الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(57) باب كم يسلم من الصلاة، وبأي شيء كان يعرف انقضاء صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم
-؟
[470]
- عَن أَبِي مَعمَرٍ، أَنَّ أَمِيرًا كَانَ بِمَكَّةَ يُسَلِّمُ تَسلِيمَتَينِ، فَقَالَ عبد الله: أَنَّى عَلِقَهَا؟ ! إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَفعَلُهُ.
رواه مسلم (581)(117).
ــ
الساعدي الذي خرّجه البخاري (1)، فإنه قال: وإذا جلس في الركعتين جلس على رجله اليسرى، ونصب الأخرى، وإذا جلس في الركعة الآخرة قدّم رجله اليسرى، ونصب اليمنى، وقعد على مقعدته. وقال أبو داود (2): إذا جلس في الركعة الرابعة أفضى بوركه إلى الأرض، وأخرج قدميه من ناحية واحدة، والتمسك بهذا الحديث أولى؛ فإنه نصٌّ في موضع الخلاف.
(57)
ومن باب: كم يسلم من الصلاة
قوله: إن أميرًا كان بمكة يسلّم تسليمتين؛ هذا الأمير هو فيما أحسب: الحارث بن حاطب الجمحي، وهو - والله أعلم - الذي ذَكر أبو داود: أن أمير مكة خطب فقال: عهد إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ننسك لرؤيته، فإن لم نره، وشهد به شاهدا عدلٍ، نسكنا بشهادتهما، والله أعلم.
وقول عبد الله بن مسعود: أنَّى عَلِقَها
…
؛ أي: كيف حفظها، وأصله من علاقة الحب. وهذا الاستبعاد من ابن مسعود يدل على أن عمل الناس كان على
(1) رواه البخاري (828).
(2)
رواه أبو داود (957).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
تسليمة واحدة. وقد اختلف العلماء في ذلك في حق الإمام والمأموم والمنفرد. فذهب الجمهور إلى أن الفرض في حقهم تسليمة واحدة، وذهب أحمد بن حنبل وبعض أهل الظاهر إلى أن فرضهم اثنتان. قال الداودي: وأجمع العلماء على أن من سلّم واحدة فقد تَمّت صلاته. وعلى هذا فالذي ذُكر عن أحمد وأهل الظاهر محمول على أن التسليمة الثانية فرض ليست بشرط، فَيَعصي من تركها، ويقع التحلل بدونها. فإذا تنزَّلنا على قول من قال: إن الفرض واحدة، فهل يختار زيادة عليها لجميعهم، أو فيه تفصيل؟ اختلف فيه، فذهب الشافعي ومالك في غير المشهور عنه: أنه يستحب للجمع تسليمتان، وذهب مالك في المشهور عنه: إلى أن الإمام والمنفرد يقتصران على تسليمة واحدة، ولا يزيدان عليها. وأما المأموم فيسلم ثانية، يردّ بها على الإمام، فإن كان عن يساره من سلّم عليه، فهل ينوي بالثانية الرد على الإمام وعليه، أو يسلم ثلاثًا ينوي بهما الردّ على من سلم عليه ممن على يساره؟ قولان. ثم إذا قلنا بالثالثة فهل يبدأ بعد الأولى بالإمام، أو ممن على يساره، أو هو مخير؟ ثلاثة أقوال. وسبب الخلاف: اختلاف الأحاديث؛ وذلك أن في حديث ابن مسعود وسعد بن أبي وقاص: أنه صلى الله عليه وسلم كان يسلّم تسليمتين (1). قال النسائي في حديث ابن مسعود: حتى نرى بياض خده الأيمن، وبياض خده الأيسر. وفي حديث عائشة (2) وسمرة بن جندب (3): كان يسلم تسليمة واحدة تلقاء وجهه، يميل إلى الشق الأيمن شيئًا. وأحاديث التسليمتين أصح، وأحاديث التسليمة الواحدة عمل عليها أبو بكر وعمر. ولم ير مالك في السلام من الصلاة زيادة: ورحمة الله وبركاته تمسكًا بلفظ التسليم، ورأى ذلك الشافعي تمسكًا بحديث وائل بن حجر؛ قال: صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم، فكان يسلم عن
(1) رواه أبو داود (2338) من حديث حسين بن الحارث الجدلي.
(2)
رواه الترمذي (296)، وابن ماجه (919).
(3)
رواه أبو داود (975).
