الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الثاني
أهمية عقد السلم للمصارف الإسلامية
قال ابن عباس: لما حرم الله الربا أباح السلم
(1)
.
وقال الرازي: جميع المنافع المطلوبة من الربا حاصلة في السلم
…
(2)
.
[م-689] السلم في أصله عقد ينهض بوظيفة التمويل، وهو بذلك بديل للربا المتفق على تحريمه، وصالح لعمل البنوك الإسلامية من حيث مرونته، واستجابته لحاجات التمويل المختلفة، سواء أكان التمويل قصير الأجل، أم متوسطه، أم طويله، ويستطيع أن يلبي حاجات شرائح مختلفة ومتعددة من العملاء، سواء أكانوا من المنتجين الزراعيين، أم الصناعيين، أم المقاولين، أم من التجار.
جاء في تفسير البغوي: «قال ابن عباس رضي الله عنهما: لما حرم الله الربا أباح السلم»
(3)
.
وجاء في تفسير الرازي لآية المداينة: «جميع المنافع المطلوبة من الربا حاصلة في السلم، ولهذا قال بعض العلماء: لا لذة، ولا منفعة، يوصل إليها بالطريق الحرام، إلا وضع الله سبحانه وتعالى لتحصيل مثل ذلك اللذة طريقًا حلالًا، وسبيلًا مشروعًا»
(4)
.
(1)
تفسير البغوي (1/ 367).
(2)
التفسير الكبير (7/ 94).
(3)
تفسير البغوي (1/ 367).
(4)
التفسير الكبير (7/ 94).
فالبنك الإسلامي بإمكانه أن يشتري السلع المثلية، ويدفع الثمن حالًا، ويقبض الكمية التي اشترى بعد ستة أشهر، أو سنة، أو أكثر من ذلك، وتستطيع البنوك عند تسلم المسلم فيه (المبيع) أن تقوم ببيعه نقدًا، أو بالأجل، والبيع بالأجل ييسر على المشترين، ويحقق ربحًا جديدًا للبنك، ويستطيع البنك أن يبقى في إطار الوساطة المالية، ولا يعمل عمل التجار، فلا يضطر إلى استئجار مستودعات، ومخازن، وذلك بالدخول في عقد سلم موازٍ، يكون فيه المصرف بائعًا بعد أن كان مشتريًا في العقد الأول، ويبيع تلك السلعة المثلية بالوصف، وليس عين ما اشتراه؛ لأنه لا يجوز البيع قبل قبض السلعة، ويجعل أجل التسليم مماثلًا لما اشترى، وعندئذ يتمثل ربح البنك في الفرق بين سعر شرائه وسعر بيعه.
جاء في قرار مجمع الفقه الإسلامي: «تعددت مجالات تطبيق عقد السلم، ومنها ما يلي:
أ - يصلح عقد السلم لتمويل عمليات زراعية مختلفة، حيث يتعامل المصرف الإسلامي مع المزارعين الذين يتوقع أن توجد لديهم السلعة في الموسم من محاصيلهم، أو محاصيل غيرهم التي يمكن أن يشتروها، ويسلموها إذا أخفقوا في التسليم من محاصيلهم، فيقدم لهم بهذا التمويل نفعًا بالغًا، ويدفع عنهم مشقة العجز المالي عن تحقيق إنتاجهم.
ب - يمكن استخدام عقد السلم في تمويل النشاط الزراعي، والصناعي، ولاسيما تمويل المراحل السابقة لإنتاج وتصدير السلع والمنتجات الرائجة، وذلك بشرائها سلمًا، وإعادة تسويقها بأسعار مجزية.
ج - يمكن تطبيق عقد السلم في تمويل الحرفيين، وصغار المنتجين الزراعيين والصناعيين عن طريق إمدادهم بمستلزمات الإنتاج في صورة معدات، وآلات،
أو مواد أولية، كرأس مال سلم مقابل الحصول على بعض منتجاتهم، وإعادة تسويقها»
(1)
.
لهذا يجب على المصارف الإسلامية، والباحثين والمتخصصين في التمويل الإسلامي النظر إلى عقد السلم كبديل عملي للإقراض الربوي.
فيتفق التمويل بالسلم مع التمويل الربوي بما يلي:
أن الممول بعقد السلم يستطيع أن يدفع مالًا حاضرًا (رأس مال السلم) ليحصل على مبيع بثمن أرخص من قيمته الحاضرة، فكأنه دفع مالًا أقل، ليأخذ أكثر مقابل التأجيل.
وهو بهذا يتفق مع البنك الربوي الذي يدفع أقل، ليأخذ أكثر في مقابل التأجيل. إلا أنه يختلف عن التمويل الربوي بما يلي:
(1)
- أن الواسطة في تمويل السلم هي السلع الموصوفة في الذمة، بينما الواسطة لدى البنوك التقليدية هي النقود، وليست السلع. وهذا فارق جوهري، فالتمويل في عقد السلم يؤدي إلى زيادة الطاقة الإنتاجية من سلع صناعية، أو زراعية، بخلاف الاتجار بالنقود، فهو لا يخدم سوى أصحاب رؤوس الأموال فقط، ليكون المال دولة بين الأغنياء.
(2)
- إذا تعذر تسليم السلعة في عقد السلم، واختار البنك، أو المشتري عدم فسخ العقد، وإمهال البائع، فإنه لا يجوز له أن يأخذ مقابل التأجيل أية فوائد، أو زيادة في صفة المبيع، أو في كميته، بل ينظر البائع في إرفاق يشبه القرض إلى أن يتمكن من توفير السلعة، بخلاف التمويل الربوي فإنه يحسب فائدة على المدة التي يتأخر فيها عن التسديد، ولو كان التأخر لظروف خارجة عن إرادته.
(1)
قرار رقم 85 (2/ 9) بشأن السلم وتطبيقاته المعاصرة.
(3)
- التمويل في عقد السلم معرض للربح، والخسارة، فقد تهبط السلع في وقت التسليم، ويكون ثمنها أرخص من ثمنها وقت الشراء، ويكون ذلك من صالح البائع، وقد يحصل العكس، فقد ترتفع قيم السلع، فيتضاعف الربح، ويكون هذا من صالح المشتري، فالحصول على الربح أمر محتمل وليس مؤكدًا، وهذه طبيعة التجارة، بل طبيعة التمويل، والاستثمار في الاقتصاد الإسلامي. وهذا يحقق العدل، والمساواة بين طرفي العقد، فليس هناك طرف يمكنه الحصول على ربح مضمون، بل كلا الطرفين معرض للربح والخسارة.
أما التمويل الربوي فهو لا يعرض نفسه للمخاطر، فهو يدفع نقودًا ليأخذها مضافًا إليها الفائدة الربوية، سواء ربح متلقي التمويل، أم خسر.
هذه أهم الفروق بين التمويل في عقد السلم، وبين التمويل في عقد الربا.
* * *