الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(58) باب الاستعاذة في الصلاة من عذاب القبر وغيره
[474]
- عَن عَائِشَةَ قَالَت: دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَعِندِي امرَأَةٌ مِنَ اليَهُودِ، وَهِيَ تَقُولُ: هَل شَعَرتِ أَنَّكُم تُفتَنُونَ فِي القُبُورِ؟ قَالَت: فَارتَاعَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَقَالَ: إِنَّمَا تُفتَنُ يَهُودُ، فقَالَت عَائِشَةُ: فَلَبِثنَا لَيَالِيَ، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: هَل شَعَرتِ أَنَّهُ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّكُم تُفتَنُونَ فِي القُبُورِ؟ قَالَت عَائِشَةُ: سَمِعتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَعدُ يَستَعِيذُ مِن عَذَابِ القَبرِ.
وَفِي رِوَايَةٍ؛ قَالَت: فَمَا رَأَيتُهُ بَعدُ في صلاة إلا يتعوذ من عَذَابِ القَبرِ.
رواه أحمد (6/ 89 و 271)، ومسلم (584) و (586).
ــ
(58)
ومن باب: الاستعاذة في الصلاة من عذاب القبر وغيره
قول اليهودية: إنكم تفتنون في القبور؛ أي: تعذبون. كما قال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا المُؤمِنِينَ وَالمُؤمِنَاتِ} ؛ أي: عذبوهم. وقد قدمنا أن الفتنة تنصرف على وجوه، وأن أصلها الاختبار.
وهذا الحديث وما في معناه يدل على صحة اعتقاد أهل السنة في عذاب القبر، وأنه حق، ويرد على المبتدعة المخالفين في ذلك، وسيأتي إن شاء الله.
وارتياع النبي صلى الله عليه وسلم عند إخبار اليهودية بعذاب القبر إنما هو على جهة استبعاد ذلك للمؤمن، إذ لم يكن أوحي إليه في ذلك شيء. ولذلك حققه على اليهود، فقال: إنما تفتن يهود، على ما كان عنده من علم ذلك. ثم أخبر أنه أوحي إليه بوقوع ذلك، وحينئذ تعوذ منه، ولما استعظم الأمر واستهوله أكثر الاستعاذة منه،
[475]
- وَعَن أَبِي هُرَيرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: إِذَا تَشَهَّدَ أَحَدُكُم فَليَستَعِذ بِاللَّهِ مِن أَربَعٍ، يَقُولُ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِن عَذَابِ جَهَنَّمَ، وَمِن عَذَابِ القَبرِ، وَمِن فِتنَةِ المَحيَا وَالمَمَاتِ، وَمِن فِتنَةِ المَسِيحِ الدَّجَّالِ.
وَفِي رِوَايَةٍ: إِذَا فَرَغَ أَحَدُكُم مِنَ التَّشَهُّدِ الآخِرِ فَليَتَعَوَّذ .... الحديث.
رواه أحمد (2/ 477)، والبخاري (1377)، ومسلم (588)(128 و 130)، وأبو داود (983)، والنسائي (3/ 58).
[476]
- وعَن طاووس، عَنِ ابنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ
ــ
وعلّمها، وأمر بها، وبإيقاعها في الصلاة؛ ليكون أنجح في الإجابة، وأسعف في الطّلبة؛ إذ الصلاة من أفضل القرب، وأرجى للإجابة، وخصوصًا بعد فراغها، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم: أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد، فأكثروا الدعاء (1).
وفي هذا الحديث حجة على أبي حنيفة؛ حيث منع الدعاء في الصلاة إلا بألفاظ القرآن.
وقوله: ومن فتنة المحيا والممات؛ أي: الحياة والموت، ويحتمل زمانَ ذلك؛ لأن ما كان معتل العين من الثلاثي فقد يأتي منه المصدر، والزمان والمكان، بلفظ واحد، ويريد بذلك: محنة الدنيا وما بعدها. ويحتمل أن يريد بذلك: حالة الاحتضار، وحالة المساءلة في القبر، فكأنه لما استعاذ من فتنة هذين المقامين، سأل التثبت فيهما، كما قال تعالى:{يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالقَولِ الثَّابِتِ فِي الحَيَاةِ الدُّنيَا وَفِي الآخِرَةِ} والله أعلم. وقد تقدم القول في المسيح الدجال في الإيمان.
وأَمرُ طاووس ابنَه بإعادة الصلاة لَمّا لم يتعوذ من تلك الأمور؛ دليل على
(1) رواه أحمد (2/ 421)، ومسلم (482)، وأبو داود (875)، والنسائي (2/ 226) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
يُعَلِّمُهُم هَذَا الدُّعَاءَ كَمَا يُعَلِّمُهُمُ السُّورَةَ مِنَ القُرآنِ، يَقُولُ: قُولُوا: اللَّهُمَّ إِنَّا نَعُوذُ بِكَ مِن عَذَابِ جَهَنَّمَ، وَأَعُوذُ بِكَ مِن عَذَابِ القَبرِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِن فِتنَةِ المَسِيحِ الدَّجَّالِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِن فِتنَةِ المَحيَا وَالمَمَاتِ.
قَالَ مُسلِم: بَلَغَنِي أَنَّ طاووسا قَالَ لابنِهِ: دَعَوتَ بِهَا فِي صَلاتِكَ؟ قَالَ: لا، قَالَ: أَعِد صَلاتَكَ.
رواه أحمد (1/ 305)، ومسلم (590)، وأبو داود (984)، وابن ماجه (3840).
[477]
- وعَن عَائِشَةَ: أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَدعُو فِي الصَّلاةِ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِن عَذَابِ القَبرِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِن فِتنَةِ الدَّجَّالِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِن فِتنَةِ المَحيَا وَالمَمَاتِ، اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ المَأثَمِ وَالمَغرَمِ. قَالَت: فَقَالَ لَهُ قَائِلٌ: مَا أَكثَرَ مَا تَستَعِيذُ مِنَ المَغرَمِ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: إِنَّ الرَّجُلَ إِذَا غَرِمَ حَدَّثَ فَكَذَبَ، وَوَعَدَ فَأَخلَفَ.
رواه أحمد (6/ 89)، والبخاري (6375)، ومسلم (589)، وأبو داود (880)، والنسائي (3/ 56)، وابن ماجه (3838).
* * *
ــ
أنه كان يعتقد وجوب التعوذ منها في الصلاة، وكأنه تمسك بظاهر الأمر بالتعوذ منها، وتأكد ذلك بتعليم النبي صلى الله عليه وسلم إياها للناس، كما يعلمهم السورة من القرآن، وبدوام النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك، ويحتمل أن يكون ذلك إنما أمره بالإعادة تغليظًا عليه؛ لئلا يتهاون بتلك الدعوات، فيتركها، فيُحرَم فائدتها وثوابها، والله تعالى أعلم.
والمأثم: ما يجر إلى الذَّمّ والعقوبة. والمغرم: الغُرمُ. وقد نبه في الحديث على الضرر اللاحق من الغرم، والله أعلم.