الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(115) باب فضل تعلُّم القرآن وقراءته وفضل سورة البقرة وآل عمران
[674]
- عَن عُقبَةَ بنِ عَامِرٍ قَالَ: خَرَجَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَنَحنُ فِي الصُّفَّةِ فَقَالَ: أَيُّكُم يُحِبُّ أَن يَغدُوَ كُلَّ يَومٍ إِلَى بُطحَانَ أَو العَقِيقِ فَيَأتِيَ مِنهُ بِنَاقَتَينِ كَومَاوَينِ فِي غَيرِ إِثمٍ وَلا قَطعِ رَحِمٍ؟ فَقُلنَا: يَا رَسُولَ اللهِ! كلنا نُحِبُّ ذَلِكَ. قَالَ: أَفَلا يَغدُو أَحَدُكُم إِلَى المَسجِدِ فَيَعلَمُ أَو يَقرَأُ آيَتَينِ مِن كِتَابِ الله عز وجل خَيرٌ لَهُ مِن نَاقَتَينِ، وَثَلاثٌ خَيرٌ لَهُ مِن ثَلاثٍ، وَأَربَعٌ خَيرٌ لَهُ مِن أَربَعٍ، وَمِن عدَادِهِنَّ مِنَ الإِبِلِ؟ ! .
رواه أحمد (4/ 154)، ومسلم (803)، وأبو داود (1456).
ــ
(115)
ومن باب: فضل تعليم القرآن
الصُّفة: سقيفة كانت في المسجد، يأوي إليها الفقراء. و: يغدو: يبكِّر. وبُطحان والعقيق: واديان بينهما وبين المدينة قريب من ثلاثة أميال أو نحوها، والكَومَاوَان: تثنية كَومَاء؛ وهي الناقة العظيمة السنام؛ كأنه كوم، وفي الأم من حديث أبي هريرة: ثلاث خلفات سمان (1)، وهن: النوق الحوامل إلى أن يمضي لها نصف أمدها، ثم تسمى عشراء، وجمعها: عشار.
ومقصود الحديث الترغيب في تعلم القرآن وتعليمه، وخاطبهم على ما تعارفوه، فإنهم أهل إبل، وإلَاّ فأقلّ جزء من ثواب القرآن وتعليمه خير من الدنيا
(1) رواه مسلم (802).
[675]
- وَعَن أَبِي أُمَامَةَ البَاهِلِيُّ قَالَ: سَمِعتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: اقرَؤوا القُرآنَ، فَإِنَّهُ يَأتِي يَومَ القِيَامَةِ شَفِيعًا لأَصحَابِهِ. اقرَؤوا الزَّهرَاوَينِ؛ البَقَرَةَ وَسُورَةَ آلِ عِمرَانَ، فَإِنَّهُمَا تأتِيَانِ يَومَ القِيَامَةِ كَأَنَّهُمَا غَمَامَتَانِ، أَو كَأَنَّهُمَا غَيَايَتَانِ، أَو كَأَنَّهُمَا فِرقَانِ مِن طَيرٍ صَوَافَّ، تُحَاجَّانِ عَن أَصحَابِهِمَا، اقرَؤوا سُورَةَ البَقَرَةِ فَإِنَّ أَخذَهَا بَرَكَةٌ، وَتَركَهَا حَسرَةٌ، وَلا يَستَطِيعُهَا البَطَلَةُ.
قَالَ مُعَاوِيَةُ: بَلَغَنِي أَنَّ البَطَلَةَ السَّحَرَةُ.
رواه أحمد (5/ 249 و 254)، ومسلم (804).
ــ
وما فيها، وقد قال صلى الله عليه وسلم: ولموضع سوط أحدكم من الجنة خير من الدنيا وما فيها (1).
وقوله: فإنه يأتي يوم القيامة شفيعًا: هذا على جهة التوسع في الإفهام، وتحقيقه: أنه يُشفع له بسببه؛ فإما الملائكة الذين كانوا يشاهدون تلاوته، أو من شاء الله - تعالى - ممن يُشَفِّعهم فيه بسببه، وهذه الشفاعة على تقدير أن يكون القارئ صاحب كبيرة في تخليصه من النار، وإن لم يكن عليه ذنوب؛ شُفع له في ترفيع درجاته في الجنة، أو في المسابقة إليها، أو في جميعهما، أو ما شاء الله منها، إذ كل ذلك بكرمه - تعالى - وتفضله.
