الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأجاز المالكية تأخير الأجرة إذا شرع المستأجر باستيفاء المنفعة؛ لأن المستأجر بالشروع في الاستيفاء يعد مستوفيًا لها، فخرج من كونه بيع دين بدين.
الراجح:
اختلاف الفقهاء سببه أن الإجارة إذا كانت على عمل في الذمة هل تعتبر من قبيل السلم في المنافع، والسلم يشترط له تعجيل الثمن حتى لا يكون ذلك من باب بيع الكالئ بالكالئ؟ أو لا يعتبر ذلك باعتبار أن الأجرة لا تستحق بالعقد، وإنما تستحق إما بالفراغ من العمل، أو بحسب استيفاء المنفعة شيئًا فشيئًا، فاختلف ذلك عن بيع السلم، ومسألة: متى تستحق الأجرة مسألة خلافية تعرضت لها في عقد الإجارة في مبحث مستقل، وحررت القول الراجح فيها.
وما ذهب إليه الحنفية والحنابلة هو الراجح؛ لسببين:
الأول: أن المالكية قالوا بتعجيل الأجرة قياسًا على السلم، ومع ذلك لم يطبقوا عليها أحكام السلم من كل وجه، فالسلم الحال لا يجوز عند المالكية، وتعجيل الإجارة فيما إذا كانت على عمل في الذمة جائز عندهم، وهذا يبين أن الإجارة على الذمة لا تأخذ حكم السلم من كل وجه.
قال الباجي في المنتقى: «فأما الكراء المضمون (ما كان في الذمة) فإنه يجوز أن يكون معجلًا بخلاف السلم على المشهور من المذهب ووجه ذلك أن المنافع هذا حكمها لا يجوز أن يعقد منها إلا على موجود مع الإجماع على جوازه فيمن يعتبر بقوله ولذلك قال تعالى: {إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَن تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ} [القصص:27] فإذا ثبت ذلك فالتعيين في العين
المعقود على منافعها إنما هو تعيين لعين المعقود عليه، فإذا جاز العقد على منافع دابة معينة مؤجلة فكذلك على منافع دابة غير معينة»
(1)
.
الثاني: أن تأخير الأجرة هو الذي يقتضيه حال الناس اليوم لكون الإجارة لم تكن على ثوب يقدمه صاحبه إلى حائك، وإنما بلغت الإجارة اليوم على أعمال مكلفة جدًا، كإنشاء مطارات، وسكك حديدية، وأبراج ضخمة، فلو عجلت الأجرة لخيف من أن يتهاون الأجير في الالتزام بالعمل المطلوب، والله أعلم.
* * *
(1)
المنتقى للباجي (5/ 115 - 116).