجع إلى مسألة أخرى وقع فيها خلاف بين أبي يوسف وجمهور الحنفية، هل عقد الاستصناع عقد لازم، أو عقد جائز.
فمن رأى أن عقد الاستصناع عقد جائز لم ير أن صاحب العمل يجب عليه تسلم العمل، وهذا ما عليه جمهور الحنفية.
ومن رأى أن عقد الاستصناع عقد لازم كما هو قول أبي يوسف من الحنفية، واختارته مجلة الأحكام العدلية فإنه يرى أنه يجب على رب العمل تسلم العمل، وقد بحثت هذه المسألة في عقد الاستصناع فأغنى عن ذكرها هنا.
* * *
(1)
انظر البحر الرائق (8/ 265)، تبيين الحقائق (6/ 63)، حاشية ابن عابدين (8/ 434).