الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَفِي رِوَايَةٍ: أَسأَلُ الله لَنَا وَلَكُم العَافِيَةَ.
رواه أحمد (6/ 221)، ومسلم (974) 103 و (975)، والنسائي (7/ 72 - 73)، وابن ماجه (1546) مختصرًا.
* * *
(20) باب من لا يصلى عليه
[843]
- عن جَابِرِ بنِ سَمُرَةَ قَالَ: أُتِيَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِرَجُلٍ قَتَلَ نَفسَهُ بِمَشَاقِصَ فَلَم يُصَلِّ عَلَيهِ.
رواه مسلم (978)، والترمذي (1068)، والنسائي (4/ 66).
ــ
مخرمة - هذا الرجل هو عبد الله بن أبي مُلَيكَة على ما قاله النسائي وأبو نعيم الجرجاني وأبو بكر وأبو عبد الله الجيزي. وقال الدارقطني: هو عبد الله بن كثير بن المطلب بن أبي ودَاعَة السهمي.
(20)
ومن باب: من لا يصلّى عليه
قوله قتل نفسه بمشاقص، هكذا صحيح الرواية فيه، وهو جمع مشقص وهو السكين على الخلاف الذي ذكرناه في كتاب الإيمان، وقد رواه الطبري بمشقاص بألف، وليس بشيء، وصوابه مشقص.
ولعل هذا القاتل لنفسه كان مستحلا لقتل نفسه فمات كافرًا فلم يصل عليه لذلك، وأما المسلم القاتل لنفسه فيصلّى عليه عند كافة العلماء، وكذلك المقتول
[844]
- وَعَنِ ابنِ عُمَرَ قَالَ: لَمَّا تُوُفِّيَ عَبدُ اللهِ بنُ أُبَيٍّ ابن سَلُولَ جَاءَ ابنُهُ عبد الله بنُ عبد الله إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَسَأَلَهُ أَن يُعطِيَهُ قَمِيصَهُ
ــ
في حدٍّ أو قصاص، ومرتكب الكبائر وولد الزنى، غير أن أهل الفضل يجتنبون الصلاة على المبتدعة والبغاة وأصحاب الكبائر ردّعًا لأمثالهم. ويجتنب الإمام خاصة الصلاة على من قتله في حدّ، وحُكي عن بعض السلف خلافٌ في بعض صور؛ فعن الزهري: لا يصلّى على المرجوم، ويصلّى على المقتول في قود. وقال أحمد: لا يصلّي الإمام على قاتل نفس ولا غالّ. وقال أبو حنيفة: لا يصلّى على محارب، ولا على من قُتل من الفئة الباغية. وقال الشافعي: لا يصلّى على من ترك الصلاة إذا قتل، ويصلّى على من سواه. وعن الحسن: لا يصلّى على النفساء تموت من زنى، ولا على ولدها - وقاله قتادة في ولد الزنى. وعن بعض السلف خلاف في الصلاة على الطفل الصغير لما جاء أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يصل على إبراهيم ابنه (1)، وقد جاء عنه أنه صلّى عليه (2)، ذكر الحديثين أبو داود، وقد علل ترك الصلاة عليه بعلل ضعيفة أشبهها أنه لم يصل عليه هو بنفسه لشغله بكسوف الشمس، وصلّى عليه غيره، والله أعلم.
واختلفوا في الصلاة على السّقط؛ فذهب بعض السلف وفقهاء المحدِّثين إلى الصلاة عليه، والجمهور على أنه لا يصلّى عليه حتى يستهل صارخًا أو تُعرف حياته. وقال بعض السلف: يصلى عليه متى نُفخ فيه الروح وتمت له أربعة أشهر. وأما المقتول في معترك العدوّ فلا يُغَسَّل ولا يُصلَّى عليه عند مالك، ويفعل ذلك به عند غيره، وفرَّق أبو حنيفة بين الغسل والصلاة فأثبتها وأسقطه، واختلف أصحابنا لو كان الشهيد جنبًا هل يُغسّل أم لا؟ قولان.
