المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(89) باب ما جاء في حكم قصر الصلاة في السفر - المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم - جـ ٢

[أبو العباس القرطبي]

فهرس الكتاب

- ‌(3) كتاب الصلاة

- ‌(1) باب ما جاء في الأذان والإقامة

- ‌(2) باب الأذان أمان من الغارة، وما جاء في اتخاذ مُؤذِّنَينِ

- ‌(3) باب إذا سَمِعَ المؤذن قال مثل ما قال، وفضل ذلك، وما يقول بعد الأذان

- ‌(4) باب فضل الأذان وما يُصيب الشيطان عنده

- ‌(5) باب رفع اليدين في الصلاة، ومتى يرفعهما؟ وإلى أين

- ‌(6) باب التكبير في الصلاة

- ‌(7) باب ما جاء في القراءة في الصلاة وبيان أركانها

- ‌(8) باب ترك قراءة بِسمِ اللَّهِ الرَّحمَنِ الرَّحِيمِ في الصلاة

- ‌(9) باب حجة من قال: البسملة آية من أول كل سورة سوى براءة

- ‌(10) باب التَّشَهُّد في الصلاة

- ‌(11) باب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌(12) باب التَّحمِيد والتَّأمِين

- ‌(13) باب إنما جُعِلَ الإمام لِيُؤتَمَّ به

- ‌(14) باب استخلاف الإمام إذا مرض، وجواز ائتمام القائم بالقاعد

- ‌(15) باب العمل القليل في الصلاة لا يضرها

- ‌(16) باب إذا نَابَ الإمامَ شيءٌ فَليُسَبِّح الرجالُ وَليُصَفِّق النساءُ

- ‌(17) باب الأمر بتحسين الصلاة، والنهي عن مسابقة الإمام

- ‌(18) باب النهي عن رفع الرأس قبل الإمام، وعن رفع البصر إلى السماء في الصلاة، والأمر بالسكون فيها

- ‌(19) باب الأمر بتسوية الصفوف، ومن يلي الإمام

- ‌(20) باب في صفوف النساء وخروجهن إلى المساجد

- ‌(21) باب في قوله تعالى: {وَلا تَجهَر بِصَلاتِكَ وَلا تُخَافِت بِهَا}

- ‌(22) باب القراءة في الظهر والعصر

- ‌(23) باب القراءة في الصبح

- ‌(24) باب القراءة في المغرب والعشاء

- ‌(25) باب أمر الأئمة بالتخفيف في تمام

- ‌(26) باب في اعتدال الصلاة وتقارب أركانها

- ‌(27) باب اتباع الإمام والعمل بعده

- ‌(28) باب ما يقول إذا رفع رأسه من الركوع

- ‌(29) باب النهي عن القراءة في الركوع والسجود

- ‌(30) باب ما يقال في الركوع والسجود

- ‌(31) باب الترغيب في كثرة السجود، وعلى كم يسجد؟ وفيمن صلى معقوص الشعر

- ‌(32) باب كيفية السجود

- ‌(33) باب تحريمُ الصلاةِ التكبيرُ، وتحليلُها التسليمُ

- ‌(34) باب في سترة المصلي وأحكامها

- ‌(35) باب مَنع المصلي مَن مَرَّ بين يديه، والتَّغليِظ في المرور بين يدي المصلي

- ‌(36) باب دنو المصلي من سترته وما جاء فيما يقطع الصلاة

- ‌(37) باب اعتراض المرأة بين يدي المصلي لا يقطع الصلاة

- ‌(38) باب الصلاة بالثوب الواحد على الحصير

- ‌(39) باب أول مسجد وضع في الأرض، وما جاء أن الأرض كلها مسجد

- ‌(40) باب ابتناء مسجد النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌(41) باب تحويل القبلة من الشام إلى الكعبة، والنهي عن بناء المساجد على القبور وعن التصاوير فيها

- ‌(42) باب ثواب من بَنَى للهِ مسجدًا

- ‌(43) باب التطبيق في الركوع وما ثبت من نسخه

- ‌(44) باب [جواز الإقعاء على العقبين]

