الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ابن تيمية في تحليله لا في أصل القضية، فالإمام ابن تيمية لما قال: إن ابتداء الدين بالدين حرام قال: «وذلك لأنه عمل لا فائدة منه، فناقشوا هذا التعليل، وقالوا: إن فيه فائدة، وأنه لولا أن فيه فائدة لما أقدم عليه كل واحد من الطرفين، فحتى لو فرض قبول هذه المناقشة لابن تيمية فإنما الذي يسقط هو تعليل ابن تيمية لا الحكم الشرعي الأصلي، وهو النهي عن بيع الكالئ بالكالئ»
(1)
.
واستدل الشيخ عبد الله بن بيه على جواز بيع الدين بالدين بجوازه في بيع السلم بشرط اليومين والثلاثة، وبجوازه بلا شرط مطلقًا، وبجواز ذلك في عقد الاستصناع.
وأما عقد الاستصناع فلا حجة فيه؛ لأنه عقد وارد على عمل في الذمة وبيع عين موصوفة، والعمل في الذمة يجوز فيه تأجيل العوضين، فلذلك جاز عقد الاستصناع
(2)
.
وأما جوازه في اليومين والثلاثة فلأن المالكية رأوا أن ذلك لا ينافي وجوب تقديم الثمن لأن ما قرب من الشيء يعطى حكمه، فلا يقال: أجاز المالكية بيع الدين بالدين.
رأيي في الموضوع:
أرى أن عقد التوريد عقد وارد على عمل في الذمة وبيع سلعة موصوفة في الذمة. فهو ليس بيعًا محضًا، فالعقد وارد على عمل وبيع، وإذا كان كذلك لم يشترط فيه تقديم الثمن في مجلس العقد، بل يجوز فيه تأخير العوضين، وذلك
(1)
المرجع السابق (2/ 545).
(2)
مجلة مجمع الفقه الإسلامي، العدد الثاني عشر (2/ 552 - 553).
مثل عقد الاستصناع، ومثل الأجير المشترك، حيث لا يستحق الأجرة إلا بعد فراغه من العمل، مع أن العمل حين العقد متعلق في ذمة الأجير مما يعني تأخير العوضين، وهو مذهب الحنفية والحنابلة وقول في مذهب الشافعية
(1)
.
فعمل المورد عنصر جوهري في التوريد، والمتمثل في إحضار وتقديم السلعة أو الخدمة إلى المورد إليه، ومن هنا جاءت التسمية؛ وسمي عقد التوريد بهذا الاسم من باب تسمية الشيء بأبرز ما فيه.
والسلعة والعمل مقصودان في عقود التوريد وإذا دخل السلعة العمل جاز تأخير العوضين.
والعمل من البائع تارة يكون استصناعًا، والبائع يكون صانعًا. وهذا لا إشكال فيه في تأخير العوضين بناء على مذهب الحنفية.
وتارة يكون العمل ليس استصناعًا وإنما هو نقل للبضاعة من بلد إلى بلد، والقيام بشحنها إلى المستورد، ومراجعة البنك الضامن وتقديم مجموعة من المستندات إلى البنك لاستلام الثمن، وقد شرحنا هذه الخطوات في الاعتماد المستندي فأغنى عن إعادتها هنا. وكل هذا من البائع عمل مكلف ومقصود في السلعة، يخرج البيع من كونه بيعًا محضًا، ويجوز فيه تأخير العوضين، ولا يختلف هذا العمل عن عمل الصانع إلا أن عمل الصانع في المواد الخام، وعمل البائع كالأجير المشترك الذي يتعهد بإخراج البضاعة من المنتج إلى أن يقوم بشحنها إلى المستورد.
(1)
البناية للعيني (9/ 289)، البحر الرائق (8/ 7)، فتح القدير (9/ 66)، الإنصاف (6/ 81)، مغني المحتاج (2/ 334)، الكافي في فقه الإمام أحمد (2/ 311)، مطالب أولي النهى (3/ 688).
وبهذا التخريج لا أكون قد كسرت القواعد والمسلمات الفقهية في النهي عن بيع الدين بالدين، وقدمت تخريجًا مقبولًا لعمل الناس اليوم، ولله الحمد على توفيقه.
* * *