الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(10) باب التَّشَهُّد في الصلاة
[317]
- عَن عَبدِ اللهِ بنِ مَسعُودٍ قَالَ: كُنَّا نَقُولُ فِي الصَّلاةِ خَلفَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم: السَّلامُ عَلَى اللهِ، السَّلامُ عَلَى فُلانٍ! فَقَالَ لَنَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم ذَاتَ يَومٍ: إِنَّ اللهَ هُوَ السَّلامُ، فَإِذَا قَعَدَ أَحَدُكُم فِي الصَّلاةِ فَليَقُلِ: التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ وَالصَّلَوَاتُ وَالطَّيِّبَاتُ، السَّلامُ عَلَيكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحمَةُ اللهِ
ــ
(10)
ومن باب: التشهد في الصلاة
اختار جمهور الفقهاء وأصحاب الحديث تشهد ابن مسعود (1)، واختار الشافعي تشهد ابن عباس الآتي، واختار مالك تشهد عمر بن الخطاب لكونه علَّمه الناس على منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بحضرة الصحابة والناس ولم يُنكَر ذلك فصار إجماعًا منهم على أصل مالك في هذا الباب.
وقوله عليه الصلاة والسلام إن الله هو السلام، والسلام من أسمائه تعالى الحسنى، وهو السالم من النقائص وسِمَاتِ الحَدَث. وقيل: المسلِّم عباده. وقيل: المسلِّم عليهم في الجنة، كما قال:{سَلامٌ عَلَيكُم طِبتُم} وقيل: معناه في قوله السلام عليك أيها النبي، وفي سلام الصلاة السلامة والنجاة، فيكون مصدرًا كاللذاذ واللذاذة، كما قال تعالى:{فَسَلامٌ لَكَ مِن أَصحَابِ اليَمِينِ} وقيل: السلام عليك؛ أي الانقياد لك والتسليم لك، قال:{فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤمِنُونَ} إلى قوله: {تَسلِيمًا} وقد سبق القول في التحيات والطيبات وأنها الأقوال الصالحة كالأذكار والدعوات وما شاكل ذلك، كما قال تعالى:{إِلَيهِ يَصعَدُ الكَلِمُ الطَّيِّبُ}
وقوله لله في هذا الموضع تنبيه على الإخلاص في العبادات؛ أي:
(1) في (م) و (ل): هذا التشهد.
وَبَرَكَاتُهُ، السَّلامُ عَلَينَا وَعَلَى عِبَادِ اللهِ الصَّالِحِينَ، فَإِذَا قَالَهَا أَصَابَت كُلَّ عَبدٍ صَالِحٍ فِي السَّمَاءِ وَالأَرضِ، أَشهَدُ أَن لا إِلهَ إِلا اللهُ وَأَشهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبدُهُ وَرَسُولُهُ، ثُمَّ يَتَخَيَّرُ مِنَ المَسأَلَةِ مَا شَاءَ.
وَفِي رِوَايَةٍ قَالَ: عَلَّمَنِي رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم التَّشَهُّدَ كَفِّي بَينَ كَفَّيهِ كَمَا يُعَلِّمُنِي السُّورَةَ مِنَ القُرآنِ. وَذَكَرَ مِثلَهُ.
ــ
ذلك كله من الصلوات والأعمال لا تفعل إلا لله تعالى، ويجوز أن يراد به الاعتراف بأن مَلكَ ذلك كله لله تعالى.
وقوله على عباد الله الصالحين فيه دليل على أن جمع التكثير للعموم وعلى صحة القول بالعموم من غير توقف ولا تأخير، وقد نبّه النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك حيث قال: أصابت كل عبد صالح - فأدخل فيه الكُلَّ حتى الملائكة.
وقوله ثم ليتخيّر بعدُ من المسألة ما شاء حجة للجمهور على أبي حنيفة حيث يقول: لا تدعو في الصلاة إلا بما جاء في القرآن، وحجة على الشافعي حيث أوجب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في كل صلاة بعد التشهد الأخير. والصحيح عند الجمهور أن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم واجبة في الجملة، مندوب إليها في الصلاة وغيرها، متأكِّدة النَّدبِيَّة في الصلاة، حتى إن بعض أصحابنا يطلقون عليها أنها سنة لقوله عليه الصلاة والسلام للرجل الذي علمه الصلاة: فإذا فعلت ذلك فقد تمت صلاتك، ولم يذكر فيه الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم على ما تقدم.
واختلف العلماء في حكم التشهدين؛ فهما غير واجبين عند مالك والجمهور بل مندوبان، وذهب فقهاء أصحاب الحديث إلى وجوبهما، وذهب الشافعي إلى وجوبه في الآخرة، وروي عن مالك مثله، والصحيح الأول على الطريقة المتقدمة منه.
وسُمي التشهد تشهدًا لأنه مأخوذ من لفظ الشهادتين بالوحدانية لله وبالرسالة لرسوله صلى الله عليه وسلم.
رواه أحمد (1/ 413)، والبخاري (6328)، ومسلم (402)(55 و 59)، وأبو داود (968 و 969)، والترمذي (289)، والنسائي (2/ 237).