- ‌(45) باب نسخ الكلام في الصلاة

- ‌(46) باب جواز الإشارة بالسلام في الصلاة، ولعن الشيطان

- ‌(47) باب جواز حمل الصغير في الصلاة، وجواز التقدم والتأخر، ومن صلى على موضع أرفع من موضع المأموم

- ‌(48) باب النهي عن الاختصار في الصلاة، وما يجوز من مس الحصى فيها، وما جاء في البصاق في المسجد

- ‌(49) باب الصلاة في النعلين والثوب المعلم وبحضرة الطعام

- ‌(50) باب النهي عن إتيان المساجد لمن أكل الثوم أو البصل، وإخراج من وُجد منه ريحها من المسجد

- ‌(51) باب النهي عن أن تنشد الضالَّة في المسجد

- ‌(52) باب الأمر بسجود السهو، وما جاء فيمن سها عن الجلسة الوسطى

- ‌(53) باب فيمن لم يّدرِ كم صلى

- ‌(54) باب فيمن سلَّم من اثنتين أو ثلاث

- ‌(55) باب ما جاء في سجود القرآن

- ‌(56) باب كيفية الجلوس للتشهد

- ‌(57) باب كم يسلم من الصلاة، وبأي شيء كان يعرف انقضاء صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌(58) باب الاستعاذة في الصلاة من عذاب القبر وغيره

- ‌(59) باب قدر ما يقعد الإمام بعد السلام وما يقال بعده

- ‌(60) باب السكوت بين التكبير والقراءة في الركعة الأولى وما يقال فيه

- ‌(61) باب فضل التحميد في الصلاة

- ‌(62) باب إتيان الصلاة بالسكينة، ومتى تقام؟ ومتى يقام لها؟ وإتمام المسبوق

- ‌(63) باب من أدرك ركعة من فعل الصلاة أو وقتها فقد أدركها

- ‌(64) باب إذا ذكر الإمام أنه مُحدِث خرج فأمرهم بانتظاره

- ‌(65) باب أَوقَات الصَّلَوَاتِ

- ‌(66) باب الإبراد بالظهر في شدة الحر

- ‌(67) باب تعجيل الظهر بعد الإبراد وفي زمن البرد

- ‌(68) باب تعجيل صلاة العصر

- ‌(69) باب ما جاء في الصلاة الوسطى

- ‌(70) باب من فاتته صلوات كيف يقضيها

- ‌(71) باب المحافظة على الصبح والعصر

- ‌(72) باب تعجيل صلاة المغرب

- ‌(73) باب تأخير العشاء الآخرة

- ‌(74) باب التغليس بصلاة الصبح

- ‌(75) باب المنع من إخراج الصلاة عن وقتها

- ‌(76) باب صلاة الفذ جائزة، والجماعة أفضل

- ‌(77) باب التغليظ في التخلف عن الجماعة والجمعة

- ‌(78) باب النهي عن الخروج من المسجد بعد الأذان، وفضل العشاء والصبح في جماعة

- ‌(79) باب الرخصة في التخلف عن الجماعة للعذر

- ‌(80) باب صلاة النفل في جماعة، والصلاة على البسط وإن عتقت وامتهنت

- ‌(81) باب فضل انتظار الصلاة في المسجد

- ‌(82) باب من كانت داره عن المسجد أبعد كان ثوابه في إتيانه أكثر

- ‌(83) باب المشي إلى الصلاة تمحى به الخطايا وترفع به الدرجات

- ‌(84) باب الجلوس في المصلى بعد صلاة الصبح

- ‌(85) باب في الإمامة، ومن أحق بها

- ‌(86) باب ما جاء في القنوت والدعاء للمُعَيَّنِ وعليه في الصلاة

- ‌(87) باب من نام عن صلاة أو نسيها

- ‌(88) باب من نام عن صلاة الصبح حتى طلعت الشمس فله أن يؤذن إذا كان في جماعة، ويصلي ركعتي الفجر

- ‌(89) باب ما جاء في حكم قَصرِ الصلاة في السفر

- ‌(90) باب من أين يبدأ بالقصر إذا خرج من وطنه، واستمراره على القصر ما لم ينو إقامة

