الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الثاني
إنهاء عقد المقاولة عن طريق الإقالة
[م-798] إن كان إنهاء العقد بين المقاول وصاحب العمل جاء بلفظ الفسخ، كأن يطلب أحدهما فسخ العقد، والآخر يقبل ذلك. فالعقد ينفسخ بشرطه، وهو أن يكون الفسخ بالتراضي دون إكراه أو إلجاء.
وإن كان إنهاء العقد بين المقاول وصاحب العمل جاء بلفظ الإقالة، فيأتي الخلاف الفقهي هل تعتبر الإقالة بيعًا مستأنفًا، أو تعتبر فسخًا للعقد؟
وقد اختلف الفقهاء في هذه المسألة على أقوال:
فقيل: الإقالة فسخ، اختاره زفر من الحنفية
(1)
، وبعض المالكية
(2)
، والقول الجديد للشافعي، وهو المشهور عندهم
(3)
، والمذهب عند الحنابلة
(4)
، فإن تعذر حملها على الفسخ امتنعت.
واختار أبو حنيفة أنها فسخ في حق العاقدين فقط، بيع جديد في حق شخص ثالث غيرهما
(5)
.
(1)
لم يختلف الحنفية في أن الإقالة فسخ قبل القبض، وحكوه إجماعًا انظر البحر الرائق (6/ 111)، بدائع الصنائع (5/ 306).
(2)
حاشية الدسوقي (3/ 143)، بشرط أن تكون الإقالة بمثل الثمن من غير زيادة ولا نقصان، انظر الكافي لابن عبد البر (ص: 361)، المنتقى للباجي (4/ 281).
(3)
الأم (3/ 38، 76)، الوسيط (3/ 140)، حواشي الشرواني (3/ 192)، روضة الطالبين (3/ 495)، أسنى المطالب (2/ 74).
(4)
الإنصاف (4/ 368)، الكافي (2/ 101)، المبدع (4/ 123)، المغني (4/ 95)، كشاف القناع (3/ 248)، مطالب أولي النهى (3/ 154).
(5)
البحر الرائق (6/ 110 - 111)، الجامع الصغير (ص: 364)، المبسوط (14/ 66)، (25/ 164)، الهداية شرح البداية (3/ 54 - 55)، بدائع (5/ 306)، تبيين الحقائق (4/ 70).
واختار محمد بن الحسن أن الإقالة فسخ إلا إذا تعذر حملها على الفسخ، فتجعل بيعًا للضرورة
(1)
.
وقيل: الإقالة بيع جديد، وهذا هو مذهب المالكية
(2)
،
والقول القديم
(1)
البحر الرائق (6/ 111)، الجامع الصغير (ص: 364)، المبسوط (25/ 166)، الهداية شرح البداية (3/ 55)، (5/ 306)، تبيين الحقائق (4/ 71).
(2)
واستثنى المالكية ثلاثة أشياء، تعتبر الإقالة فيها ليست بيعًا، وهي:
الأولى: الإقالة في الطعام قبل قبضه، فإن الإقالة فيه لا تعتبر بيعًا، لأنها لو كانت بيعًا لأدى ذلك إلى بيع الطعام قبل قبضه، وهذا ممتنع، وإذا كانت فسخًا فلا بد من توفر شروط الفسخ، بأن تكون الإقالة بالثمن الذي وقع عليه البيع من غير زيادة ولا نقصان، ولا تغيير، ولا بد أن تشمل الإقالة جميع الطعام، فلا تجوز الإقالة في جزء منه دون جزء، ولا بد من رد الثمن وقت الإقالة دون تأخير إن كان البائع قد قبضه، وأن تكون الإقالة بلفظها، وليس بلفظ البيع. انظر المدونة (4/ 76)، الشرح الكبير (3/ 154)، حاشية الدسوقي (3/ 157)، شرح الزرقاني للموطأ (3/ 373)، التاج والإكليل (4/ 485)، التمهيد (16/ 342).
الثانية: الإقالة فيما يتعلق بالشفعة. فإن الإقالة هنا تعتبر بحكم الملغاة، ولا يلتفت إليها، ولا يحكم عليها بأنها بيع، أو أنها فسخ، فمن باع عقارًا مشتركًا، ورجع إليه بالإقالة، وأراد شريكه الأخذ بالشفعة، فإنه يأخذه بثمن البيع الأول، وتعد الإقالة لغوًا، ولا ينظر إلى الثمن الذي وقعت به الإقالة حتى لو اختلف عن الثمن الأول. فلم يعتبروا الإقالة هنا لا بيعًا، ولا فسخًا، لأن الإقالة هنا لو كانت بيعًا لكان الشفيع بالخيار في جعل عهدته على من يشاء من العاقدين؛ لأن البائع يصير مشتريًا على القول بأنه بيع، كما إذا تعدد بيع الشقص، فإن الشفيع يأخذ بأي البيع شاء، وعهدته على من يأخذ منه، كما أنها أيضًا ليست فسخًا؛ لأنها لو كانت فسخًا لامتنع حق الأخذ بالشفعة، فعلى ذلك اعتبروا الإقالة ملغاة، ورتبوا الشفعة على البيع الذي قبلها. انظر مواهب الجليل ومعه التاج والإكليل (4/ 485)، الخرشي (5/ 166)، الذخيرة (7/ 355).
