المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(40) باب ابتناء مسجد النبي صلى الله عليه وسلم - المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم - جـ ٢

[أبو العباس القرطبي]

فهرس الكتاب

- ‌(3) كتاب الصلاة

- ‌(1) باب ما جاء في الأذان والإقامة

- ‌(2) باب الأذان أمان من الغارة، وما جاء في اتخاذ مُؤذِّنَينِ

- ‌(3) باب إذا سَمِعَ المؤذن قال مثل ما قال، وفضل ذلك، وما يقول بعد الأذان

- ‌(4) باب فضل الأذان وما يُصيب الشيطان عنده

- ‌(5) باب رفع اليدين في الصلاة، ومتى يرفعهما؟ وإلى أين

- ‌(6) باب التكبير في الصلاة

- ‌(7) باب ما جاء في القراءة في الصلاة وبيان أركانها

- ‌(8) باب ترك قراءة بِسمِ اللَّهِ الرَّحمَنِ الرَّحِيمِ في الصلاة

- ‌(9) باب حجة من قال: البسملة آية من أول كل سورة سوى براءة

- ‌(10) باب التَّشَهُّد في الصلاة

- ‌(11) باب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌(12) باب التَّحمِيد والتَّأمِين

- ‌(13) باب إنما جُعِلَ الإمام لِيُؤتَمَّ به

- ‌(14) باب استخلاف الإمام إذا مرض، وجواز ائتمام القائم بالقاعد

- ‌(15) باب العمل القليل في الصلاة لا يضرها

- ‌(16) باب إذا نَابَ الإمامَ شيءٌ فَليُسَبِّح الرجالُ وَليُصَفِّق النساءُ

- ‌(17) باب الأمر بتحسين الصلاة، والنهي عن مسابقة الإمام

- ‌(18) باب النهي عن رفع الرأس قبل الإمام، وعن رفع البصر إلى السماء في الصلاة، والأمر بالسكون فيها

- ‌(19) باب الأمر بتسوية الصفوف، ومن يلي الإمام

- ‌(20) باب في صفوف النساء وخروجهن إلى المساجد

- ‌(21) باب في قوله تعالى: {وَلا تَجهَر بِصَلاتِكَ وَلا تُخَافِت بِهَا}

- ‌(22) باب القراءة في الظهر والعصر

- ‌(23) باب القراءة في الصبح

- ‌(24) باب القراءة في المغرب والعشاء

- ‌(25) باب أمر الأئمة بالتخفيف في تمام

- ‌(26) باب في اعتدال الصلاة وتقارب أركانها

- ‌(27) باب اتباع الإمام والعمل بعده

- ‌(28) باب ما يقول إذا رفع رأسه من الركوع

- ‌(29) باب النهي عن القراءة في الركوع والسجود

- ‌(30) باب ما يقال في الركوع والسجود

- ‌(31) باب الترغيب في كثرة السجود، وعلى كم يسجد؟ وفيمن صلى معقوص الشعر

- ‌(32) باب كيفية السجود

- ‌(33) باب تحريمُ الصلاةِ التكبيرُ، وتحليلُها التسليمُ

- ‌(34) باب في سترة المصلي وأحكامها

- ‌(35) باب مَنع المصلي مَن مَرَّ بين يديه، والتَّغليِظ في المرور بين يدي المصلي

- ‌(36) باب دنو المصلي من سترته وما جاء فيما يقطع الصلاة

- ‌(37) باب اعتراض المرأة بين يدي المصلي لا يقطع الصلاة

- ‌(38) باب الصلاة بالثوب الواحد على الحصير

- ‌(39) باب أول مسجد وضع في الأرض، وما جاء أن الأرض كلها مسجد

- ‌(40) باب ابتناء مسجد النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌(41) باب تحويل القبلة من الشام إلى الكعبة، والنهي عن بناء المساجد على القبور وعن التصاوير فيها

- ‌(42) باب ثواب من بَنَى للهِ مسجدًا

- ‌(43) باب التطبيق في الركوع وما ثبت من نسخه

- ‌(44) باب [جواز الإقعاء على العقبين]