وعبد الله بن أبيّ ابن سلول هو عبد الله بن أبي بن مالك، وسلول: أم
(1) رواه أبو داود (3187) من حديث عائشة رضي الله عنها.
(2)
رواه أبو داود (3188).
يُكَفِّنَ فِيهِ أَبَاهُ، فَأَعطَاهُ، ثُمَّ سَأَلَهُ أَن يُصَلِّيَ عَلَيهِ، فَقَامَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم لِيُصَلِّيَ عَلَيهِ، فَقَامَ عُمَرُ وَأَخَذَ بِثَوبِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَتُصَلِّي عَلَيهِ وَقَد نَهَاكَ اللهُ أَن تُصَلِّيَ عَلَيهِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: إِنَّمَا خَيَّرَنِي اللهُ
ــ
أبيّ، فتارة ينسب أبيّ إليها وتارة إلى أبيه مالك، وكان عبد الله هذا سيد الخزرج في آخر جاهليتهم، فلما ظهر النبي صلى الله عليه وسلم وانصرف الخزرج وغيرهم إليه حسده عبد الله وناصبه العداوة، غير أن الإسلام غلبه فنافق، وكان رأسًا في المنافقين، وهو أعظمهم نفاقًا وأشدهم كفرًا، وكان المنافقون خلقًا كثيرًا، حتى لقد روي عن ابن عباس أنهم كانوا ثلاثمائة رجل ومائة وسبعين امرأة، وكان لعبد الله هذا ولد اسمه عبد الله هو من فضلاء أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن أصدقهم إسلامًا وأكثرهم عبادة وأشرحهم صدرًا رضي الله عنه، وكان أبرَّ الناس بأبيه هذا، ومع ذلك؛ فقال يومًا لرسول الله صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله! إنك لتعلم أني من أبرِّ الناس بأبي، ولكن إن أمرتني أن آتيك برأسه فعلت! فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: بل نعفو عنه (1). فكان من أحرص الناس على إسلام أبيه وعلى أن ينتفع أبوه من بركات رسول الله صلى الله عليه وسلم بشيء، ولذلك لما مات سأل ابنُه النبيَّ صلى الله عليه وسلم أن يعطيه قميصه ليكفنه فيه لينال من بركة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأعطاه رسول الله صلى الله عليه وسلم قميصه، وسأله أن يصلي عليه فصلّى عليه، كل ذلك إكرام لابنه وإسعاف له في طلبته (2). وقد روي أيضًا أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما أعطاه قميصه لأن عبد الله كان قد أعطى العباس عم النبي صلى الله عليه وسلم يوم بدر قميصًا، وذلك أن العباس أُسر يوم بدر وسلب، فمرَّ به عبد الله فأعطاه قميصه، فكافأه النبي صلى الله عليه وسلم بذلك.
وقول عمر رضي الله عنه في هذا الحديث أتصلي عليه وقد نهاك الله أن تصلّي عليه؟ يحتمل أن يقال: كان هذا قبل نزول قوله تعالى: {وَلا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ
(1) ذكره ابن هشام في السيرة (2/ 293). وانظر: فتح الباري (8/ 650).
(2)
حديث صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم على ابن أبي بن سلول، وَرَدَ في صحيح مسلم برقم (2400/ 25).
فَقَالَ: {استَغفِر لَهُم أَو لا تَستَغفِر لَهُم إِن تَستَغفِر لَهُم سَبعِينَ مَرَّةً} وَسَأَزِيدُ عَلَى سَبعِينَ. قَالَ: إِنَّهُ مُنَافِقٌ! فَصَلَّى عَلَيهِ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَأَنزَلَ اللهُ عز وجل: وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنهُم مَاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُم عَلَى قَبرِهِ.
