الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(2) باب فضل يوم الجمعة، والساعة التي فيه
[720]
- عَن أَبِي هُرَيرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم خَيرُ يَومٍ طَلَعَت عَلَيهِ الشَّمسُ يَومُ الجُمُعَةِ؛ فِيهِ خُلِقَ آدَمُ، وَفِيهِ أُدخِلَ الجَنَّةَ، وَفِيهِ أُخرِجَ مِنهَا، وَلا تَقُومُ السَّاعَةُ إِلا فِي يَومِ الجُمُعَةِ.
ــ
الغنم أفضل، ثم البقر، ثم الإبل؛ نظرًا إلى طيب لحومها، وإلى أن النبي صلى الله عليه وسلم ضحى بالغنم دائمًا. وإطلاق اسم الهدي على الدجاجة والبيضة مجاز، قصد به تمثيل مقدار أجور المبكِّرين للجمعة؛ لأن الهدي إنما هو من النعم؛ كما قال تعالى:{فَجَزَاءٌ مِثلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحكُمُ بِهِ ذَوَا عَدلٍ مِنكُم هَديًا بَالِغَ الكَعبَةِ} وإنما أطلق اسم الهدي على هذين؛ لمقابلته ما يُهدَى من الإبل والبقر والغنم. وقد جاء في الرواية الأخرى: قرَّب مكان أهدى، وهو لفظ ينطلق على الهدي وغيره.
(2)
ومن باب: فضل يوم الجمعة
قوله: خير يوم طلعت فيه الشمس يوم الجمعة: خيرٌ وشرٌ: يستعملان للمفاضلة ولغيرها، فإذا كانتا للمفاضلة؛ فأصلها: أخير وأشر؛ على وزن أفعل، وقد نطق بأصلها، فجاء عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: توافون يوم القيامة سبعين أمة أنتم أخيرهم (1). ثم أفعل إن قرنت بـ من كانت نكرة، ويستوي فيها المذكر والمؤنث، والواحد، والاثنان، والجمع، وإن لم تقرن بها لزم تعريفها بالإضافة، أو بالألف واللام، فإذا عرف بالألف واللام أُنِّث وثُنّي وجمع، وإن أضيف ساغ فيه الأمران، كما قال تعالى:{وَكَذَلِكَ جَعَلنَا فِي كُلِّ قَريَةٍ أَكَابِرَ مُجرِمِيهَا} وقال: وَلَتَجِدَنَّهُم أَحرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ. وأما
(1) رواه الدارمي (2/ 313) وفيه: ". . . أنتم آخرها" من حديث أبي هريرة.
رواه أحمد (2/ 401 و 486)، ومسلم (854)(18)، وأبو داود (1046)، والترمذي (488 و 491)، والنسائي (3/ 89 - 90).
ــ
إذا لم يكونا للمفاضلة؛ فهما من جملة الأسماء، كما قال تعالى:{إِن تَرَكَ خَيرًا} وقال: وَيَجعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيرًا كَثِيرًا، وهي في هذا الحديث للمفاضلة، غير أنها مضافة لنكرة موصوفة، ومعناها في هذا الحديث: أن يوم الجمعة أفضل من كل يوم طلعت شمسه.
ثم كون الجمعة أفضل الأيام لا يرجع ذلك إلى عين اليوم؛ لأن الأيام متساوية في أنفسها، وإنما يَفضُل بعضها بعضًا بما به من أمر زائد على نفسه. ويوم الجمعة قد خصّ من جنس العبادات بهذه الصلاة المعهودة التي يجتمع لها الناس، وتتفق هممهم ودواعيهم ودعواتهم فيها، ويكون حالهم فيها كحالهم في يوم عرفة، فيستجاب لبعضهم في بعض، ويغفر لبعضهم ببعض، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم: الجمعة حج المساكين (1)؛ أي: يحصل لهم فيها ما يحصل لأهل عرفة. والله أعلم. ثم إن الملائكة يشهدونهم، ويكتبون ثوابهم، ولذلك سُمّي هذا اليوم: المشهود، ثم تخطر فيه لقلوب العارفين من الألطاف والزيادات بحسب ما يدركونه من ذلك، ولذلك سُمّي: بيوم المزيد، ثم إن الله تعالى قد خصّه بالساعة التي فيه على ما يأتي ذكرها، ثم إن الله تعالى قد خصّه بأن أوقع فيه هذه الأمور العظيمة التي هي: خلق آدم الذي هو أصل البشر، ومن ولده الأنبياء والأولياء والصالحون، ومنها: إخراجه من الجنة الذي حصل عنده إظهار معرفة الله وعبادته في هذا النوع الآدمي. ومنها: توبة الله عليه التي بها ظهر لطفه تعالى ورحمته لهذا النوع الآدمي مع اجترامه (2) ومخالفته. ومنها: موته الذي بعده وُفِّي أجره، ووصل
(1) ذكره في كشف الخفاء (1076) وقال: رواه القضاعي عن ابن عباس، وفي سنده مقاتل: ضعيف.