- ‌(45) باب نسخ الكلام في الصلاة

- ‌(46) باب جواز الإشارة بالسلام في الصلاة، ولعن الشيطان

- ‌(47) باب جواز حمل الصغير في الصلاة، وجواز التقدم والتأخر، ومن صلى على موضع أرفع من موضع المأموم

- ‌(48) باب النهي عن الاختصار في الصلاة، وما يجوز من مس الحصى فيها، وما جاء في البصاق في المسجد

- ‌(49) باب الصلاة في النعلين والثوب المعلم وبحضرة الطعام

- ‌(50) باب النهي عن إتيان المساجد لمن أكل الثوم أو البصل، وإخراج من وُجد منه ريحها من المسجد

- ‌(51) باب النهي عن أن تنشد الضالَّة في المسجد

- ‌(52) باب الأمر بسجود السهو، وما جاء فيمن سها عن الجلسة الوسطى

- ‌(53) باب فيمن لم يّدرِ كم صلى

- ‌(54) باب فيمن سلَّم من اثنتين أو ثلاث

- ‌(55) باب ما جاء في سجود القرآن

- ‌(56) باب كيفية الجلوس للتشهد

- ‌(57) باب كم يسلم من الصلاة، وبأي شيء كان يعرف انقضاء صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌(58) باب الاستعاذة في الصلاة من عذاب القبر وغيره

- ‌(59) باب قدر ما يقعد الإمام بعد السلام وما يقال بعده

- ‌(60) باب السكوت بين التكبير والقراءة في الركعة الأولى وما يقال فيه

- ‌(61) باب فضل التحميد في الصلاة

- ‌(62) باب إتيان الصلاة بالسكينة، ومتى تقام؟ ومتى يقام لها؟ وإتمام المسبوق

- ‌(63) باب من أدرك ركعة من فعل الصلاة أو وقتها فقد أدركها

- ‌(64) باب إذا ذكر الإمام أنه مُحدِث خرج فأمرهم بانتظاره

- ‌(65) باب أَوقَات الصَّلَوَاتِ

- ‌(66) باب الإبراد بالظهر في شدة الحر

- ‌(67) باب تعجيل الظهر بعد الإبراد وفي زمن البرد

- ‌(68) باب تعجيل صلاة العصر

- ‌(69) باب ما جاء في الصلاة الوسطى

- ‌(70) باب من فاتته صلوات كيف يقضيها

- ‌(71) باب المحافظة على الصبح والعصر

- ‌(72) باب تعجيل صلاة المغرب

- ‌(73) باب تأخير العشاء الآخرة

- ‌(74) باب التغليس بصلاة الصبح

- ‌(75) باب المنع من إخراج الصلاة عن وقتها

- ‌(76) باب صلاة الفذ جائزة، والجماعة أفضل

- ‌(77) باب التغليظ في التخلف عن الجماعة والجمعة

- ‌(78) باب النهي عن الخروج من المسجد بعد الأذان، وفضل العشاء والصبح في جماعة

- ‌(79) باب الرخصة في التخلف عن الجماعة للعذر

- ‌(80) باب صلاة النفل في جماعة، والصلاة على البسط وإن عتقت وامتهنت

- ‌(81) باب فضل انتظار الصلاة في المسجد

- ‌(82) باب من كانت داره عن المسجد أبعد كان ثوابه في إتيانه أكثر

- ‌(83) باب المشي إلى الصلاة تمحى به الخطايا وترفع به الدرجات

- ‌(84) باب الجلوس في المصلى بعد صلاة الصبح

- ‌(85) باب في الإمامة، ومن أحق بها

- ‌(86) باب ما جاء في القنوت والدعاء للمُعَيَّنِ وعليه في الصلاة

- ‌(87) باب من نام عن صلاة أو نسيها

- ‌(88) باب من نام عن صلاة الصبح حتى طلعت الشمس فله أن يؤذن إذا كان في جماعة، ويصلي ركعتي الفجر

- ‌(89) باب ما جاء في حكم قَصرِ الصلاة في السفر

- ‌(90) باب من أين يبدأ بالقصر إذا خرج من وطنه، واستمراره على القصر ما لم ينو إقامة