[318]
- وَعَنِ ابنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يُعَلِّمُنَا التَّشَهُّدَ كَمَا يُعَلِّمُنَا السُّورَةَ مِنَ القُرآنِ، فَكَانَ يَقُولُ: التَّحِيَّاتُ المُبَارَكَاتُ الصَّلَوَاتُ الطَّيِّبَاتُ لِلَّهِ، السَّلامُ عَلَيكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ، السَّلامُ عَلَينَا وَعَلَى عِبَادِ اللهِ الصَّالِحِينَ، أَشهَدُ أَن لا إِلهَ إِلا اللهُ وَأَشهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ.
رواه أحمد (1/ 292)، ومسلم (403)، وأبو داود (974)، والترمذي (290)، والنسائي (2/ 242 و 243).
[319]
- وَعَن حِطَّانَ بنِ عَبدِ اللهِ الرَّقَاشِيِّ قَالَ: صَلَّيتُ مَعَ أَبِي مُوسَى الأَشعَرِيِّ صَلاةً، فَلَمَّا كَانَ عِندَ القَعدَةِ قَالَ رَجُلٌ مِنَ القَومِ: أُقِرَّتِ الصَّلاةُ بِالبِرِّ وَالزَّكَاةِ؟ فَلَمَّا قَضَى أَبُو مُوسَى الصَّلاةَ وَسَلَّمَ انصَرَفَ، فَقَالَ: أَيُّكُمُ القَائِلُ كَلِمَةَ كَذَا وَكَذَا؟ قَالَ: فَأَرَمَّ القَومُ. ثُمَّ قَالَ: أَيُّكُمُ القَائِلُ كَلِمَةَ
ــ
وقوله في حديث حطَّان أقِرَّت الصلاة بالبر والزكاة؛ أي قُرِنَت، والباء بمعنى مع؛ أي: قُرِنَت مع البر والزكاة فصارت معهما مستوية في أحكامهما وتأكيدهما. ويحتمل أن يراد بالبر هنا المبَّرة، وبالزكاة الطهارة، ويكون المعنى أن من داوم على الصلاة بَرّ وتطهر من الآثام، والله أعلم.
وقوله فأرَمَّ القوم بفتح الراء وتشديد الميم، وهو المعروف، ويروى فَأزَمَ القوم بالزاي المنقوطة، ومعناهما واحد وهو السكوت؛ أي: لم ينطقوا بشيء ولا حرَّكوا مَرَمّاتهم وهي شفاههم، والشفةُ: هي المِرَمَّة والمِقمَّة، وبالزاي من الزَّمّ؛ أي: لم يفتحها بكلمة.
كذا وكذا؟ فأرم القوم. فَقَالَ: لَعَلَّكَ يَا حِطَّانُ قُلتَهَا؟ قَالَ: مَا قُلتُهَا، وَلَقَد رَهِبتُ أَن تَبكَعَنِي بِهَا. فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ القَومِ: أَنَا قُلتُهَا، وَلَم أُرِد بِهَا إِلا الخَيرَ. فَقَالَ أَبُو مُوسَى: أمَا تَعلَمُونَ كَيفَ تَقُولُونَ فِي صَلاتِكُم! إِنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم خَطَبَنَا فَبَيَّنَ لَنَا سُنَّتَنَا وَعَلَّمَنَا صَلاتَنَا، فَقَالَ: إِذَا صَلَّيتُم فَأَقِيمُوا صُفُوفَكُم، ثُمَّ ليَؤُمَّكُم أَحَدُكُم، فَإِذَا كَبَّرَ فَكَبِّرُوا، وَإِذا قَالَ {غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِم وَلا الضَّالِّينَ} فَقُولُوا آمِينَ يُجِبكُمُ اللهُ، فَإِذَا كَبَّرَ وَرَكَعَ فَكَبِّرُوا وَاركَعُوا، فَإِنَّ الإِمَامَ يَركَعُ قَبلَكُم وَيَرفَعُ قَبلَكُم. فَقَالَ
ــ
وقوله لقد رهبت أن تَبكَعَني بها، قال: معناه خفتُ أن تستقبلني بها، يقال بَكَعت الرجل بَكعًا إذا استقبلته بما يكره، وهو نحو التبكيت. ورهبت: خفت. والرهب: الخوف.
وقوله أما تعلمون كيف تقولون! ظاهره النفي، ويحتمل الاستفتاح، وحُذِفَت الهمزة تخفيفًا كما تحذف مع الاستفهام.
وقوله فأقيموا صفوفكم أَمرٌ بإقامة الصفوف، وهو من سنن الصلاة بلا خلاف؛ لقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الآخر: فإن تسوية الصف من تمام الصلاة (1).
وقوله فإذا كبر فكبروا يقتضي أن تكبير المأموم لا يكون إلا بعد تكبير الإمام؛ لأنه جاء بفاء التعقيب، وهذا مذهب كافة العلماء. ولا خلاف أن المأموم لا يسبقه بالتكبير والسلام إلا عند الشافعي ومن لا يرى ارتباط صلاة المأموم بصلاة الإمام، والحديث حجة عليهم. واختلفوا إذا ساواه في التكبير أو السلام؛ فلأصحابنا فيه قولان: الإجزاء وعدمه. واتفقوا على أنه لا يجوز أن يسابقه بكل أفعاله وسائر أقواله ولا يقارنه فيها، وأن السنة اتباعه فيها.
