الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بذل ذلك من نفسه، وأوجبه عليها»
(1)
.
ولأن الإيجاب إذا صدر من البائع أثبت ذلك للمشتري حق التملك، فامتنع الرجوع عن الإيجاب حتى لا يؤدي ذلك إلى إبطال حق المشتري.
ورد هذا:
بأن الموجب وإن أثبت للمشتري حق التملك، فإن حقيقة الملك للبائع، والحقيقة مقدمة على الحق
(2)
.
(3)
.
التعليل الثاني:
ممكن أن يستدل لهم بالقياس فإذا كان القبول يُلزِم المشتري بما صدر عنه، فالإيجاب يلزم البائع بما صدر عنه، فمن يتعاقد إنما يلتزم بالإرادة الصادرة عنه، لا بتوافق هذه الإرادة مع إرادة المتعاقد الآخر، ويترتب على ذلك أن الإيجاب وحده ملزم، فلا يستطيع من صدر عنه الإيجاب أن يعدل عنه.
(1)
تفسير القرطبي (3/ 357).
(2)
انظر البحر الرائق (5/ 284).
(3)
مجلة مجمع الفقه الإسلامي (6/ 2/ص: 811) نقلًا من مجلة القانون والاقتصاد، السنة الرابعة، ص:654.
فالملتزم بالعقد إنما يلتزم بإرادته هو، لا بتوافق إرادته مع إرادة الطرف الآخر، فهو يوجد حقًا في ذمته لشخص آخر بمجرد إعلان إرادته، وموافقة الآخر لهذا الحق إنما هو مجرد انضمام تطلبناه؛ لأن الإنسان لا يستطيع أن يلزم غيره بشيء إلا برضاه، فلكي يكون الالتزام من الجانبين تطلب ذلك موافقة الطرف الآخر، بدلًا من كونه ملزمًا من جانب واحد، والدليل على ذلك أن الشيء إذا كان لا يتطلب موافقة الطرف الآخر صار ملزمًا ولو من جانب واحد، وهذا له نظائر في الفقه:
فمن التصرفات التي تتم بإرادة منفردة في الفقه الإسلامي: الجعالة، والوصية، والوقف، والإبراء، واستعمال خيار من الخيارات، كخيار الشرط، وخيار العيب، وخيار الرؤية، وأيضًا الكفالة والهبة والعارية وغير ذلك من التصرفات.
وعلى قول المالكية جرت معظم قوانين المناقصة المعاصرة، على أنه يمكن تخريج الإلزام بالإيجاب وحده على قول الجمهور، ذلك أن الإيجاب إنما كان ملزمًا لصاحبه ليس بمقتضى العقد، ولكن عن طريق الشرط، فإذا اشترط في العقد أن يكون الإيجاب وحده ملزمًا لمن صدر منه مدة معينة لم يكن هذا مخالفًا لقول الجمهور، وإنما يدخل في باب الشروط في البيع، كاشتراط البائع أو المشتري ما له فيه منفعة.
(1)
.
(1)
نظرية العقد (1/ 244).
والعمل بهذا الشرط ليس قولًا ثالثًا، وإنما هو عمل بالشرط بين المتبايعين، فكل من ألزم نفسه شرطًا لا يخالف الشرع، ولا ينافي مقتضى العقد، وله فيه مصلحة، فيجب الوفاء به.
* * *