الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الشرط الثالث
في ذكر الأجل فيه
[م-759] يذهب الجمهور إلى اشتراط الأجل في السلم، لقوله صلى الله عليه وسلم:(من أسلف فليسلف في كيل معلوم، ووزن معلوم، إلى أجل معلوم)
(1)
.
فهل يشترط الأجل في عقد الاستصناع، باعتبار أنه عقد على مبيع موصوف في الذمة، يتطلب وقتًا؛ ليتمكن الصانع من صناعته، وتجهيزه، ومن ثم تسليمه؟
فهل يحتاج إلى اشتراط أن يذكر فيه أجل معلوم، بحيث لو لم يذكر الأجل أدى ذلك إلى الجهالة المفسدة للعقد، لعدم العلم بوقت التسليم، أو لا يشترط أن ينص فيه على الأجل ومدته؟
وللجواب على هذا يمكن أن يقال: إن كان الاستصناع مما لم يجر فيه التعامل فهو سلم قولًا واحدًا، يحتاج إلى ذكر الأجل، وتسليم الثمن في مجلس العقد، والعقد فيه لازم، ويحتاج إلى ذكر جنسه، ونوعه وصفته، وقدره، وكل ما يؤدي إلى ضبطه كما هو الحال في شروط السلم
(2)
.
وإن كان المتعاقدان قد ذكرا الأجل، وكان المستصنع مما يجري فيه التعامل،
فيرى أبو حنفية أنه لا يصح استصناعًا، وإنما يصح سلمًا، فيعتبر فيه شرائط السلم، وهو تقديم الثمن في المجلس، ولزوم العقد الخ ما ذكرناه من شروط السلم
(3)
.
(1)
صحيح البخاري (2241)، ومسلم (1604).
(2)
قال في فتح القدير (7/ 116): «ولو ضرب الأجل، فيما فيه تعامل، يصير سلمًا عند أبي حنيفة، خلافًا لهما، ولو ضربه فيما لا تعامل فيه، يصير سلمًا بالاتفاق» .
(3)
بدائع الصنائع (5/ 3)، تبيين الحقائق (4/ 124)، فتح القدير (7/ 116)، درر الحكام (2/ 198)، البحر الرائق (6/ 186).
والمقصود بذكر الأجل: اشتراط أدنى مدة الأجل في السلم، وهي عند جمهور الحنفية: أقلها: شهر، فإن اشترط أقل من شهر فإنه يصح استصناعًا، ويكون الأجل إنما ذكر للاستعجال، وليس للإمهال، يقول ابن عابدين في حاشيته (5/ 224 - 225):«فقد ظهر لك بهذه النقول أن الاستصناع لا جبر فيه إلا إذا كان مؤجلًا بشهر فأكثر، فيصير سلمًا .. » .
فالحنفية يريدون بالأجل عند إطلاقه: الأجل الذي ذكر في السلم، والجمهور على أن أقله شهر، فالشهر يعتبر أقل أجل في السلم.
جاء في درر الحكام شرح مجلة الأحكام (1/ 424): «مسائل خمس في الاستصناع:
1 -
إذا لم تبين المدة في الأشياء التي جرى التعامل باستصناعها، فالعقد عقد استصناع بالإجماع.
2 -
إذا كانت المدة أقل من شهر، أي لم تبلغ المدة التي يصح بها السلم، والأشياء مما جرى التعامل به على الاستصناع، فهو كذلك عقد استصناع بالإجماع.
3 -
إذا كانت المدة المبينة في الأشياء التي تستصنع عادة شهرًا، أو أكثر من شهر، فهو عقد استصناع عند الصاحبين، وعقد سلم عند الإمام
…
الخ ما ذكر.
فيؤخذ من هذا أن المشهور عند الحنفية أن الأجل ينقسم إلى قسمين:
الأول: أجل للاستعجال. قال في تبيين الحقائق (4/ 125): «وإن ذكره - يعني الأجل- على وجه الاستعجال، بأن قال: على أن تفرغ منه غدًا، أو بعد غد، يكون استصناعًا» .
الثاني: أجل للإمهال، قال صاحب العناية (7/ 117):«والمراد بضرب الأجل ما ذكر على سبيل الاستمهال .. » . ويقدر كما ذكرنا بأقل مدة يصح فيها السلم، وهي من شهر فأكثر، والله أعلم.
وهذه أشهر الأقوال في مذهب الحنفية، وفيه قولان آخران:
أحدهما: إن كان ذكر المدة من قبل المستصنع، فهو للاستعجال، ولا يصير به سلمًا، وإن كان الصانع هو الذي ذكر المدة، فهو سلم. وهذا يحكى عن الهندواني.
والثاني: قيل: إن ذكر أدنى مدة يتمكن فيها من الفراغ من العمل، فهو استصناع، وإن كان أكثر من ذلك فهو سلم؛ لأن ذلك يختلف باختلاف الأعمال، فلا يمكن تقديره بشيء معلوم.
وخالفه أبو يوسف ومحمد، وقالوا: هو استصناع، سواء ذكر فيه الأجل، أم لم يذكر
(1)
.
(1)
انظر المراجع السابقة.