(1) رواه البخاري (723)، ومسلم (433 و 434)، وأبو داود (667 - 671)، والنسائي (2/ 91) من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه.
رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: فَتِلكَ بِتِلكَ، وَإِذَا قَالَ: سَمِعَ اللهُ لِمَن حَمِدَهُ، فَقُولُوا: اللهُمَّ رَبَّنَا وَلَكَ الحَمدُ - يَسمَعُ اللهُ لَكُم، فَإِنَّ اللهَ تَعَالَى قَالَ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ صلى الله عليه وسلم: سَمِعَ اللهُ لِمَن حَمِدَهُ. وَإِذَا كَبَّرَ وَسَجَدَ فَكَبِّرُوا وَاسجُدُوا، فَإِنَّ الإِمَامَ يَسجُدُ قَبلَكُم وَيَرفَعُ قَبلَكُم. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: فَتِلكَ بِتِلكَ. وَإِذَا
ــ
وقوله فتلك بتلك، هذا إشارة إلى أن حق الإمام السبق، فإذا فرغ تلاه المأموم معقبًا. والباء في تلك للإلصاق والتعقيب، وقد قيل: ليس عليه أن ينتظره حتى يفرغ، بل يكفي شروع الإمام في أول الفعل، والصحيح الأول للحديث. وقد روي عن مالك قول ثالث أنه فرّق فقال: يجوز مُشاركةُ المأموم الإمام إلا في القيام من الركعتين، فلا يقوم حتى يستوي الإمام قائمًا ويكبر. وعلى القول الآخر: له أن يقوم بقيامه. وقيل في تلك بتلك أن معناه أن الحالة من صلاتكم وأعمالكم إنما تصح بتلك الحالة من اقتدائكم به.
وقوله يسمع الله لكم؛ أي يستجيب.
وقول النبي صلى الله عليه وسلم سمع الله لمن حمده خبر عن الله تعالى باستجابة من حَمِدَه ودعاه، ويجوز أن يراد به الدعاء، فيكون معناه: اللهم استجب، كما نقول: صلى الله على محمد.
وقوله ربنا ولك الحمد اختلفت روايات الحديث في إثبات الواو وحذفها، واختلف اختيار العلماء فيها؛ فمرة اختار مالك إثبات الواو لأن قوله ربنا إجابةُ قوله سمع الله لمن حمده؛ أي: ربَّنا استجب دعاءَنا واسمع حمدَنا، ولك الحمد على هذا. وأيضًا فإن الواو زيادة حرف، ولكل حرف حَظٌّ من الثواب. واختار مرّة حذف الواو إذ الحمد هو المقصود، قال الشيخ رحمه الله: والظاهر أن الموجب للاختلاف في الاختيار الاختلاف في ترجيح الآثار.
كَانَ عِندَ القَعدَةِ فَليَكُن مِن أَوَّلِ قَولِ أَحَدِكُمُ: التَّحِيَّاتُ الطَّيِّبَاتُ الصَّلَوَاتُ لِلَّهِ، السَّلامُ عَلَيكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ، السَّلامُ عَلَينَا وَعَلَى عِبَادِ اللهِ الصَّالِحِينَ، أَشهَدُ أَن لا إِلهَ إِلا اللهُ، وَأَشهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبدُهُ وَرَسُولُهُ.
وَفِي رِوَايَةٍ: وَإِذَا قَرَأَ فَأَنصِتُوا.
رواه أحمد (4/ 399)، ومسلم (404)(62 و 63)، وأبو داود (972 و 973)، والنسائي (2/ 96 - 97).
* * *
ــ
وقوله وإذا قرأ فأنصتوا حجة لمالك ومن قال بقوله: إن المأموم لا يقرأ مع الإمام إذا جهر. قال الدارقطني: هذه اللفظة لم يتابع سليمان التَّيمي فيها عن قتادة، وخالفه الحُفَّاظ. قال: وإجماعهم على مخالفته يدل على وهمه. قال الشيخ رحمه الله: وقد أشار مسلم في كتابه إلى تصحيح هذه الزيادة، وهي ثابتة في الأصل في رواية الجُلودي عن إبراهيم بن سفيان.
وقد تقدم في أوَّل كتابنا قول إبراهيم بن سفيان لمسلم: لِمَ لَم تخرج في كتابك وإذا قرأ فأنصتوا؟ أليست بصحيحة؟ فقال: ليس كل الصحيح خرَّجت هنا، وإنما خرَّجت ما أجمعوا عليه! فهذا تصريح بصحتها، إلا أنها ليست عنده مما أجمعوا على صحته.
وقوله وإذا قال: ولا الضالين - فقولوا: آمين؛ يجبكم الله، آمين: اسم من أسماء الأفعال، ومعناها هنا: اللهم استجب، وهي مبنيَّة على السكون، وفيها لغتان: المدّ، والقصر.
* * *