ــ
مِنهُم مَاتَ أَبَدًا} ويظهر من هذا المساق أن عمر رضي الله عنه وقع له في خاطره أن الله نهاه عن الصلاة عليه قبل نزول الآية، ويكون هذا من قبيل الإلهام والتحديث (1) الذي شهد له به النبي صلى الله عليه وسلم، ويحتمل أن يكون فهم ذلك من سياق قوله تعالى:{استَغفِر لَهُم أَو لا تَستَغفِر لَهُم} وهذان التأويلان فيهما بُعد، والذي يظهر لي - والله تعالى أعلم - أن البخاري ذكر هذا الحديث من رواية ابن عباس وساقه سياقةً هي أتقن من هذه، وليس فيها هذا اللفظ، فقال عنه عن عمر: لما مات عبد الله بن أُبي ابن سلول دعي له رسول الله صلى الله عليه وسلم ليصلّي عليه، فلما قام رسول الله صلى الله عليه وسلم قال عمر: وثبتُ إليه فقلت: يا رسول الله، أتصلي على ابن أُبيّ وقد قال يوم كذا كذا وكذا؟ أعدِّد عليه. قال: فتبسّم رسولُ الله صلى الله عليه وسلم وقال: أخِّر عني. فلما أكثرتُ عليه قال: إني خُيِّرت فاخترت، لو أنّي أعلم أنّي إن زدت على السبعين يغفر له لزدت عليها. قال: فصلّى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم انصرف، فلم يمكث إلا يسيرًا حتى نزلت الآيتان من براءة: وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنهُم مَاتَ أَبَدًا. قال: فعجبت بعد من جرأتي على رسول الله صلى الله عليه وسلم (2). والله ورسوله أعلم.
قلت: وهذا مساق حسن وترتيب متقن، ليس فيه شيء من الإشكال المتقدّم، فهو الأولى.
وقوله صلى الله عليه وسلم سأزيد على السبعين وعد بالزيادة، وهو مخالف لما في
(1) رواه البخاري (4671).
(2)
رواه البخاري (4676)، ومسلم (24)، والنسائي (4/ 90 و 91) من حديث المسيب بن حزن رضي الله عنه.
وَفِي رِوَايَةٍ: فَتَرَكَ الصَّلاةَ عَلَيهِم.
رواه البخاري (4670)، ومسلم (2400)، والنسائي (4/ 67 - 68).
* * *
ــ
حديث ابن عباس فإن فيه: لو أعلم أني إن زدت على السبعين غُفر له لزدت - وهذا تقييد لذلك الوعد المطلق، والأحاديث يفسّر بعضها بعضًا ويقيد بعضها ببعض، وقد قلنا: إن هذا الحديث أولى. وتخصيص الله تعالى العدد بالسبعين على جهة الإغياء، وعلى عادة العرب في استعمالهم هذا العدد في البعد والإغياء، فإذا قال قائلهم لا أكلمه سبعين سنة صار عندهم بمنزلة قولهم لا أكلمه أبدًا، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم: لو أعلم أني إذا زدت غفر له لزدت - فقد علم أنه لا يغفر له، وقد قيل له في موضع آخر:{سَوَاءٌ عَلَيهِم أَستَغفَرتَ لَهُم أَم لَم تَستَغفِر لَهُم لَن يَغفِرَ اللَّهُ لَهُم}
وقوله صلى الله عليه وسلم إني خيّرت مشكل مع قوله تعالى: {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَن يَستَغفِرُوا لِلمُشرِكِينَ وَلَو كَانُوا أُولِي قُربَى} الآية، وقد تقدم أنّ هذه الآية نزلت بعد موت أبي طالب حين قال صلى الله عليه وسلم: والله لأستغفرنَّ لك ما لم أُنهَ عنك - وهذا يفهم منه النهي عن الاستغفار لمن مات كافرًا، وهو متقدم على الآية التي فهم منها التخيير. والجواب عن الإشكال أن المنهي عنه في هذه الآية استغفار مرجوّ الإجابة حتى يكون مقصوده تحصيل المغفرة لهم كما فعل بأبي طالب، فإنه إنما استغفر له كما استغفر إبراهيم - صلوات الله عليه وسلامه - لأبيه على جهة أن يجيبهما الله تعالى فيغفر للمدعوّ لهما، وفي هذا الاستغفار استأذن النبي صلى الله عليه وسلم ربه في أن يأذن له فيه لأمّه فلم يُؤذن له فيه، وهذا النوع هو الذي تناوله منع الله تعالى ونهيه، وأما الاستغفار لأولئك المنافقين الذي خيّر فيه فهو استغفار