الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
للاستصناع، وحمله على السلم مع الشك أولى؛ لأن جواز السلم ثابت بالسنة والإجماع بخلاف الاستصناع، فإن هناك من ينازع فيه
(1)
.
وجه قول محمد وأبي يوسف:
الوجه الأول:
أن العادة جارية بضرب الأجل في الاستصناع، وإنما يقصد به تعجيل العمل، لا تأخير المطالبة ; فلا يخرج به عن كونه استصناعا
(2)
.
الوجه الثاني:
قد يقصد بضرب الأجل تأخير المطالبة وقد يقصد به تعجيل العمل; فلا يخرج العقد عن موضوعه مع الشك والاحتمال بخلاف ما لا يحتمل الاستصناع; لأن ما لا يحتمل الاستصناع لا يقصد بضرب الأجل فيه تعجيل العمل; فتعين أن يكون لتأخير المطالبة بالدين وذلك بالسلم
(3)
.
الوجه الثالث:
لو كان الاستصناع بذكر الأجل يحوله سلمًا، لصار السلم بحذف الأجل منه يصيره استصناعًا، ولو كان هذا الاستصناع سلمًا، لكان سلمًا فاسدًا؛ لأنه يشترط فيه صنعة صانع بعينه، وذلك مفسد للسلم
(4)
.
الراجح:
الذي فهمت من خلاف الحنفية أنهم يتفقون على أن ذكر الأجل غير لازم،
(1)
انظر حاشية ابن عابدين (5/ 224).
(2)
بدائع الصنائع (5/ 3).
(3)
المرجع السابق، الصفحة نفسها.
(4)
انظر تبيين الحقائق (4/ 125).
في عقد الاستصناع، ويختلفون في حال ذُكِر الأجل، هل يتحول إلى عقد سلم، أو يبقى استصناعًا؟ والذي أميل إليه أن ذكر الأجل لازم في العقد، وهو ما ذهب إليه مجمع الفقه الإسلامي في قراره، حيث يقول:
«يشترط في عقد الاستصناع ما يلي:
(أ) بيان جنس المستصنع ونوعه وقدره وأوصافه المطلوبة.
(ب) أن يحدد فيه الأجل
…
» الخ ما ذكروا من الشروط، وسوف نسوق قرارهم كاملًا في فصل لاحق إن شاء الله تعالى.
وإذا كان الخوف من ذكر الأجل: أنه يحوله إلى عقد لازم، ولا يكون لهما خيار الامتناع قبل الشروع في العمل، فإن ذلك الخوف لا مبرر له، إذا رجحنا أن عقد الاستصناع من الأصل عقد لازم من حين العقد، كما رجع إلى ذلك أبو يوسف، وكما مشت عليه مجلة الأحكام العدلية، والقول بأن الأجل يصيره إلى نوع من بيع الديون، فإنه كذلك - أعني أنه من قبيل بيع الدين - سواء ذكر الأجل، أو لم يذكر، ما دام أنه متعلق بالذمة، لأن الدين كما يكون مؤجلًا، يكون حالًا، وليس من لازم الدين أن يكون مؤجلًا، فإن حلوله أو تأجيله لا ينفي أنه دين، والقول بالأجل لا بد من الذهاب إليه، إذا عرفنا أن سوق الصناعة اليوم لا يمكن أن يقوم على القول بالخيار؛ لأن ذلك يضر بالصناع، فقد ينفقون أموالهم على الصناعة، ثم يرجع المستصنع، وقد لا يشتري السلعة أحد بناء على أن المواصفات التي طلبها الصانع هي طلبات خاصة، لا تناسب غالب الناس.
ولا يلزم من كونه دينًا أن يكون سلمًا؛ لأن السلم عقد بيع محض، والاستصناع عقد مركب من إجارة وبيع، وهذا ما أخرجه عن عقد السلم، وليس ذكر الأجل، والله أعلم.
* * *