الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(8) باب في تكفين الميت وتسجيته، والأمر بتحسين الكفن
[808]
- عَن خَبَّابِ بنِ الأَرَتِّ قَالَ: هَاجَرنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي سَبِيلِ اللهِ نَبتَغِي وَجهَ اللهِ، فَوَجَبَ أَجرُنَا عَلَى اللهِ، فَمِنَّا مَن مَضَى لَم يَأكُل مِن أَجرِهِ شَيئًا، مِنهُم مُصعَبُ بنُ عُمَيرٍ قُتِلَ يَومَ أُحُدٍ فَلَم يُوجَد لَهُ شَيءٌ
ــ
لا أعلم أحدًا قال بوجوب الغسل منه. وقال إسحاق: أما الوضوء فلا بد منه - ونحوه قال أحمد.
وهذه البنت التي ماتت للنبي صلى الله عليه وسلم هي زينب على ما جاء في الأم (1)، وقيل: هي أم كلثوم - على ما جاء في كتاب أبي داود من حديث ليلى بنت قَانِف الثقفية (2).
(8)
ومن باب: تكفين الميت
قول خباب فوجَب أجرنا على الله؛ أي: بما وعد به من هاجر بقوله الصدق ووعده الحق، لا بالعقل؛ إذ لا يجب على الله شيء عقلا ولا وضعًا.
وقوله فمنا من مضى لم يأكل من أجره شيئًا؛ أي: منا من مات على الحال التي هاجر عليها من الفقر ومجانبة زهرة الدنيا وطيباتها، فذلك الذي سلم له أجر عمله كله، فرأى أن نيل طيبات الدنيا ينقص من ثواب الأعمال الصالحة فيها.
(1) صحيح مسلم (939/ 40).
(2)
سنن أبي داود (3157).
يُكَفَّنُ فِيهِ إِلا نَمِرَةٌ، فَكُنَّا إِذَا وَضَعنَاهَا عَلَى رَأسِهِ خَرَجَت رِجلاهُ، وَإِذَا وَضَعنَاهَا عَلَى رِجلَيهِ خَرَجَ رَأسُهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: ضَعُوهَا مِمَّا يَلِي رَأسَهُ، وَاجعَلُوا عَلَى رِجلَيهِ من الإِذخِر. وَمِنَّا مَن أَينَعَت لَهُ ثَمَرَتُهُ فَهوَ يَهدِبُهَا.
رواه البخاري (1276)، ومسلم (940)، وأبو داود (2876)، والترمذي (3852)، والنسائي (4/ 38).
ــ
وقد قال في البخاري في هذا الحديث: لقد خشيت أن تكون عجلت لنا طيباتُنا في حياتنا الدنيا (1).
وقوله ومنا من أينعت له ثمرته فهو يهدبها؛ أي أدركت ونضُجت، يقال: يَنع الثمر وأينع إذا أدرك طيبه، ومنه قوله تعالى:{وَيَنعِهِ} ويهدبها؛ أي: يجتنيها ويقطفها، يقال منه: هَدَب، يهدُب، ويهدِب، هَدبًا. والنَّمِرَة: كساءٌ ملمعٌ، وقيل أسود.
وقد يُستدَلُّ بهذا الحديث على أن الكفن من رأس المال، وهو قول عامّة علماء الأمة إلا ما حُكي عن طاووس أنه من الثلث إن كان المال قليلا، وإلا ما حُكي عن بعض السلف أنه من الثلث على الإطلاق، ولم يتابعا على هاتين المقالتين.
وفيه: أن الكفن إذا ضاق عن الميت كان تغطية وجهه ورأسه أولى؛ إكرامًا للوجه وسترًا لما يظهر عليه من تغيُّر محاسنه، وإن ضاق عن الوجه والعورة بدئ بستر العورة.
وتكفين الميت المسلم واجب عند العلماء، فإن كان له مال فمن رأس ماله على ما تقدّم، وإن لم يكن له مال فمن بيت المال أو على جماعة المسلمين.