- ‌(91) باب قَصر الصلاة بِمنىً

- ‌(92) باب جواز التخلف عن صلاة الجماعة والجمعة لعذر المطر

- ‌(93) باب التنفل والوتر على الراحلة في السفر

- ‌(94) باب الجمع بين الصلاتين في السفر والحضر

- ‌(95) باب الانصراف من الصلاة عن اليمين والشمال

- ‌(96) باب إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة

- ‌(97) باب ما يقول عند دخول المسجد، والأمر بِتحيَّتِهِ

- ‌(98) باب في صلاة الضحى

- ‌(99) باب الوصية بالضحى وأقله ركعتان

- ‌(100) باب ما جاء في ركعتي الفجر

- ‌(101) باب رواتب الفرائض وفضلها

- ‌(102) باب في صلاة النفل قائمًا وقاعدًا

- ‌(103) باب كيف صلاة الليل وكم عددها

- ‌(104) باب في صلاة الوتر

- ‌(105) باب فيمن غلب عن حزبه، وفيمن خاف أن يغلب عن وتره، وفضل طول القنوت وآخر الليل

- ‌(106) باب الترغيب في قيام رمضان وليلة القدر وكيفية القيام

- ‌(107) باب في كيفية صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم بالليل، وتَبَتُّلِه ودُعَائِهِ

- ‌(108) باب ترتيل القراءة والجهر بها في صلاة الليل وتطويلها

- ‌(109) باب استغراق الليل بالنوم من آثار الشيطان

- ‌(110) باب أفضل النوافل ما صُلِّي في البيت

- ‌(111) باب أَحَبُّ العمل إلى الله أَدوَمُهُ وإن قَلَّ، وكراهية التَّعَمُّقِ والتشديد

- ‌أبواب فضائل القرآن وما يتعلق بها

- ‌(112) باب الأمر بِتَعاهُدِ القرآن، وذَمِّ من فرط فيه حتى نسي

- ‌(113) باب تحسين الصوت بالقراءة والترجيع فيها

- ‌(114) باب إقراء النبي صلى الله عليه وسلم القرآن وتعليمه كيفية الأداء

- ‌(115) باب فضل تعلُّم القرآن وقراءته وفضل سورة البقرة وآل عمران

- ‌(116) باب فضل فاتحة الكتاب وآية الكرسي وخواتيم سورة البقرة

- ‌(117) باب فضل سورة الكهف، وتنزل السكينة عند قراءتها

- ‌(118) باب فضل قراءة {قُل هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ}

