الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الباب الثاني
في شروط المقاولة
لما كانت المقاولة من عقود المعاوضات اشترط فيها العلماء ما اشترطوا في عقود المعاوضات من شروط عامة، سواء منها ما يتعلق بالانعقاد أو بالنفاذ، أو باللزوم، أو بالصحة، ومن ذلك:
(1)
ـ[م-765) أن يكون العاقد مختارًا، فيشترط في كل من العاقدين في عقد المقاولة أن يكون مختارًا للعقد، اختيارًا يدل على الرضا المنافي للإكراه.
وإنما قلت: (اختيارًا يدل على الرضا المنافي للإكراه) لأنه قد جرى خلاف بين الحنفية والجمهور، في التفريق بين الرضا والاختيار كما سبق بيانه في عقد البيع.
والدليل على اشتراط الرضا (الاختيار) في العقود.
من القرآن قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ} [النساء:29].
فقوله: {عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ} الجملة صفة لتجارة، أي تجارة صادرة عن تراض بالعقد
(1)
.
وإذا كان الرضا شرطًا في صحة العقد، فلا بد أن يكون الرضا خاليًا من كل ما ينافيه، كالإكراه، والغلط، والتدليس، والغبن.
فالإكراه، بحيث لو خلي المكره بينه وبين إرادته لم يرض بالعقد.
(1)
تفسير النسفي (1/ 218).
والغلط بحيث لو علم من وقع في الغلط ما أقدم على التعاقد.
والتدليس على المتعاقد بحيث لو تكشفت الحقيقة للمتعاقد المدلس عليه (المخدوع) ما أقدم على التعاقد.
أو وقع في غبن فاحش، فهذه العيوب كلها تنافي الرضا، وقد سماها بعض القانونيين عيوب الإرادة، وبعضهم يسميها العيوب التي تلحق الرضا، وسبق أن تعرضت لها بالتفصيل في عقد البيع فأغنى عن إعادتها هنا.
(2)
-[م-766] أهلية المتعاقدين بحيث يكون كل واحد من المتعاقدين صالحًا لصدور الفعل منه على وجه يعتد به شرعًا، وهو ما يسمى بأهلية الأداء.
والأهلية الكاملة: هي في حق المكلف الحر الرشيد.
والمكلف: هو البالغ العاقل.
فقيد العقل: أخرج المجنون والسكران حال سكره، والمعتوه.
وقيد الحرية: أخرج العبد.
وقيد البلوغ: أخرج الصبي.
والمقصود بالرشد هو الرشد في المال، وذلك بحفظه وإصلاحه، ولا يدخل فيه الرشد في الدين، ولو كان صلاح الدين شرطًا في الرشد لوجب الحجر على المنافقين والمبتدعة، بل يجب الحجر على كل من اغتاب مسلمًا ولم يتب من هذه المعصية وذلك لارتكابه كبيرة من كبائر الذنوب، ويجب الحجر على كل من كذب في بيعه، أو غش فيه.
فتلخص لنا أنه يشترط في العاقد أن يكون جائز التصرف، وهو الحر المكلف الرشيد، وهذا لا خلاف في نفوذ تصرفاته، كما أن المجنون لا خلاف في أنه لا يصح بيعه، وشراؤه، وسائر تصرفاته العقدية.