- ‌(91) باب قَصر الصلاة بِمنىً

- ‌(92) باب جواز التخلف عن صلاة الجماعة والجمعة لعذر المطر

- ‌(93) باب التنفل والوتر على الراحلة في السفر

- ‌(94) باب الجمع بين الصلاتين في السفر والحضر

- ‌(95) باب الانصراف من الصلاة عن اليمين والشمال

- ‌(96) باب إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة

- ‌(97) باب ما يقول عند دخول المسجد، والأمر بِتحيَّتِهِ

- ‌(98) باب في صلاة الضحى

- ‌(99) باب الوصية بالضحى وأقله ركعتان

- ‌(100) باب ما جاء في ركعتي الفجر

- ‌(101) باب رواتب الفرائض وفضلها

- ‌(102) باب في صلاة النفل قائمًا وقاعدًا

- ‌(103) باب كيف صلاة الليل وكم عددها

- ‌(104) باب في صلاة الوتر

- ‌(105) باب فيمن غلب عن حزبه، وفيمن خاف أن يغلب عن وتره، وفضل طول القنوت وآخر الليل

- ‌(106) باب الترغيب في قيام رمضان وليلة القدر وكيفية القيام

- ‌(107) باب في كيفية صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم بالليل، وتَبَتُّلِه ودُعَائِهِ

- ‌(108) باب ترتيل القراءة والجهر بها في صلاة الليل وتطويلها

- ‌(109) باب استغراق الليل بالنوم من آثار الشيطان

- ‌(110) باب أفضل النوافل ما صُلِّي في البيت

- ‌(111) باب أَحَبُّ العمل إلى الله أَدوَمُهُ وإن قَلَّ، وكراهية التَّعَمُّقِ والتشديد

- ‌أبواب فضائل القرآن وما يتعلق بها

- ‌(112) باب الأمر بِتَعاهُدِ القرآن، وذَمِّ من فرط فيه حتى نسي

- ‌(113) باب تحسين الصوت بالقراءة والترجيع فيها

- ‌(114) باب إقراء النبي صلى الله عليه وسلم القرآن وتعليمه كيفية الأداء

- ‌(115) باب فضل تعلُّم القرآن وقراءته وفضل سورة البقرة وآل عمران

- ‌(116) باب فضل فاتحة الكتاب وآية الكرسي وخواتيم سورة البقرة

- ‌(117) باب فضل سورة الكهف، وتنزل السكينة عند قراءتها

- ‌(118) باب فضل قراءة {قُل هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ}