- ‌(119) باب فضل قراءة المعوذتين

- ‌(120) باب لا حسد إلا في اثنتين، ومن يرفع بالقرآن

- ‌(121) باب إنزال القرآن على سبعة أحرف

- ‌(122) باب قراءة سورتين في ركعة من النوافل

- ‌(123) باب الأوقات التي نهي عن الصلاة فيها

- ‌(124) باب في الركعتين بعد العصر

- ‌(125) باب الركوع بعد الغروب وقبل المغرب

- ‌(126) باب صلاة الخوف

- ‌(4) كتاب الجمعة

- ‌(1) باب فضل الغسل للجمعة وتأكيده، ومن اقتصر على الوضوء أجزأه

- ‌(2) باب فضل يوم الجمعة، والساعة التي فيه

- ‌(3) باب فضل التهجير للجمعة ووقتها

- ‌(4) باب الإنصات للخطبة وفضله

- ‌(5) باب الخطبة، والقيام لها، والجلوس بين الخطبتين، والإشارة باليد

- ‌(6) باب ما يقال في الخطبة ورفع الصوت بها

- ‌(7) باب ركوع من دخل والإمام يخطب، والتعليم في حالة الخطبة

- ‌(8) باب ما يُقرَأُ به في صلاة الجمعة، وفي صبح يومها

- ‌(9) باب ما جاء في التنفل بعد الجمعة

- ‌(10) باب التغليظ في ترك الجمعة

- ‌(5) أبواب صلاة العيدين

- ‌(1) باب الخروج إلى المصلى في العيدين، وخروج النساء

- ‌(2) باب لا صلاة قبل صلاة العيدين في المصلى، ولا أذان ولا إقامة

- ‌(3) باب الصلاة فيهما قبل الخطبة

- ‌(4) باب ما يقال في الخطبة

- ‌(5) باب ما يقرأ في صلاة العيدين

- ‌(6) باب الفرح واللعب في أيام الأعياد

- ‌(6) أبواب الاستسقاء

- ‌(1) باب الخروج إلى المصلى لصلاة الاستسقاء، وكيفية العمل فيها

- ‌(2) باب الدعاء في السُّقيَا في المسجد وبغير صلاة

- ‌(3) باب التبرك بالمطر، والفرح به، والتعوُّذ عند الريح والغيم

- ‌(7) أبواب كسوف الشمس والقمر

- ‌(1) باب الأمر بالصلاة والذكر والصدقة عند الكسوف

- ‌(2) باب كيفية العمل فيها، وأنها ركوعان في كل ركعة

- ‌(3) باب ما جاء أن في كل ركعة ثلاث ركعات

- ‌(4) باب ما جاء أن في كل ركعة أربع ركعات

- ‌(5) باب يطول سجودها كما يطول ركوعها

- ‌(6) باب ما جاء أن صلاة الكسوف ركعتان كسائر النوافل

- ‌(7) باب شهود النساء صلاة الكسوف

- ‌(8) كتاب الجنائز

- ‌(1) باب تلقين الموتى، وما يقال عند المصيبة، وعند حضور المرضى والموتى

- ‌(2) باب في إغماض الميت، والدعاء له

- ‌(3) باب ما جاء في البكاء على الميت، وعنده

- ‌(4) باب في عيادة المريض، والصبر عند الصدمة الأولى

- ‌(5) باب ما جاء أن الميت ليعذبُ ببكاءِ الحَيِّ عليه

- ‌(6) باب التشديد في النياحة، وما جاء في اتباع الجنائز

- ‌(7) باب الأمر بغسل الميت وكيفيته

- ‌(8) باب في تكفين الميت وتسجيته، والأمر بتحسين الكفن

- ‌(9) باب الإسراع بالجنازة، وفضل الصلاة عليها، واتباعها

- ‌(10) باب الاستشفاع للميت، وأن الثناء عليه شهادة له، وأنه مستريح ومستراح منه

- ‌(11) باب الأمر بالصلاة على الميت، وكيفية الصلاة عليه، وكم التكبيرات

- ‌(12) باب الدعاء للميت، وأين يقوم الإمام من المرأة

- ‌(13) باب ما جاء في الصلاة على القبر

- ‌(14) باب الأمر بالقيام للجنازة ونسخه

- ‌(15) باب ركوب المتبع للجنازة إذا انصرف منها

- ‌(16) باب في كيفية القبور وكراهية تجصيصها والبناء عليها، وهل يجعل في القبر شيء

- ‌(17) باب النهي عن الجلوس على القبور والصلاة إليها

- ‌(18) باب الصلاة على الميت في المسجد

- ‌(19) باب زيارة القبور والتسليم عليها، والدعاء والاستغفار للموتى

- ‌(20) باب من لا يصلى عليه

- ‌(21) باب النهي عن تمني الموت لضر نزل به

- ‌(22) باب من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه

الفصل: ‌(89) باب ما جاء في حكم قصر الصلاة في السفر

(89) باب ما جاء في حكم قَصرِ الصلاة في السفر

(685)

(1 و 3)[568 م]- عَن عُروَةَ، عَن عَائِشَةَ قَالَت: فَرَضَ الله الصَّلاةَ - حِينَ فَرَضَهَا - رَكعَتَينِ، ثُمَّ أَتَمَّهَا فِي الحَضَرِ، وَأُقِرَّت صَلاةُ السَّفَرِ عَلَى الفَرِيضَةِ الأُولَى.

ــ

(89)

ومن باب: حكم قصر الصلاة في السفر

قول عائشة رضي الله عنها فرض الله الصلاة - حين فرضها - ركعتين ركعتين (1). . .، الحديث مخالف لفعلها؛ فإنها كانت تتم في السفر، ومخالف لما قاله غيرها من الصحابة رضي الله عنهم كعمر وابن عباس وجبير بن مطعم؛ فإنهم قالوا: إن الصلاة فرضت في الحضر أربعًا وفي السفر ركعتين - كما رواه مسلم عن ابن عباس (2). ويخالف أيضًا ظاهر الكتاب في قوله تعالى: {فَلَيسَ عَلَيكُم جُنَاحٌ أَن تَقصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ إِن خِفتُم أَن يَفتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا} مع قوله صلى الله عليه وسلم وقد سئل عن ذلك فقال: صدقة تصدق الله بها عليكم فاقبلوا صدقته، كما يأتي في حديث يعلى (3). وقد رام بعض المتأخرين الجمع بين حديث عائشة وبين حديث

(1) في مسلم والتلخيص: ركعتين، والتكرار في مسند أحمد.

