الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الثاني
خلاف الفقهاء في عقد الإستصناع
[م-756] اختلف العلماء في عقد الاستصناع.
فذهب جمهور الحنفية إلى القول بجوازه، ولم يخالف في ذلك إلا زفر
(1)
.
وقيل: لا يجوز إلا بشروط السلم، وهذا مذهب الجمهور
(2)
،
وهذا ذهاب منهم إلى عدم الجواز بالصيغة التي يجيزها الحنفية.
(1)
فتح القدير (7/ 114)، البحر الرائق (6/ 185)، مجمع الأنهر (2/ 106)، تبيين الحقائق (4/ 123).
(2)
خصص المالكية جزءًا من كتاب السلم، للسلم في المصنوعات، وضربوا أمثلة لما كان يصنع في عصرهم، كالسيف، والسرج، وأجازوه بشرط السلم، وهو تقديم الثمن، وذكر الأجل، وكون الأجل معلومًا، ولا يعين العامل، ولا المعمول منه.
قال الحطاب في مواهب الجليل (4/ 539 - 540): «قال في المدونة: من استصنع طستًا، أو قلنسوة، أو خفًا أو غير ذلك مما يعمل في الأسواق بصفة معلومة فإن كان مضمونًا إلى مثل أجل السلم، ولم يشترط عمل رجل بعينه، ولا شيئًا بعينه يعمله منه جاز ذلك إذا قدم رأس المال مكانه، أو إلى يوم أو يومين، فإن ضرب لرأس المال أجلًا بعيدًا لم يجز، وصار دينًا بدين .... » .
وأما الشافعية فمذهبهم قريب من مذهب المالكية، فأدرجوا الاستصناع في السلم، وأجازوا السلم في المصنوع فيما يأتي:
ـ فأجازوا السلم في المصنوع في قوالب واحدة، لا تختلف وحداتها دون المصنوع في اليد. قال النووي في الروضة (4/ 28):«لا يجوز السلم في الحِبَاب والكيزان والطسوت والقماقم والطناجير والمنائر والبرام المعمولة لندور اجتماع الوزن مع الصفات المشروطة، ويجوز السلم فيما يصب منها في القالب لعدم اختلافه، وفي الأسطال المربعة» .
ـ كما أجاز الشافعية السلم فيما صنع من جنس واحد فقط، كالحديد أو النحاس،
ولم يجيزوه فيما يجمع أجناسًا مقصودة لا تتميز، كالطست يكون من الحديد والنحاس.
وأما ما يجمع أجناسًا مقصودة متميزة كالقطن والصوف فهو موضع خلاف بينهم، والراجح عندهم الجواز بشرط علم العاقدين بقدر كل واحد منهما.
جاء في فتح الوهاب (3/ 242): «ويصح السلم فيما صب منها أي المذكورات أي من أصلها المذاب في قالب، ويصح في أسطال مربعة أو مدورة
…
».
قال في المهذب (1/ 298): «واختلف أصحابنا في الثوب المعمول من غزلين، فمنهم من قال: لا يجوز - يعني السلم فيه - لأنهما جنسان مقصودان، لا يتميز أحدهما عن الآخر، فأشبه الغالية.
ومنهم من قال: يجوز؛ لأنهما جنسان يعرف قدر كل واحد منهما».
انظر: أسنى المطالب (2/ 130 - 131)، حاشيتي قليوبي وعميرة (2/ 312)، البيان في مذهب الإمام الشافعي (5/ 403).
ومذهب الحنابلة فيه وجهان: أحدهما قريب من مذهب الشافعية، قال في الإنصاف (5/ 91): «ولا يصح يعني: السلم - فيما يجمع أخلاطًا غير متميزة، كالغالية، والند، والمعاجين ونحوها بلا نزاع أعلمه
…
» وانظر المغني (4/ 185 - 186).
الوجه الثاني: لا يرون السلم في الاستصناع، جاء في الإنصاف (4/ 300):«ذكر القاضي وأصحابه: أنه لا يصح استصناع سلعة؛ لأنه باع ما ليس عنده على غير وجه السلم، واقتصر عليه في الفروع» .
ويمكن لي بإيجاز أن أبين أن الجمهور لا يوافقون الحنفية بالقول بعقد الاستصناع ليس من جهة الاسم، وإنما من جهة المعنى، فمثلًا:
ــ يجيز الحنفية أن يكون الثمن مؤجلًا كله أو بعضه في عقد الاستصناع، وبالتالي يكون العقد: بيع دين بدين، وفي السلم يشترط الجميع بما فيهم الحنفية تقديم الثمن، وهذا فرق جوهري جدًا.
ــ العقد في السلم عقد لازم، إذا توفرت شروطه، والعقد في الاستصناع عقد غير لازم قبل إتمام العمل، وإذا تم العمل كان عقدًا غير لازم في حق المستصنع، ولازمًا في حق الصانع بحسب رأي أبي حنيفة، لأن المشتري اشترى ما لم يره، فكان له الخيار.