واختلف أصحابنا؛ هل يلزم ذلك من كان تلزمه نفقته في حياته أم لا؟ والوتر في الكفن مستحب عند كافة العلماء، وكلهم مجمعون على أنه ليس فيه حدٌّ واجب.
(1) رواه البخاري (1274).
[809]
- وَعَن عَائِشَةَ قَالَت: كُفِّنَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي ثَلاثَةِ أَثوَابٍ بِيضٍ سَحُولِيَّةٍ مِن كُرسُفٍ، لَيسَ فِيهَا قَمِيصٌ وَلا عِمَامَةٌ، أَمَّا الحُلَّةُ فَإِنَّمَا شُبِّهَ عَلَى النَّاسِ فِيهَا أَنَّهَا اشتُرِيَت لَهُ لِيُكَفَّنَ فِيهَا، فَتُرِكَتِ الحُلَّةُ وَكُفِّنَ فِي
ــ
وقولها كُفن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثلاثة أثواب بيض سَحُوليَّة يدلّ على استحباب البياض في الكفن، وقد قال صلى الله عليه وسلم: إن من خير ثيابكم البياض، فكفنوا فيها موتاكم (1). والكفن في غيره جائز، ومن أطلق عليه أنه مكروه فمعناه أن البياض أولى. واختلف قول مالك في المُعَصفَر؛ فمرَّةً كرهه لأنه مصبوغ يُتَجمَّل به، وليس بموضع تجمُّل، وأجازه أخرى لأنه من الطيب ولكثرة لباس العرب له. وسحولية: روايتنا فيه بفتح السين، وهي منسوبة إلى سَحول قرية باليمن. وفي الصحاح: السَّحل الثوب الأبيض من الكرسف من ثياب اليمن، ويُجمع سُحُول وسُحُل، قال: ويقال سَحول موضع باليمن، والسحولية منسوبة إليه. وقد كره مالك وعامة العلماء التكفين في ثياب الحرير للرجال والنساء، وأجازه ابن حبيب للنساء خاصة (2).
وقولها ليس فيها قميص ولا عمامة حمله الشافعيّ على أن ذلك ليس بموجود في الكفن، فلا يُقَمَّص. وحمله مالك على أنه ليس بمعدود فيه وأن العمامة والقميص زائدان على الثلاثة الأثواب. ويحتمل إن كانا موجودين، ولم يعدَّهما الراوي، فيقمّص ويُعمَّم. وهو قول مُتقدِّمِي أصحابه؛ ابن القاسم وغيره، وهو قول أبي حنيفة. وحكى ابن القصار أن القميص والعمامة غير مستحبين عند مالك، ونحوه عن ابن القاسم، وعلى هذا فيدرج في الثلاثة الأثواب إدراجًا.
وقولها أما الحُلَّة فإنّما شُبِّه على الناس فيها، قال الخليل: الحلَّة
(1) رواه أحمد (2/ 240).
(2)
ما بين حاصرتين ساقط من (ع).
ثَلاثَةِ أَثوَابٍ بِيضٍ سَحُولِيَّةٍ، فَأَخَذَهَا عَبدُ اللهِ بنُ أَبِي بَكرٍ فَقَالَ: لأحبِسَنَّهَا حَتَّى أُكَفِّنَ فِيهَا نَفسِي! ثُمَّ قَالَ: لَو رَضِيَهَا اللهُ لِنَبِيِّهِ لَكَفَّنَهُ فِيهَا! فَبَاعَهَا وَتَصَدَّقَ بِثَمَنِهَا.
رواه أحمد (6/ 40 و 231)، والبخاري (1271)، ومسلم (941)، وأبو داود (3151)، والترمذي (969)، والنسائي (4/ 35)، وابن ماجه (1469).
[810]
- وَعَنهَا قَالَت: سُجِّيَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم حِينَ مَاتَ بِثَوبِ حِبَرَةٍ.