- ‌(119) باب فضل قراءة المعوذتين

- ‌(120) باب لا حسد إلا في اثنتين، ومن يرفع بالقرآن

- ‌(121) باب إنزال القرآن على سبعة أحرف

- ‌(122) باب قراءة سورتين في ركعة من النوافل

- ‌(123) باب الأوقات التي نهي عن الصلاة فيها

- ‌(124) باب في الركعتين بعد العصر

- ‌(125) باب الركوع بعد الغروب وقبل المغرب

- ‌(126) باب صلاة الخوف

- ‌(4) كتاب الجمعة

- ‌(1) باب فضل الغسل للجمعة وتأكيده، ومن اقتصر على الوضوء أجزأه

- ‌(2) باب فضل يوم الجمعة، والساعة التي فيه

- ‌(3) باب فضل التهجير للجمعة ووقتها

- ‌(4) باب الإنصات للخطبة وفضله

- ‌(5) باب الخطبة، والقيام لها، والجلوس بين الخطبتين، والإشارة باليد

- ‌(6) باب ما يقال في الخطبة ورفع الصوت بها

- ‌(7) باب ركوع من دخل والإمام يخطب، والتعليم في حالة الخطبة

- ‌(8) باب ما يُقرَأُ به في صلاة الجمعة، وفي صبح يومها

- ‌(9) باب ما جاء في التنفل بعد الجمعة

- ‌(10) باب التغليظ في ترك الجمعة

- ‌(5) أبواب صلاة العيدين

- ‌(1) باب الخروج إلى المصلى في العيدين، وخروج النساء

- ‌(2) باب لا صلاة قبل صلاة العيدين في المصلى، ولا أذان ولا إقامة

- ‌(3) باب الصلاة فيهما قبل الخطبة

- ‌(4) باب ما يقال في الخطبة

- ‌(5) باب ما يقرأ في صلاة العيدين

- ‌(6) باب الفرح واللعب في أيام الأعياد

- ‌(6) أبواب الاستسقاء

- ‌(1) باب الخروج إلى المصلى لصلاة الاستسقاء، وكيفية العمل فيها

- ‌(2) باب الدعاء في السُّقيَا في المسجد وبغير صلاة

- ‌(3) باب التبرك بالمطر، والفرح به، والتعوُّذ عند الريح والغيم

- ‌(7) أبواب كسوف الشمس والقمر

- ‌(1) باب الأمر بالصلاة والذكر والصدقة عند الكسوف

- ‌(2) باب كيفية العمل فيها، وأنها ركوعان في كل ركعة

- ‌(3) باب ما جاء أن في كل ركعة ثلاث ركعات

- ‌(4) باب ما جاء أن في كل ركعة أربع ركعات

- ‌(5) باب يطول سجودها كما يطول ركوعها

- ‌(6) باب ما جاء أن صلاة الكسوف ركعتان كسائر النوافل

- ‌(7) باب شهود النساء صلاة الكسوف

- ‌(8) كتاب الجنائز

- ‌(1) باب تلقين الموتى، وما يقال عند المصيبة، وعند حضور المرضى والموتى

- ‌(2) باب في إغماض الميت، والدعاء له

- ‌(3) باب ما جاء في البكاء على الميت، وعنده

- ‌(4) باب في عيادة المريض، والصبر عند الصدمة الأولى

- ‌(5) باب ما جاء أن الميت ليعذبُ ببكاءِ الحَيِّ عليه

- ‌(6) باب التشديد في النياحة، وما جاء في اتباع الجنائز

- ‌(7) باب الأمر بغسل الميت وكيفيته

- ‌(8) باب في تكفين الميت وتسجيته، والأمر بتحسين الكفن

- ‌(9) باب الإسراع بالجنازة، وفضل الصلاة عليها، واتباعها

- ‌(10) باب الاستشفاع للميت، وأن الثناء عليه شهادة له، وأنه مستريح ومستراح منه

- ‌(11) باب الأمر بالصلاة على الميت، وكيفية الصلاة عليه، وكم التكبيرات

- ‌(12) باب الدعاء للميت، وأين يقوم الإمام من المرأة

- ‌(13) باب ما جاء في الصلاة على القبر

- ‌(14) باب الأمر بالقيام للجنازة ونسخه

- ‌(15) باب ركوب المتبع للجنازة إذا انصرف منها

- ‌(16) باب في كيفية القبور وكراهية تجصيصها والبناء عليها، وهل يجعل في القبر شيء

- ‌(17) باب النهي عن الجلوس على القبور والصلاة إليها

- ‌(18) باب الصلاة على الميت في المسجد

- ‌(19) باب زيارة القبور والتسليم عليها، والدعاء والاستغفار للموتى

- ‌(20) باب من لا يصلى عليه

- ‌(21) باب النهي عن تمني الموت لضر نزل به

- ‌(22) باب من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه

الفصل: ‌(40) باب ابتناء مسجد النبي صلى الله عليه وسلم

قَالَ أَبُو هُرَيرَةَ: فَذَهَبَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَنتُم تَنتَثِلُونَهَا.

رواه أحمد (2/ 264 و 455)، والبخاري (6998)، ومسلم (523)(6)، والترمذي (1553)، والنسائي (6/ 3 - 4).

* * *

(40) باب ابتناء مسجد النبي صلى الله عليه وسلم

-

(524)

(9)[418]- عَن أَنَسِ بنِ مَالِكٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَدِمَ المَدِينَةَ فَنَزَلَ فِي عُلوِ المَدِينَةِ فِي حَيٍّ يُقَالُ لَهُم: بَنُو عَمرِو بنِ عَوفٍ، فَأَقَامَ فِيهِم أَربَعَ عَشرَةَ لَيلَةً، ثُمَّ إِنَّهُ أَرسَلَ إِلَى مَلأ بَنِي النَّجَّارِ فَجَاؤوا مُتَقَلِّدِينَ بِسُيُوفِهِم

ــ

ويتسع سلطانها، ويظهر دينها، ثم إنه وقع ذلك كذلك، فملكت أمته من الأرض ما لم تملكه أمة من الأمم فيما علمناه، فكان هذا الحديث من أدلة نبوته صلى الله عليه وسلم. ووجه مناسبة هذه الرؤيا: أن من ملك مفتاح المغلق فقد تمكّن من فتحه، ومن الاستيلاء على ما فيه.