(2)

انظر: التلخيص (569).

(3)

انظر: التلخيص (570).

ص: 323

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

ابن عباس فقال: يحمل حديث عائشة على أول الأمر، وحديث ابن عباس على الذي استقرّ عليه الفرضان، وهو تحكُّم، مع أنه بقي عليه العذر عن مخالفتها هي وعن معارضة ظاهر الكتاب.

ثم نقول: لو كان الأمر على ما ذكرته عائشة لاستحال عادةً أن تنفرد بنقل ذلك عائشة، فإنه حكم يعمّ الناس كلهم فيشيع، وتنقله الكافة من الصحابة والعدد الكثير منهم، ولم يُسمع ذلك قطّ من غيرها من الصحابة فلا مُعَوَّل عليه، والله أعلم.

فإن قيل: فلعل ذلك كان في أول مشروعية الصلاة ولم يستمرّ ذلك الحكم، فلا يلزم الإشاعة! قلنا: ذلك باطل؛ لأن عائشة رضي الله عنها لعلها لم تكن موجودة في ذلك الوقت، فإن أول مشروعية الصلاة إنما كانت حين الإسراء، وقد ذكرنا وقت ذلك في كتاب الإيمان، وإن كانت موجودة إذ ذاك فلم تكن ممن يميز ولا يعقل لصغرها.

واختلف في حكم القصر في السفر؛ فروي عن جماعة أنه فرض، وهو قول عمر بن عبد العزيز والكوفيين وإسماعيل القاضي. وحكى ابن الجهم أن أشهب روى عن مالك أن القصر فرض، ومشهور مذهب مالك وجُلّ أصحابه وأكثر العلماء من السلف والخلف أن القصر سنة، وهو قول الشافعي. ومذهب عامة البغداديين من أصحابنا أن الفرضَ التخييرُ، وهو قول أصحاب الشافعي. ثم اختلف أصحاب التخيير في أيهما أفضل؟ فقال بعضهم: القصر أفضل، وهو قول الأبهري (1) من أصحابنا وأكثرهم، وقيل: إن الإتمام أفضل، ويحكى عن الشافعي.

(1) هو الإمام القاضي المحدِّث شيخ المالكية: أبو بكر، محمد بن عبد الله بن محمد التميمي الأبهري، توفي عام (357 هـ). (سير أعلام النبلاء 16/ 332).

ص: 324

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وسبب الخلاف اختلاف الأحاديث في ذلك كما سيأتي، وقد تأول القائلون بأن القصر ليس بفرض حديث عائشة وحديث ابن عباس أن الفرض (1) فيهما بمعنى التقدير، وهو أصله في اللغة، فيكون معناه أن الله تعالى قدَّر صلاة المسافر بركعتين عددًا كما قدَّر صلاة الحضر أربع ركعات على ما في حديث ابن عباس، وعلى أي وجه يكون هذا التقدير على حكم الوجوب أو السنة؟ ذلك يؤخذ من دليلٍ آخر، وقد دلت أدلة كثيرة على أنه ليس بواجب؛ منها حديث عمر حيث قال صلى الله عليه وسلم: صدقة تصدق الله بها عليكم، فاقبلوا صدقته. وقد روى النسائي من حديث عائشة - وهو صحيح - أن عائشة اعتمرت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من المدينة إلى مكة، قالت: قلت: يا رسول الله، بأبي أنت وأمي، قصَرتَ وأتممتُ، وأفطرتَ وصمتُ! فقال: أحسنت يا عائشة! وما عابه عليَّ (2). وهكذا قيدته بفتح التاء الأولى وضم الثانية في الكلمتين، وكذلك دلّ قوله تعالى:{فَلَيسَ عَلَيكُم جُنَاحٌ أَن تَقصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ} فإذا تقرر أنه ليس بواجب، فهل هو سنة أم لا؟ قلنا: هو سنة، دلّ عليه مداومته صلى الله عليه وسلم على القصر واستمرار عمل الخلفاء على ذلك وأكثر الصحابة.