[471]
- وَعَن عَامِرِ بنِ سَعدٍ، عَن أَبِيه قَالَ: كُنتُ أَرَى رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُسَلِّمُ عَن يَمِينِهِ وعَن يَسَارِهِ حَتَّى أَرَى بَيَاضَ خَدِّهِ.
ــ
يمينه: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته (1).
وفي حديث ابن مسعود: السلام عليكم ورحمة الله (2) - فقط -. ومعنى قول مالك - والله أعلم -: بأن التحلل يقع بالاقتصار على لفظ التسليم، ولا يَشترِط في ذلك زيادة. ثم هل يشترط في السلام لفظ معين، فلا يجزئ غيره، أو يجزئ (3) كل ما كان مأخوذًا من لفظ السلام؟ وبالأول قال مالك تمسكًا بقوله صلى الله عليه وسلم: تحريم الصلاة التكبير، وتحليلها التسليم (4)، والألف واللام حوالة على معهودِ سلامِه صلى الله عليه وسلم. وكل من روى سلامه عيَّن لفظه، فقال: السلام عليكم، وبالثاني قال الشافعي تمسكًا بلفظ التسليم، وحملا له على عموم ما يشتق منه، وبإطلاق قول الراوي: إنه صلى الله عليه وسلم كان يسلم. وكل ما ذكرنا من أصول السلام وفروعه إنما هو على مذهب من يرى: أنه لا يتحلل من الصلاة إلا بالسلام. [وهم الجمهور](5). وقد ذهب أبو حنيفة والثوري والأوزاعي إلى أنه ليس من فروضها، وأنه سنة، وأنه يتحلل منها بكل فعل أو قول ينافيها. وذهب الطبري إلى التخيير في ذلك، والأحاديث المتقدمة كلها ترد عليهم، والله أعلم.
وقول سعد: كنت أرى رسول الله صلى الله عليه وسلم يسلم عن يمينه وعن يساره حتى أرى بياض خده هذا حكم الإمام والمنفرد على قول من يقول: إنهما يسلمان اثنتين. وأما من قال: يسلم واحدة، فحقه أن يبدأ قبالة وجهه ويتيامن، كما روي
(1) رواه أبو داود (997).
(2)
رواه أبو داود (996)، والترمذي (295)، والنسائي (3/ 63).
(3)
في (ع): يجوز.
(4)
رواه أحمد (1/ 123 و 129)، وأبو داود (61)، والترمذي (3) من حديث علي رضي الله عنه.
(5)
في (م) وهو مذهب الجمهور.
رواه أحمد (1/ 182)، ومسلم (582)، والنسائي (3/ 61)، وابن ماجه (915).
[472]
- وَعَنِ ابنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كُنَّا نَعرِفُ انقِضَاءَ صَلاةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِالتَّكبِيرِ.
رواه البخاري (842)، ومسلم (583)(120)، وأبو داود (1003)، والنسائي (3/ 67).
[473]
- وَعَنهُ: إِنَّ رَفعَ الصَّوتِ بِالذِّكرِ حِينَ يَنصَرِفُ النَّاسُ مِنَ المَكتُوبَةِ، كَانَ عَلَى عَهدِ النبي صلى الله عليه وسلم. قَالَ: كُنتُ أَعلَمُ إِذَا انصَرَفُوا بِذَلِكَ، إِذَا سَمِعتُهُ.
رواه البخاري (841)، ومسلم (583)، (122)، وأبو داود (1002).
* * *
ــ
في حديث عائشة وسمرة، وقد ذكرناهما، وذكرنا الاختلاف في المأموم.
وقول ابن عباس: كنا نعرف انقضاء صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم بالتكبير؛ قال الطبري: فيه الإبانة عن صحة فعل من كان يفعل ذلك من الأمراء؛ يكبر بعد صلاته ويكبر من وراءه. قال غيره: ولم أر أحدًا من الفقهاء قال بهذا؛ إلا ما ذكره ابن حبيب في الواضحة (1) أنهم كانوا يستحبون التكبير في العساكر والبعوث إثر صلاة الصبح والعشاء، تكبيرًا عاليًا، ثلاث مرات، وهو قديم من شأن الناس. وعن مالك: أنه مُحدَث.
وقوله: كنت أعلم إذا انصرفوا بذلك إذا سمعته هذا يدل على أن ابن عباس لم يكن يحضر معهم، وهذا كان لصغره يومئذ، أو لعذر آخر، والله أعلم.
(1) هو كتاب: "الواضحة في الفقه" لعبد الملك بن حبيب المالكي القرطبي (ت 239 هـ).