وقوله: وأنتم تنتثلونها؛ أي: تستخرجون ما فيها من الكنوز والمنافع؛ من قولهم: نثل كنانته: إذا استخرج ما فيها من السهام، والله أعلم.

(40)

ومن باب: ابتناء مسجد النبي صلى الله عليه وسلم

الملأ: أشراف القوم وساداتهم. سُمّوا بذلك؛ لأنهم أَملِيَاء بالرأي والغِنَى. وبنو النجار ق يلة من الأنصار، وهم أخوال النبي صلى الله عليه وسلم، وذلك: أن هاشِمًا تزوج امرأة من بني النجار تُسَمَّى: سلمى بنت عمرو بن زيد بن عدي بن النّجار، فولدت له عبد المطلب بن هاشم، فمن هنا كانوا أخوال النبي صلى الله عليه وسلم.

ص: 120

قَالَ: فَكَأَنِّي أَنظُرُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى رَاحِلَتِهِ وَأَبُو بَكرٍ رِدفُهُ، وَمَلأُ بَنِي النَّجَّارِ حَولَهُ حَتَّى أَلقَى بِفِنَاءِ أَبِي أَيُّوبَ، قَالَ: فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي حَيثُ أَدرَكَتهُ الصَّلاةُ، وَيُصَلِّي فِي مَرَابِضِ الغَنَمِ، ثُمَّ إِنَّهُ أَمَرَ بِالمَسجِدِ، قَالَ: فَأَرسَلَ إِلَى مَلأ بَنِي النَّجَّارِ فَجَاؤوا، فَقَالَ: يَا بَنِي النَّجَّارِ! ثَامِنُونِي بِحَائِطِكُم هَذَا، قَالُوا: لا وَاللَّهِ! لا نَطلُبُ ثَمَنَهُ إِلَاّ إِلَى اللَّهِ عز وجل. قَالَ أَنَسٌ: فَكَانَ فِيهِ مَا أَقُولُ، كَانَ فِيهِ نَخلٌ وَقُبُورُ المُشرِكِينَ وَخِرَبٌ. فَأَمَرَ

ــ

وقوله: ثامنوني بحائطكم؛ أي: اطلبوا ثمنه، وبايعوني به. والحائط: بستان النخل.

فقالوا: لا والله ما نطلب ثمنه إلا لله عز وجل، وهذا ينص على أنهم لم يأخذوا منه ثمنًا، وإنما وهبوه للنبي صلى الله عليه وسلم. وقد ذكر محمد بن سعد في تاريخه الكبير عن الواقدي: أن النبي صلى الله عليه وسلم اشتراه من بني عَفراء (1) بعشرة دنانير دفعها عنه أبو بكر الصديق (2)، فإن صحّ هذا فلم يقبله النبي صلى الله عليه وسلم إلا بالثمن؛ لأنه كان ليتيمين، وفي هذا دليل على لزوم بناء المساجد في القرى التي يُستوطن بها؛ لأجل الجمعة، ولإظهار شعائر الإسلام.

وقوله: وكانت فيه نخل وقبور المشركين وخِرَب، رُوي بفتح الخاء وكسر الراء: جمع خَرِبة؛ مثل: كَلِمَة وكَلِم، وبكسر الخاء وفتح الراء: جمع خِربة بسكون الراء، لغتان فيما يخرب من البناء، والثانية لتميم، هذا هو الصحيح في الرواية والمعنى. وقد فسَّره حيث قال: وبالخِرَب فسُوِّيت. وقد استبعد الخطابي ذلك المعنى، وأخذ يقدِّر اللفظ تقديرات، فقال: لعل الصواب: خُرَب: جمع خُربة؛ وهي الخروق في الأرض، أو لعلَّها: جرف جمع: جِرَفَةٍ، وهي جمع

(1) في (م): عمرو. وفي وفاء الوفا (1/ 323): أنَّ الحائط كان ليتيمين هما سهل وسهيل ابني عمرو، وكانا في حجر ابن عفراء.