رواه أحمد (6/ 153 و 269)، والبخاري (5814)، ومسلم (942)، وأبو داود (3120).
ــ
ضرب من برود اليمن. وقال أبو عبيد: هي برود اليمن. والحلة إزار ورداء، لا تسمَّى حُلَّةً حتى يكونا ثوبين.
وقولها سُجِّيَ رسول الله صلى الله عليه وسلم بثوب حِبَرَة، سُجِّي أي غطي، والتسجية مما مضى بها العمل، وهي سترة الميَّت لما أصابه من التغير.
والحِبَرَة من برود اليمن.
وقولها في الأم: أدرج في حلَّة يمنية، ثم نزعت عنه (1) - تعني: وبعد ذلك كُفن في الثلاثة الأثواب، اختلف الرواة في هذا اللفظ؛ فعند العذري يمنيَّة، وعند الصدفي يمانيَة، وكلاهما منسوب إلى اليمن. وعند الفارسي حلَّةٌ يَمنَةُ بتنوين حلّة ورفع يَمنَة وإسكان الميم وفتح النون، ويقال بحذف التنوين من
(1) الحديث في صحيح مسلم رقم (941/ 46).
[811]
- وَعَن جَابِرَ بنَ عَبدِ اللهِ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم خَطَبَ يَومًا فَذَكَرَ رَجُلا مِن أَصحَابِهِ قُبِضَ فَكُفِّنَ فِي كَفَنٍ غَيرِ طَائِلٍ وَقُبِرَ لَيلا، فَزَجَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَن يُقبَرَ الرَّجُلُ بِاللَّيلِ حَتَّى يُصَلَّى عَلَيهِ، إِلا أَن يُضطَرَّ إِنسَانٌ إِلَى
ــ
حلّة وإضافتها.
واختلف في القميص الذي غُسِّل فيه النبي صلى الله عليه وسلم الذي نُهوا عن نزعه (1)؛ فقال بعض العلماء: إنه نُزع عنه حين كُفِّن وسُتِر بالأكفان؛ لأنه كان مبلولا، ولا يتفق تكفينه فيه كذلك. قد ذكر أبو داود عن ابن عباس: كُفن النبي صلى الله عليه وسلم في ثلاثة أثواب نجرانية (2)؛ الحلَّة - ثوبان، وقميصه الذي مات فيه (3). وهذا مخالف لحديث عانشة رضي الله عنها المتقدم، وقد نصَّت على أنه لم يكفن في الحلَّة.
وقولها ليس فيها قميص ولا عمامة محتمل لما ذكرناه، والله أعلم.
وقوله في كفن غير طائل؛ أي لا خطر له ولا قيمة، أو لا سترَ فيه ولا كفاية، أو لا نظافة له ولا نقاوة.
وقوله زجر النبي صلى الله عليه وسلم أن يقبر الرجل بالليل أخذ به الحسن، فكره أن يقبر الرجل بالليل إلا لضرورة. وذهب الجمهور إلى جواز ذلك، وكأنهم رأوا أن ذلك النهي خاصٌّ بذلك الرجل لئلا تفوته صلاة النبي صلى الله عليه وسلم. وقيل: يمكن أن يقصدوا بدفنه بالليل ستر إساءة ذلك الكفن الغير طائل. قال الشيخ رحمه الله: وهذه التأويلات فيها بُعد، ولا تصلح لدفع ذلك الظاهر؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم إنما صدر عنه النهي المطلق بعد دفن الرجل بالليل، فقد تناول النهي غيره قطعًا؛ فتأمّله!
ويمكن أن يعضد مذهب الحسن بأنه إن قبر ليلا قلّ المصلُّون عليه؛ لأن عادة
(1) انظر: البداية والنهاية (5/ 260) طبعة المعارف، بيروت. وأبو داود (3141)، والموطأ: جنائز: 27.
(2)
من سنن أبي داود.
(3)
رواه أبو داود (3153).