الثالثة: الإقالة في بيع المرابحة، فإذا اشترى رجل سلعة بعشرة، ثم باعها مرابحة بخمسة عشر، ثم استقاله المشتري، فإذا أراد أن يبيعها برأس ماله فإنه يبيعها بالثمن الأول (العشرة)، وليس بالثمن الذي حصلت به الإقالة، بخلاف ما لو ملكها عن طريق الشراء، فإنه لا يجب عليه بيان الثمن الأول. ومثله لو كانت الإقالة بأكثر من الثمن أو أنقص لم يجب عليه البيان. انظر مواهب الجليل (4/ 485)، الشرح الصغير (3/ 209 - 210).
للشافعي
(1)
، ورواية عند الحنابلة
(2)
، وهو اختيار ابن حزم
(3)
.
واختار أبو يوسف أن الإقالة بيع في حق العاقدين وغيرهما إلا أن يتعذر جعلها بيعًا، فتكون فسخًا
(4)
.
وقد ذكرنا أدلتهم في عقد البيع من المجلد السابع فأغنى عن إعادة ذلك، ورجحنا أن الإقالة فسخ بشرط أن تكون بمثل الثمن الأول، فإن كانت بأكثر منه، أو بأقل، أو بثمن مختلف عن الثمن الأول فإنها بيع من البيوع يشترط فيها ما يشترط في البيع.
فإن قيل: كيف تعتبر فسخًا في حال، وبيعًا في حال، وحقيقتها واحدة؟ فالجواب:
أن الأصل أنها فسخ لما كان ذلك يؤدي إلى رفع العقد، ورجوع المبيع إلى البائع، والثمن إلى المشتري، ولكن لما اختلف الحال، بأن كان الثمن بأكثر من الثمن الأول علمنا أن العاقدين لم يريدا من لفظ الإقالة الفسخ، وإنما أرادا والله أعلم عقدًا آخر، ولكنهما استعملا لفظ الإقالة، والعبرة في العقود بالمعاني، فلو قال: وهبتك هذا بعشرة كان بيعًا، وإن استعمل لفظ الهبة، لأنه حين ذكر العوض خرج من حقيقة الهبة إلى حقيقة المعاوضة، والله أعلم.
(1)
الوسيط (3/ 140)، حواشي الشرواني (4/ 392).
(2)
الكافي (2/ 101)، المبدع (4/ 123 - 124)، المغني (4/ 95).
(3)
مسألة: (1510) المحلى (7/ 483).
(4)
البحر الرائق (6/ 111)، المبسوط (25/ 166)، الهداية شرح البداية (3/ 55).
فإذا كانت الإقالة فسخًا بشرط أن تكون بمثل الثمن، فإن الفسخ يرد على عقد المقاولة؛ لأن عقد المقاولة إن كان على صورة الأجير المشترك، فإن الإقالة ترد عليه؛ لأن الفسخ يرد على العقود الصحيحة اللازمة، وهذا منها.
وإن كان عقد المقاولة على صورة الاستصناع، فالفسخ يرد عليه:
لأنه إن قيل: إن الاستصناع نوع من عقود السلم كما هو مذهب الجمهور، فعقد السلم يقبل الإقالة، وهو مذهب الأئمة الأربعة خلافًا لابن حزم، وقد تكلمنا عن ذلك في عقد السلم، فأغنى عن إعادته.
وإن قلنا: إنه عقد قائم بذاته، كما هو مذهب الحنفية.
فإن قلنا: إنه عقد لازم، كما اختارت ذلك مجلة الأحكام العدلية، والقول الأخير لأبي يوسف فإن الإقالة ترد عليه.
وإن قلنا بالتفصيل كما هو رأي جمهور الحنفية: وأن عقد الاستصناع عقد جائز في حق المستصنع والصانع قبل تقديم المصنوع إلى الصانع، فلا ترد عليه الإقالة في هذه المرحلة.
وأما بعد تقديم المصنوع إلى الصانع فإنه عقد لازم في حق الصانع، وجائز في حق المستصنع، فالإقالة ترد في حق الصانع دون المستصنع.
وقد رجحت مذهب أبي يوسف، وهو اختيار مجمع الفقه الإسلامي، وبالتالي ترد الإقالة على عقد الاستصناع مطلقًا، قبل التصنيع وبعده، وقد ذكرت هذا التفصيل بأدلته في عقد الاستصناع، فأغنى ذلك عن تكراره هنا، والله أعلم.
* * *