(2)

الطبقات الكبرى لابن سعد (1/ 239 - 240).

ص: 121

رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِالنَّخلِ فَقُطِعَ، وَبِقُبُورِ المُشرِكِينَ فَنُبِشَت، وَبِالخِرَبِ فَسُوِّيَت.

ــ

جرف. قال: وأبينُ منه إن ساعدت الرواية -: حَدَبٌ جمع حَدَبَةٌ؛ وهي ما ارتفع من الأرض. وهذا منه تكلّف لا يحتاج إليه مع صحة الرواية والمعنى كما قدّمناه، وفيه دليل على جواز قطع المثمر من الشجر إذا احتيج إليه؛ من نكاية في عدو، وإزالة ضرر، أو ما يخاف منه.

وقوله: وبقبور المشركين فنبشت؛ إنما نبش قبورهم؛ لأنهم لا حرمة لهم. فإن قيل: كيف جاز نبشهم وإخراجهم من قبورهم، والقبر مختص بمن دفن فيه، مُحَتبس عليه، قد حازه الميت، فلا يجوز بيعه، ولا نقله عنه؟ فالجواب من وجهين:

أحدهما: أن تلك القبور لم تكن أملاكًا لمن دفن فيها، بل لعلها غصب، ولذلك باعها مُلَاّكُها.

الثاني: على تسليم أنها حُبست، فذلك إنما يلزم في تحبيس المسلمين، أما تحبيس الكفار فلا؛ إذ لا يصح منهم التقرب إلى الله تعالى، لا يقال: فهذا العتق يلزمهم إذا رفعوا أيديهم عن المعتق، لأنا نقول في العتق: إنه أمر عظيم يتشوّف الشرع إليه ما لم يتشوّف للحبس ولا لغيره، ولأنه تعلق به حقٌّ لآدمي، فجرى ذلك مجرى هِباتهم وأعطياتهم اللازمة.

ويمكن أن يقال: دعت الحاجة والضرورة إلى النبش فجاز. وقد اختلف في نبش قبور الكفار لطلب مال، فكرهه مالك؛ لأنها مواضع سخط وعذاب؛ فلا تدخل، وقد قال عليه الصلاة والسلام: لا تدخلوا بيوت هؤلاء المعذبين، إلا أن تكونوا باكين أن يصيبكم ما أصابهم (1). فمن دخلها لطلب الدنيا كان بضد ذلك. وأجازه جماعة من أصحاب مالك محتجِّين بأن الصحابة نَبَشَت قبر أبي رِغَال،

(1) رواه أحمد (2/ 92)، والبخاري (4420)، ومسلم (2980) من حديث ابن عمر رضي الله عنهما.

ص: 122

قَالَ: فَصَفُّوا النَّخلَ قِبلَةً لَهُ، وَجَعَلُوا عِضَادَتَيهِ حِجَارَةً، قَالَ: فَكَانُوا يَرتَجِزُونَ وَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَعَهُم، وَهُم يَقُولُونَ:

ــ

واستخرجت منه قضيب الذهب الذي أعلمهم النبي صلى الله عليه وسلم أنه مدفون معه. واتخاذ النبي صلى الله عليه وسلم مسجده في تلك البقعة دليل على أن القبور إذا لم يبق منها ولا من الموتى فيها بقية (1) جازت الصلاة فيها.

واختلف العلماء في جواز الصلاة في المقابر جملة؛ فأجازه مالك وأكثر أصحابه - وإن كان القبر بين يديه -، وهو مذهب الحسن البصري والشافعي وآخرين. وروي أيضا عن مالك الكراهة، وبه قال أحمد، وإسحاق، وجماعة من السلف. وحكى العراقيون عن المذهب: كراهية الصلاة في القديمة دون الجديدة. وقد كره العلماء الصلاة في مقابر المشركين بكل حال، وعليه تأوّل أكثرهم النهي عن الصلاة في المقبرة؛ قالوا: لأنها حفرة من حفر النار، وسيأتي لهذا مزيد بيان إن شاء الله تعالى في الجنائز.