وفي تسمية البقرة وآل عمران بالزهراوين وجهان:
أحدهما: أنهما النيرتان، مأخوذ من الزهر، والزَّهرة، والزُّهرة، فإما لهدايتهما قارئهما بما يزهر له من أنوارهما، وإما لما يترتب على قراءتهما من النور التام يوم القيامة. قلت: ويقع لي أنهما سميتا بذلك؛ لأنهما اشتركتا في تضمن اسم الله الأعظم؛ كما ذكر أبو داود من حديث أسماء بنت يزيد: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
(1) رواه الترمذي (3013) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
[676]
- وَعَن أَبِي مُوسَى الأَشعَرِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: مَثَلُ
ــ
اسم الله الأعظم في هاتين الآيتين: {وَإِلَهُكُم إِلَهٌ وَاحِدٌ لا إِلَهَ إِلا هُوَ الرَّحمَنُ الرَّحِيمُ} والتي في سورة آل عمران: {اللَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ الحَيُّ القَيُّومُ} (1) والله أعلم.
والغمام: السحاب المُلتَفّ، وهي: الغياية إذا كانت قريبًا من الرأس، والظُّلَّةُ أيضًا، وقد جاءت هذه الألفاط الثلاثة في هذا الحديث، وفي حديث النوَّاس. ومعنى هذا الحديث: أن صاحب هاتين السورتين في ظل ثوابهما يوم القيامة؛ كما قال: سبعة يظلهم الله في ظله (2)، وقال: الرجل في ظل صدقته حتى يُقضى بين الناس (3). وعبّر عن هذا المعنى بتلك العبارة توسعًا واستعارة؛ إذ كان ذلك بسببهما. وفِرقان: قطيعان، وهما: الحِزقان. والحِزق، والحَزِيقة: الجماعة، وهي رواية السمرقندي في حديث النوّاس، وجمهور الرواة قالوا: فرقان مثل ما في حديث أبي أمامة. وصواف: مُصطَفَّة. وتحاجّان: تقومان بحجّة قارئهما وتجادلان عنه؛ كما قال صلى الله عليه وسلم في سورة تبارك: تجادل عن صاحبها (4). وهذه المجادلة إن حملت على ظاهرها؛ فيخلق الله - تعالى - من يجادل بها عنه ملائكة؛ كما قد جاء في بعض هذا الحديث: أن من قرأ: {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ} ؛ خلق الله سبعين ملكًا يستغفرون له إلى يوم القيامة (5).
(1) رواه أبو داود (1496)، والترمذي (3472)، وابن ماجه (3855).
(2)
رواه البخاري (660)، ومسلم (1031) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(3)
رواه أحمد (4/ 147 و 148)، وابن خزيمة (2431)، وابن حبان (3310)، والحاكم (1/ 416) من حديث عقبة بن عامر رضي الله عنه.
(4)
رواه مالك في الموطأ (1/ 209).
(5)
رواه أبو نعيم كما في (تنزيه الشريعة 1/ 298) من حديث أنس، وفيه مجاشع بن عمرو، أحد الكذابين. انظر:(ميزان الاعتدال 3/ 436).
المُؤمِنِ الَّذِي يَقرَأُ القُرآنَ كمَثَلُ الأُترُجَّةِ، رِيحُهَا طَيِّبٌ وَطَعمُهَا طَيِّبٌ. وَمَثَلُ المُؤمِنِ الَّذِي لا يَقرَأُ القُرآنَ مَثَلُ التَّمرَةِ، لا رِيحَ لَهَا وَطَعمُهَا حُلوٌ. وَمَثَلُ المُنَافِقِ الَّذِي يَقرَأُ القُرآنَ كمَثَلُ الرَّيحَانَةِ، رِيحُهَا طَيِّبٌ وَطَعمُهَا مُرٌّ. وَمَثَلُ المُنَافِقِ الَّذِي لا يَقرَأُ القُرآنَ كَمَثَلِ الحَنظَلَةِ، لَيسَ لَهَا رِيحٌ وَطَعمُهَا مُرٌّ.
