الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثاني
العلم بالمسلم فيه بضبط صفاته
قال القاضي عبد الوهاب المالكي: «ما تتعذر رؤيته تقوم الصفة فيه مقام الرؤية كالسلم»
(1)
.
[م-719] علمنا من خلال الشرط الأول، أن المسلم فيه لا بد أن يكون دينًا، فلا يجوز السلم في شيء معين. وقد تكلمنا في الشرط السابق عن العلم بقدر المسلم فيه، وفي هذا المبحث نتكلم عن العلم بالمسلم فيه بضبط صفاته.
فمن المعلوم أن العلم بالمبيع شرط لصحة البيع، ومنه عقد السلم، وطريق العلم بالمبيع: إما الرؤية، وإما الوصف. ورؤية المبيع في عقد السلم متعذرة؛ لكون المسلم فيه موصوفًا في الذمة، فيتعين الوصف طريقًا لمعرفة المسلم فيه.
قال القاضي عبد الوهاب المالكي: «ما تتعذر رؤيته تقوم الصفة فيه مقام الرؤية، كالسلم»
(2)
.
وإذا كان بيع السلم من بيع الموصوف، فإنه يشترط فيه أن يكون مما ينضبط بالصفة التي يختلف الثمن باختلافها اختلافًا ظاهرًا، كالمكيلات، والموزونات، والمذروعات. وما لا يمكن ضبطه بالصفة لا يصح السلم فيه
(3)
؛ لأن البيع يقع فيه على مجهول، وبيع المجهول لا يجوز
(4)
.
(1)
المعونة (2/ 978).
(2)
المعونة (2/ 978).
(3)
انظر الكافي في فقه الإمام أحمد (2/ 108).
(4)
المهذب (1/ 297).
(ح-521) لما رواه البخاري من طريق ابن أبي نجيح، عن عبد الله بن كثير، عن أبي المنهال.
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة، وهم يسلفون بالتمر السنتين، والثلاث، فقال: من أسلف في شيء ففي كيل معلوم، ووزن معلوم، إلى أجل معلوم. ورواه مسلم
(1)
.
والصفات الواجب ذكرها بالاتفاق: هي الجنس، والنوع، والجودة، أو الرداءة، وهذه لا بد من ذكرها في السلم.
قال ابن قدامة: «لا نعلم بين أهل العلم خلافًا في اشتراطها»
(2)
.
واختلفوا في وجوب ذكر غيرها معها، كاللون، والبلد ونحو ذلك.
فالحنفية نصوا في كتبهم على ذكر الأوصاف الثلاثة: الجنس، والنوع والصفة (جيد، رديء، وسط) ولم يذكروا غيرها اكتفاء بها
(3)
.
وأما غير الحنفية فذكروا أوصافًا أخرى زائدة على الأوصاف الثلاثة، وهي تختلف باختلاف المسلم فيه، كلونه، وبلده، وحداثته، وقدمه، وكل وصف يختلف به الغرض، والثمن، فيجب ذكره. وهذا مذهب المالكية
(4)
،
(1)
صحيح البخاري (2086) ومسلم (3010).
(2)
المغني (4/ 188).
(3)
تحفة الفقهاء (2/ 10 - 11)، البحر الرائق (6/ 174)، المبسوط (12/ 125)، بدائع الصنائع (5/ 207).
(4)
حاشية الدسوقي (3/ 209)، مواهب الجليل (4/ 531 - 532)، الخرشي (5/ 214).
والشافعية
(1)
، والحنابلة
(2)
.
وجه قول الحنفية:
بأن الأوصاف الثلاثة تكفي في ضبط المسلم فيه:
فإذا ذكر الجنس، كأن يقول: حنطة، شعير، تمر.
وذكر النوع، كأن يقول: تمر برني، سكري.
وذكرت الصفة، كقولك: جيد، وسط، رديء. فهذه الأوصاف اشتملت على ما وراءها من الصفات.
ولأن استقصاء جميع الصفات يتعذر، وربما يفضي الحال إلى عدم القدرة على تسليم المسلم فيه عند الأجل، فيجب الاكتفاء بالأوصاف الظاهرة التي يختلف الثمن بها اختلافًا ظاهرًا.
وجه قول الجمهور:
أن هذا يختلف باختلاف المسلم فيه، فبعض المسلم فيه قد يكفي في وصفه ذكر الصفات الثلاث: الجنس، والنوع، والصفة. وبعض المسلم فيه لا بد فيه من ذكر اللون، والبلد، والحداثة، والقدامة، باعتبار أن هذه الأوصاف مؤثرة في قيمة المسلم فيه، وتختلف فيها أغراض المتعاقدين، وبناء عليه فلا بد من ذكر مثل هذه الصفات قطعًا للنزاع والاختلاف.
(1)
المهذب (1/ 299)، روضة الطالبين (4/ 15 - 16)، مغني المحتاج (2/ 108)، أسنى المطالب (2/ 130).
(2)
الكافي (2/ 114)، المغني (4/ 188)، المبدع (4/ 181)، الروض المربع (2/ 140)، شرح منتهى الإرادات (2/ 88)، الإنصاف (5/ 84)، كشاف القناع (3/ 293)، الفروع (4/ 177).
فكل جنس لا أثر للحدوث والعتق فيه، لا حاجة إلى التعرض لذكره، وكل جنس يكون للحداثة، والقدامة أثر، فلا بد من التعرض لذلك، خذ مثلًا التمر، فإذا كان المسلم فيه تمرًا، فلا بد من ذكر كونه حديثًا أو عتيقًا؛ لاختلاف الثمن، والغرض. وأما لو أسلم في الرطب فلا حاجة للتعرض للحداثة، والعتق.
ومثله العسل، فلا بد من ذكر كونه جبليًا، أو بلديًا، وهكذا.
وأما دعوى أن استقصاء جميع الصفات متعذر، ويفضي إلى عدم القدرة على التسليم، فهذا غير مسلم، بل ذلك أضبط، وأبعد عن الاختلاف.
وهذا القول هو الراجح، والله أعلم.
وهذا بيان لبعض السلع مما اشترط فيه الجمهور بيان صفات زائدة على الجنس، والنوع، والجودة.
ففي القمح: يوصف بذكر نوعه، وبلده، وجودته، ورداءته، ولونه، وجدته
(1)
.
وفي الحيوان: يذكر النوع، واللون، والذكورة، والأنوثة، والسن، والسمن، والهزل
(2)
.
وفي الثياب: يذكر النوع، والبلد التي نسجت فيه، والطول، والعرض، والدقة، والغلظة بالنسبة لغزله، والصفاقة، والرقة بالنسبة لنسجه، والنعومة والخشونة.
وفي العسل: يذكر أنه جبلي، أو بلدي، ويذكر الزمان، ربيعي، أو خريفي، واللون، أبيض، أو أحمر
(3)
.
وهذه نماذج يقاس عليها غيرها، والله أعلم.
* * *
(1)
مواهب الجليل (4/ 533).
(2)
مواهب الجليل (4/ 533)، المغني (4/ 189).
(3)
المغني (4/ 189).