الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الثالث
في أخذ الشرط الجزائي على صاحب العمل
[م-796] لما كان عقد المقاولة وعقد الاستصناع وعقد التوريد ذا وجهين فهو من جهة صاحب العمل يكون التزامه دينًا (مبلغًا من النقود)
ومن جهة المقاول والصانع والمورد يكون التزامه عملًا.
وإذا كان لا يجوز في عقد القرض أن يشترط الدائن على المدين شرطًا جزائيًا بدفع مبلغ معين من المال في حال تأخره عن السداد؟
ولا يجوز للبائع في عقد البيع بثمن مؤجل أو مقسط، أن يشترط على المشتري شرطًا جزائيًا بدفع مبلغ من المال في حال تأخر عن سداد الدين؟
فكذلك لا يجوز الشرط الجزائي في العقود التي يكون الالتزام الأصلي فيها دينًا، فإذا اتفق الدائن مع المدين على تعويضه مبلغًا معينًا عن كل يوم تأخير، فإن هذا الشرط لا يجوز شرعًا باتفاق الفقهاء؛ لأنه صريح الربا.
(1)
.
ويقول الشيخ عبد الله بن منيع: «الذي يظهر لي أن الشرط الجزائي بالنسبة لسداد الديون، هو أخذ بالمنهج الجاهلي:(أتربي أم تقضي) بل قد يكون أشد
(1)
تحرير الكلام في مسائل الالتزام - للحطاب (ص: 176).
من ذلك؛ لأن المنهج الجاهلي يبدأ عند حلول أجل السداد، وهذا يقر عند التعاقد، فهو إقرار بالربا الجاهلي عند التعاقد»
(1)
.
(2)
.
وقد فرق المجمع الفقهي الإسلامي بين الصانع والمستصنع، فأجاز الشرط الجزائي على الصانع، ومنع الشرط الجزائي على المستصنع.
جاء في قرار المجمع رقم 109 (3/ 12):
وقراره في الاستصناع رقم 65 (3/ 7) ونصه: يجوز أن يتضمن عقد الاستصناع شرطًا جزائيًا بمقتضى ما اتفق عليه العاقدان ما لم تكن هناك ظروف قاهرة».
وقراره في البيع بالتقسيط رقم 51 (2/ 6) ونصه «إذا تأخر المشتري المدين
(1)
مجلة مجمع الفقه الإسلامي (12/ 2/ص: 292).
(2)
مجلة أبحاث الاقتصاد الإسلامي - جامعة الملك عبد العزيز، العدد (1) المجلد (3) 1405 هـ ص: 112، وانظر بحوث فقهية في قضايا اقتصادية معاصرة لمجموعة من العلماء (2/ 862).
في دفع الأقساط بعد الموعد المحدد فلا يجوز إلزامه أي زيادة على الدين بشرط سابق، أو بدون شرط؛ لأن ذلك ربا محرم ....
يجوز أن يشترط الشرط الجزائي في جميع العقود المالية ما عدا العقود التي يكون الالتزام الأصلي فيها دينًا فإن هذا من الربا الصريح.
وبناء على هذا فيجوز هذا الشرط مثلًا في عقود المقاولات بالنسبة للمقاول، وعقد التوريد بالنسبة للمورد، وعقد الاستصناع بالنسبة للصانع إذا لم ينفذ ما التزم به أو تأخر في تنفيذه. ولا يجوز مثلًا في البيع بالتقسيط بسبب تأخر المدين عن سداد الأقساط المتبقية سواء كانت بسبب الإعسار أو المماطلة، ولا يجوز في عقد الاستصناع بالنسبة للمستصنع إذا تأخر في أداء ما عليه» انتهى نقلًا من قرار المجمع رقم 109 (3/ 12).
فهنا المجمع فرق بين الصانع والمستصنع، ومثله المقاول وصاحب العمل، ومثله المورد والمستورد فيجوز الشرط الجزائي على الصانع والمقاول والمورد، ولا يجوز الشرط الجزائي على المستصنع وصاحب العمل والمستورد.
وذهب بعض الباحثين منهم الدكتور رفيق المصري، والشيخ حسن الجواهري، والدكتور علي محيي الدين القره داغي: أن الشرط الجزائي جائز في عقد الاستصناع والمقاولة والتوريد في حالة عدم التنفيذ، ولا يجوز في حالة التأخر عن التنفيذ.
يقول الدكتور رفيق المصري: «الشرط الجزائي إن كان لعدم التنفيذ فهو جائز، ويأخذ حكم العربون، وإن كان اشتراط الشرط لأجل التأخير في التنفيذ فإنه غير جائز؛ لأنه يكون في حكم ربا النسيئة.
وحجتهم: أن المبيع المستحق التسليم في أجل محدد ضرب من الالتزام (الدين) فأخذ غرامة على التأخير فيه شبهة ربا النسيئة: تقضي أو تربي
(1)
.
ويقول الشيخ حسن الجواهري عن عقد الاستصناع:
«المشْتَرَى دين في ذمة البائع، فإن تأخر البائع عن التسليم، وألزمناه بالشرط الجزائي فمعنى ذلك تأخر قضاء الدين في مقابل المال، هو الربا المحرم، ولذا أرى أن يقيد مثلًا صحة الشرط الجزائي في عقد الاستصناع بهذه الجملة:(إذا لم يف المستصْنَع بالعقد أصلًا) ولا تترك على إطلاقها
…
»
(2)
.
ويتساءل الدكتور رفيق المصري: لماذا يجوز الشرط الجزائي في عقد التوريد، ولا يرى جوازه عند التأخر في السلم، فأي فرق هاهنا بين التوريد والسلم؟
(3)
.
ويجاب:
هناك فرق بين التزام العمل، وبين التزام الدين في حال كان الدين نقودًا، فالتزام العمل وإن كان دينًا إلا أنه يختلف عن دين الدراهم والدنانير، ولهذا يجوز تأخير العوضين إذا كانت الإجارة في الذمة، ولا يجوز تأخير العوضين في المبيع إذا كانا في الذمة كما لو كان المبيع سلمًا، والله أعلم.
(1)
انظر مجلة مجمع الفقه الإسلامي (12/ 2/ص: 72 - 73).
(2)
انظر مجلة مجمع الفقه الإسلامي (12/ 2) ص: 280.
(3)
المرجع السابق (ص: 298).