(2)
"اجترم": كسب، واجترم الذنب: ارتكبه.
[721]
- وَعَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: نَحنُ الآخِرُونَ الأَوَّلُونَ يَومَ القِيَامَةِ، وَنَحنُ أَوَّلُ مَن يَدخُلُ الجَنَّةَ، بَيدَ أَنَّهُم أُوتُوا الكِتَابَ مِن قَبلِنَا، وَأُوتِينَاهُ مِن بَعدِهِم فَاختَلَفُوا فِيهِ، فَهَدَانَا الله لِمَا اختَلَفُوا فِيهِ مِنَ الحَقِّ، فَهَذَا
ــ
إلى مأمنه، ورجع إلى المستقرّ الذي خرح منه. ومن فهم (1) هذه المعاني، فَهِمَ فضيلة هذا اليوم وخصوصيته بذلك، فحافظ عليه وبادر إليه.
وقوله صلى الله عليه وسلم: نحن الآخرون الأولون، قد فسرته الرواية الأخرى التي قال فيها: نحن الآخرون من أهل الدنيا، والأولون يوم القيامة، المقضي لهم قبل الخلائق، وأول من يدخل الجنة. وهذا كلّه شرف لهذه الأمة بشرف نبيها، ولأنهم خير أمة أخرجت للناس.
وقوله: بيد أنهم أوتوا الكتاب من قبلنا: هكذا روينا هذا الحرف بيد بفتح الباء، وسكون الياء، وفتح الدال. قال أبو عبيد: تكون بيد بمعنى غير، وبمعنى على، وبمعنى: من أجل، وأنشد:
عَمدًا فَعَلتُ ذاكَ بَيدَ أنِّي
…
أخافُ (2) إن هَلَكتُ لم تُرِنِّي (3)
قال الليث: ويقال: مَيدَ وبَيدَ؛ بالباء والميم؛ بمعنى غير. قلت: ونصبه إذا كان بمعنى غير على الاستثناء، ويمكن أن يقال: إنه بمعنى مع، ويكون نصبه على الظرف الزماني.
وأُوتوا الكتاب: أُعطوه. والكتاب: التوراة، ويحتمل أن يريد به التوراة والإنجيل؛ بدليل: أنه قد ذكر بعد هذا اليهود والنصارى.
وقوله: فاختلفوا: يعني: في يوم الجمعة. وقد اختلف العلماء في كيفية
(1) في (ظ): جمع.
(2)
في اللسان: إخال.
(3)
"الرَّنَّةُ": الصيحة الحزينة.
يَومُهُمِ الَّذِي اختَلَفُوا فِيهِ، هَدَانَا الله لَهُ - قَالَ: يَومُ الجُمُعَةِ - فَاليَومَ لَنَا، وَغَدًا لِليَهُودِ، وَبَعدَ غَدٍ لِلنَّصَارَى.
ــ
ما وقع لهم من فريضة يوم الجمعة، فقالت طائفة: إن موسى أمرهم بيوم الجمعة، وعيَّنه لهم، وأخبرهم بفضيلته على غيره، فناظروه: أن السبت أفضل. فقال الله له: دعهم وما اختاروا لأنفسهم. ونقلوا هذا القول. ويؤيد هذا قول نبينا صلى الله عليه وسلم في بعض طرق هذا الحديث: وهذا يومهم الذي فُرض عليهم، ثم اختلفوا فيه (1).
وقيل: إن الله لم يعيِّنه لهم، وإنما أمرهم بتعظيم يوم في الجمعة، ووكل تعيينه إلى اختيارهم، فاختلف اجتهادهم في تعيينه، فعيَّنت اليهود السبت؛ لأن الله فرغ فيه من الخلق. وعيَّنت النصارى يوم الأحد؛ لأن الله تعالى بدأ فيه الخلق، فألزم كل واحد منهم ما أدّاه إليه اجتهاده، وعيَّنه الله لهذه الأمة من غير أن يَكِلَهم إلى اجتهادهم؛ فضلا منه ونعمة. ويدلّ على صحة هذا: قوله صلى الله عليه وسلم: فهذا يومهم الذي اختلفوا فيه؛ أي: في تعيينه: هدانا الله له؛ أي: بتعيينه لنا، لا باجتهادنا. وممَّا يؤيده: أنه لو عُيّن لهم فعاندوا فيه لما قيل: اختلفوا فيه، وإنما كان ينبغي أن يقال: فخالفوا فيه وعاندوا. وممّا يؤيده أيضًا قوله في الأم في بعض طرقه: أضل الله عن الجمعة من كان قبلنا (2).