وفي بنائه صلى الله عليه وسلم مسجده بالجذوع والجريد دليل على ترك الزخرفة في المساجد والتأنق فيها، والإسراف. بل قد ورد عنه صلى الله عليه وسلم ما يقتضي النهي عن زخرفتها وتشييدها، فقال: ما أُمِرتُ بتشييد المساجد، قال: لتزخرفُنَّها كما زخرفت اليهود والنصارى (2).

وقوله: فكانوا يرتجزون ورسول الله صلى الله عليه وسلم معهم؛ اختلف أصحاب العَروض وعلم الشعر في أعاريض الرَّجَز هل هي من الشعر؟ والصحيح أنه من الشعر؛ لأن الشعر هو كلام موزون تُلتَزَم فيه قوافٍ، والرَّجَزُ كذلك. وأيضًا: فإن قريشًا لما اجتمعوا وتراؤوا فيما يقولون للناس عن النبي صلى الله عليه وسلم، فقال قائل: نقول: هو شاعر، فقالوا: والله لتكذبنّكم العربُ؛ قد عرفنا الشعر كلّه، هزجه، ورجزه، ومقبوضه، ومبسوطه، فذكروا الرجز من جملة أنواع الشعر، وإنما أخرجه من جنس الشعر من

(1) ساقط من (ع).

(2)

رواه البخاري تعليقًا (1/ 539)، وأبو داود (448).

ص: 123

اللَّهُمَّ إِنَّهُ لا خَيرَ إِلا خَيرُ الآخِرَه

فَانصُرِ الأَنصَارَ وَالمُهَاجِرَه

رواه أحمد (3/ 118 و 123)، والبخاري (1868)، ومسلم (524)(9)، وأبو داود (453)، والنسائي (2/ 40)، وابن ماجه (742).

* * *

ــ

أشكل عليه إنشاد النبي صلى الله عليه وسلم إياه، فقال: لو كان شعرًا لما علمه النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأن الله تعالى قال: {وَمَا عَلَّمنَاهُ الشِّعرَ} وهذا ليس بشيء؛ لأن من أنشد القليل من الشعر، أو قاله، أو تمثل به على الندور، لم يستحق به اسم الشاعر، ولا يقال فيه: إنه تعلم الشعر، ولا ينسب إليه، ولو كان ذلك للزم أن يقال على الناس كلهم: شعراء، ويعلمون الشعر؛ لأنهم لا يَخلَونَ أن يعرفوا كلامًا موزونًا مرتبطًا على أعاريض الشعر.

ثم قوله: كانوا يرتجزون ورسول الله صلى الله عليه وسلم معهم، ليس فيه دليل راجح على أن النبي صلى الله عليه وسلم كان المنشد، بل الظاهر منهم أنهم هم كانوا المرتجزين، وبحضرة النبي صلى الله عليه وسلم، فإن الواو للحال، ورسول: مبتدأ، ومعهم: الخبر. والجملة في موضع الحال، هذا الظاهر، ويحتمل أن يكون معطوفًا على المضمر في: يرتجزون، والله تعالى أعلم.

وهذا الحديث وشِبهُهُ يُستدلّ به على جواز إنشاد الشعر، والاستعانة بذلك على الأعمال والتنشيط.

ومن هنا أخذت الصوفية إباحة السماع، غير أنهم اليوم أفرطوا في ذلك، وتعدَّوا فيه الوجه الجائز، وتذرّعوا بذلك إلى استباحة المحرمات من أصناف الملاهي؛ كالشبابات، والطارات، والرقص، وغير ذلك. وهذه أفعال المُجَّان أهل البطالة والفسوق المُدخِلين في الشريعة ما ليس منها، أعاذنا الله من ذلك بمنه.

وقوله: كان يصلي في مرابض الغنم؛ حجة لمالك على طهارة بول ما يؤكل لحمه وروثه، وقد قدّمنا ذلك.

ص: 124