وَفِي رِوَايَةٍ: الفَاجِرِ بَدَلَ: المُنَافِقِ.
رواه أحمد (4/ 403 و 404)، والبخاري (5020)، ومسلم (797)، وأبو داود (4830)، والترمذي (2865)، والنسائي (8/ 124 - 125)، وابن ماجه (214).
[677]
- وَعَنِ النَّوَاس بنِ سِمعَان الكِلابِيَّ قَالَ: سَمِعتُ النَّبِيَ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: يُؤتَى بِالقُرآنِ يَومَ القِيَامَةِ وَأَهلِهِ الَّذِينَ كَانُوا يَعمَلُونَ بِهِ، تَقدُمُهُ سُورَةُ البَقَرَةِ وَآلُ عِمرَانَ. وَضَرَبَ لَهُمَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم ثَلاثَةَ أَمثَالٍ. مَا نَسِيتُهُنَّ بَعدُ، قَالَ: كَأَنَّهُمَا غَمَامَتَانِ أَو ظُلَّتَانِ سَودَاوَانِ،
ــ
وإن حملت على تأويلها؛ فيكون معنى ذلك: أن الله - تعالى - يوصله إلى ثواب قراءتهما، ولا ينقص منه شيء؛ كما يفعل من يستخرج حقه، ويجادل عليه؛ كما قال: والقرآن حجة لك أو عليك (1).
وقوله في حديث النوّاس: كأنهما غمامتان، أو ظُلَّتان سوداوان، أو كأنهما حزَقان: هذا يدل على أن أو ليست للشك؛ لأنه مثل السورتين بالثلاثة الأمثال، فيحتمل أن يكون أو بمعنى الواو؛ كما يقول الكوفيون، وأنشدوا عليه:
(1) رواه مسلم (223)، والترمذي (3517)، والنسائي (5/ 5)، وابن ماجه (280)، من حديث أبي مالك رضي الله عنه.
بَينَهُمَا شَرقٌ، أَو كَأَنَّهُمَا حزقَانِ مِن طَيرٍ صَوَافَّ، تُحَاجَّانِ عَن صَاحِبِهِمَا.
رواه أحمد (4/ 183)، ومسلم (805)، والترمذي (2886).
* * *
ــ
نال الخلافَة أو كانت له قَدَرًا
…
كما أتى ربَّه موسى على قَدَرِ
وأنشدوا:
وقد زعمت (1) ليلى بأني فاجر
…
لنفسي تُقاها أو عليها فُجورُها
وقالوه في قوله - تعالى -: {أَو كَصَيِّبٍ مِنَ السَّمَاءِ فِيهِ} وقال البصريون: إنها بمعنى الإباحة، فكأنه قال: شبهوهم بكذا وبكذا، وهذا الخلاف جارٍ في هذا الحديث؛ لأنها أمثال معطوفة بأو، فهي مثل:{أَو كَصَيِّبٍ}
وقوله: بينهما شَرق، قال القاضي أبو الفضل عياض: رويناه بكسر الراء وفتحها، قيل: وهو الضياء والنور. قلت: والأشبه: أن الشرق بالسكون، بمعنى المشرق، يعني: أن بين تلك الظلتين السوداوين مشارق أنوار، وبالفتح: هو الضياء نفسه، وإنما نبّه في هذا الحديث على هذا الضياء؛ لأنه لما قال: سوداوان؛ قد يتوهم أنهما مظلمتان، فنفى ذلك بقوله: بينهما شرق؛ أي: مشارق أنوار، أو أنوار، حسب ما قررناه، ويعني بكونهما سوداوين: أى من كثافتهما التي بسببهما حالتا بين من تحتهما وبين حرارة الشمس وشدة اللهب. والله أعلم.
(1) في (هـ) و (ط): علمت.