الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الباب الأول
في حقيقة المقاولة
الفصل الأول
في التوصيف الفقهي لعقد المقاولة
[م-761] اختلف العلماء المعاصرون في توصيف عقد المقاولة على قولين:
القول الأول:
هناك من يرى أن عقد المقاولة من العقود المستحدثة بصرف النظر عن التزام المقاول، هل يلتزم بتقديم العمل والمواد معًا، أو يلتزم بتقديم العمل دون المواد، ولا بد من الاعتداد بمشروعيته إذا توفرت فيه الأركان والشروط المعتبرة لمسيس الحاجة إليه في هذا الزمان.
وكون عقد المقاولة يشبه الاستصناع، أو يشبه عقد الإيجار هذا شبه عارض لا يختلف في حقيقته عن ذلك الشبه الذي يجده المرء بين العقود القديمة ذاتها.
فعلى سبيل المثال من الوارد أن يجد المرء ثمة تشابهًا بين شركة العنان، وشركة المفاوضة باعتبار أن كل واحدة منهما تقوم على الخلط بين المالين بيد أنه من المعروف أن لكل واحدة منهما كيانها الخاص، وأنهما تختلفان في قضايا أخرى متصلة بحقيقتهما وجوهرهما مما يحتم عدم إلحاق إحداهما بالأخرى في الحكم.
فإذا أسقطنا عقد الاستصناع على عقد المقاولة كنا محكومين بالشروط التي وضعها الحنفية في عقد الاستصناع، من ذلك أن يجري العمل فيه بين الناس؛
لأن عقد الاستصناع جرى على خلاف القياس عندهم، بينما هذا الشرط ليس قائمًا في عقد المقاولة، كما يرى جمهور الحنفية أن عقد الاستصناع عقد غير لازم قبل البدء بالعمل من الجانبين، وعقد المقاولة ليس كذلك. وهكذا
…
وإلى هذا القول ذهب الدكتور مصطفى سانو
(1)
، والدكتور محمد جبر الألفي
(2)
، وفضيلة الشيخ محمد النجيمي
(3)
.
واستشهد النجيمي بكلام لابن القيم حيث يقول: «إن الفقهاء قد أتعبوا أنفسهم وأضاعوا أوقاتهم في أنهم يحاولون تخريج العقود المستحدثة على عقود قديمة، ولو اعتبروها عقودًا جديدة وبحثوها من هذا الجانب لكان في ذلك اختصار للأوقات وحفظ للأوراق»
(4)
.
(1)
الدكتور مصطفى سانوا أستاذ الفقه وأصوله بالجامعة الإسلامية بماليزيا، يقول الدكتور في بحثه (عقد المقاولة حقيقته تكييفه صوره) والمقدم لمجمع الفقه الإسلامي في دورته الرابعة عشرة (2/ 191):«إن عقد المقاولة كغيره من العقود الحديثة لا بد من الاعتداد بمشروعيته إذا توفرت فيه الأركان والشروط المعتبرة لمسيس الحاجة إليه في هذا الزمان، كما كانت الحاجة تمس ذات يوم إلى الاستصناع والسلم وسواهما من العقود المشتملة على غرر يغتفر مثله في عقود المعاوضات» .
(2)
يقول الأستاذ محمد الألفي الأستاذ في المعهد العالي للقضاء بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية في بحثه عقد المقاولة: الإنشاء والتعمير، بحث مقدم لمجلة مجمع الفقه الإسلامي في العدد الرابع عشر (2/ 150):«رأينا الخاص: يعتبر عقد المقاولة الذي يلتزم فيه المقاول بتقديم العمل والمواد عقدًا مستقلًا ملزمًا للطرفين، يسمى عقد مقاولة الإنشاء والتعمير، ويخضع لاتفاق الطرفين بما لا يخالف حكمًا فقهيًا مجمعًا عليه، أو قاعدة آمرة نص عليها نظام داخلي، أو اتفاقات دولية لا تخالف المبادئ العامة في الشرع الإسلامي» .
(3)
مجلة مجمع الفقه الإسلامي، العدد الرابع عشر (2/ 280).
(4)
المرجع السابق. ولم يذكر لنا النجيمي اسم الكتاب الذي نقل منه هذا النص، ولم أقف على هذا النص في كتب ابن القيم المطبوعة بعد البحث.
القول الثاني:
يقابله قول آخر يرى أن عقد المقاولة هو استبدال لعقد الاستصناع من كل الوجوه، وليس ثمة فرق بين المقاولة والاستصناع سوى الاسم. وقد ذهب إلى هذا مجموعة من الباحثين منهم الدكتور أحمد يوسف، والدكتور محمد رواس قلعجي
(1)
.
يقول الدكتور محمد رواس قلعجي ما نصه: «ما يعرف اليوم بعقد المقاولة هو نفسه الذي كان يعرف في القديم عند الفقهاء بعقد الاستصناع»
(2)
.
وهذا الكلام مقبول حيث تكون المواد من الصانع، أما حيث تكون المواد من صاحب العمل فهي مقاولة وليست استصناعًا.
جاء في بدائع الصنائع: «فإن سلم حديدًا إلى حداد ليعمل له إناء معلومًا بأجر معلوم، أو جلدًا إلى خفاف ليعمل له خفًا معلومًا بأجر معلوم، فذلك جائز، ولا خيار فيه؛ لأن هذا ليس باستصناع، بل هو استئجار»
(3)
.
القول الثالث:
هناك فريق من العلماء ينظر في توصيف عقد المقاولة إلى طبيعة التزام المقاول، فإن كان تعهد المقاول على أن يقدم العمل والمادة معًا، فإن العقد يكون استصناعًا، وإن كان تعهد المقاول على أن يقدم العمل فقط، والمادة من رب العمل، فإن العقد سيكون من قبيل الأجير المشترك، وكلاهما يجتمعان تحت اسم عقد المقاولة.
(1)
مجلة مجمع الفقه الإسلامي، العدد الرابع عشر (2/ 185).
(2)
انظر المعاملات المالية المعاصرة في ضوء الشريعة الإسلامية، رواس قلعجي (ص:138).
(3)
بدائع الصنائع (5/ 4).
اختار هذا القول مجموعة من الباحثين، قال الشيخ الصديق الضرير:«عقد المقاولة قد يتعهد فيه المقاول بصنع شيء على أن يقدم رب العمل له المادة، ويقوم هو بالعمل فقط، وقد يتعهد فيه بالعمل والمادة معًا، فالعقد في الصورة الأولى إجارة في الفقه الإسلامي، وفي الصورة الثانية استصناع»
(1)
.
وبه صدر قرار مجمع الفقه الإسلامي، رقم 129 (3/ 14) وفيه:«عقد المقاولة عقد يتعهد أحد طرفيه بمقتضاه بأن يصنع شيئًا، أو يؤدي عملًا مقابل بدل يتعهد به الطرف الآخر ـ وهو عقد جائز سواء قدم المقاول العمل والمادة، وهو المسمى عند الفقهاء الاستصناع، أو قدم المقاول العمل، وهو المسمى عند الفقهاء بالإجارة على العمل»
(2)
.
* * *
(1)
الغرر وأثره في العقود في الفقه الإسلامي (ص: 467 - 468)، وانظر عقد المقاولة لعبد الرحمن العايد (ص: 153).
(2)
مجلة مجمع الفقه الإسلامي، العدد الرابع عشر (2/ 287).