وقوله: فاليوم لنا، وغَدا لليهود، وبعد غد للنصارى؛ أي: بعد إلزام المشروعية بالتعيين لنا، وبالاختيار لهم. وحقّ غد وبعد أن يكونا مرفوعين على المبتدأ، وخبراهما في المجرورين بعدهما، وقد قيَّدهما كذلك بعض من نعتمده. و (3) قيدناهما أيضًا بالنصب بناء على أنهما ظرفان غير متمكنين، والأول أولى؛ لأنهما قد أخبر عنهما هنا، فقد خرجا عن الظرفية. وقد جاء في رواية:
(1) انظر: صحيح مسلم رقم (855/ 21).
(2)
انظر: صحيح مسلم رقم (856/ 22).
(3)
ما بين حاصرتين سقط من (ع)، واستدرك من (هـ) و (ظ).
وَفِي رِوَايَةٍ: وَهَذَا يَومُهُمِ الَّذِي فرضَ الله عَلَيهِم، فَاختَلَفُوا فِيهِ، فَهَدَانَا الله لَهُ، فَهُم لَنَا فِيهِ تَبَعٌ، فَاليَهُودُ غَدًا وَالنَّصَارَى بَعدَ غَدٍ.
رواه أحمد (2/ 274)، والبخاري (876)، ومسلم (855)(19)، والنسائي (3/ 85 و 87).
[722]
- وَمِن حَدِيثِ حُذَيفَةَ نَحوهُ، قَالَ: نَحنُ الآخِرُونَ مِن أَهلِ الدُّنيَا، وَالأَوَّلُونَ يَومَ القِيَامَةِ، المَقضِيُّ لَهُم قَبلَ الخَلائِقِ.
وَفِي رِوَايَةٍ: المَقضِيُّ بَينَهُم.
رواه مسلم (856)(22)، والنسائي (3/ 87).
[723]
- وعَن أَبِي هُرَيرَةَ قَالَ: قَالَ أَبُو القَاسِمِ صلى الله عليه وسلم: إِنَّ فِي الجُمُعَةِ لَسَاعَةً، لا يُوَافِقُهَا عَبدٌ مُسلِمٌ قَائِمٌ يُصَلِّي يَسأَلُ الله خَيرًا إِلا أَعطَاهُ إِيَّاهُ. وَقَالَ بِيَدِهِ يُقَلِّلُهَا، يُزَهِّدُهَا.
ــ
فاليهود غدًا والنصارى بعد غدٍ منصوبين على الظرف، إلا أنهما متعلقان بمحذوف تقديره: فاليهود يعظمون غدًا، والنصارى بعد غد، وضمّ إلى ذلك: أن ظروف الزمان لا تكون أخبارًا عن الجثث (1).
وقوله: إن في الجمعة ساعة: اختلف في تعيينها، فذهبت طائفة من السلف: إلى أنها من بعد العصر إلى الغروب، وقالوا: إن معنى قوله صلى الله عليه وسلم: وهو قائم يصلي، أنه بمعنى: ملازم ومواظب على الدعاء. وذهب آخرون: إلى أنها فيما بين خروج الإمام إلى أن تُقضى الصلاة؛ كما في حديث أبي موسى. وذهب
(1) أي: الأشخاص.
وَفِي رِوَايَةٍ قَالَ: وَهِيَ سَاعَةٌ خَفِيفَةٌ.
رواه أحمد (2/ 401)، والبخاري (935)، ومسلم (852)(13 و 14 و 15)، والنسائي (3/ 115 - 116)، وابن ماجه (1137).
[724]
- وعَن أَبِي بُردَةَ بنِ أَبِي مُوسَى الأَشعَرِيِّ قَالَ: قَالَ لِي عَبدُ اللهِ بنُ عُمَر: أَسَمِعتَ أَبَاكَ يُحَدِّث عَن رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي شَأنِ سَاعَةِ الجُمُعَةِ؟ قَالَ: قُلتُ: نَعَم، سَمِعتُهُ يَقُولُ: سَمِعتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: هِيَ مَا بَينَ أَن يَجلِسَ الإِمَامُ إِلَى أَن تُقضَى الصَّلاةُ.
رواه مسلم (853)، وأبو داود (1049).
* * *
ــ
آخرون (1): إلى أنها وقت الصلاة نفسها. وقيل: من وقت الزوال إلى نحو الذراع، وقيل: من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس، وقيل: هي مخفيّة في اليوم كله؛ كليلة القدر. قلت: وحديث أبي موسى نصٌ في موضع الخلاف، فلا يلتفت إلى غيره. والله أعلم.
وقوله: وهي ساعة خفيفة؛ أي: قصيرة غير طويلة؛ كما قال في الرواية الأخرى: يُزهِّدها؛ أي: يقللها. وهذا يدل على أنها ليست من بعد العصر إلى غروب الشمس؛ لطول هذا الوقت.
* * *
(1) ما بين حاصرتين ساقط من (ع).