ثم اختلفوا في السفر الذي تقصر فيه الصلاة؛ فذهب عامة العلماء إلى جوازه في كل سفر مباح ومنعِه في سفر المعصية - وهو قول مالك والشافعي والطبري وأصحابهم. وذهب أبو حنيفة وأصحابه والثوري إلى جوازه في كل سفر طاعةً كان أو معصيةً، وهو رواية شاذة عن مالك. وذهب داود إلى أنه لا يجوز إلا في سفر الحج والعمرة والغزو لا في غيرها، وروي ذلك عن ابن مسعود. واختُلف عن أحمد بن حنبل؛ فمرة قال بقول مالك، ومرة قال: لا يقصر إلا في

(1) فىِ (ع) و (م) و (ط): القصر، والتصحيح من (ظ) وإكمال إكمال المعلم (2/ 345).

(2)

رواه النسائي (3/ 122).

ص: 325

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

حج أو عمرة. وقال عطاء: لا يقصر إلا في سبيل من سبل الله، والصحيح المذهب الأول؛ لأن القصر إنما شرع تخفيفًا عن المسافر للمشقّات اللاحقة فيه ومعونة له على ما هو بصدده مما يجوز، وكل الأسفار في ذلك سواء، وأما سفر المعصية فلا يترخص فيه بالقصر ولا بالفطر؛ لأن ذلك يكون معونة له على معصية، والله تعالى يقول:{وَتَعَاوَنُوا عَلَى البِرِّ وَالتَّقوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثمِ وَالعُدوَانِ}

واختلفوا في السفر الذي تقصر فيه الصلاة؛ فقال داود: تقصر في كل سفرٍ قصير أو طويل، ولو كان ثلاثة أميال في سفر الطاعة، وكافة العلماء على أن (1) القصر إنما شُرِعَ تخفيفًا، وإنما يكون في السفر الطويل الذي تلحق فيه المشقة غالبًا. واختلفوا في تقديره؛ فذهب مالك والشافعي وأصحابهما والليث والأوزاعي وفقهاء أصحاب الحديث إلى أنها لا تقصر إلا في اليوم التام. وقول مالك يوم وليلة راجع إلى اليوم التام، وهو قول ابن عباس وابن عمر، وقدّره مالك بثمانية وأربعين ميلا، والشافعي والطبري بستة وأربعين ميلا، وهو أمر متقارب. والتفت هؤلاء إلى أقل ما سمّاه رسول الله صلى الله عليه وسلم سفرًا؛ فإنه صلى الله عليه وسلم قال: لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر تسافر مسيرة يوم وليلة إلا ومعها ذو محرم منها (2). ومسيرة يوم وليلة هو مسيرة اليوم التام؛ فإن عادتهم في أسفارهم أن يقيلوا بالنهار ويسيروا بالليل، ولأن مسيرة يوم تامٍّ لا يمكن الخارج من منزله الرجوع إليه من يومه (3) ويبيت ضرورة عنه، فخرج عن القرار

(1) ساقط من (ع).

(2)

رواه أحمد (2/ 340)، والبخاري (1088)، ومسلم (1339)، وأبو داود (1723 - 1725)، والترمذي (1170) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

(3)

ساقط من (ع).

ص: 326

قَالَ الزُّهرِيُّ: فَقُلتُ لِعُروَةَ: مَا بَالُ عَائِشَةَ تُتِمُّ فِي السَّفَرِ؟ قَالَ: إِنَّهَا تَأَوَّلَت مَا تَأَوَّلَ عُثمَانُ.

رواه أحمد (6/ 234 و 241)، والبخاري (350)، ومسلم (685)(1 و 3)، وأبو داود (1198)، والنسائي (1/ 225).

ــ

في السفر. وقال الكوفيون: لا يقصر في أقل من مسيرة ثلاثة أيام، وهو قول عثمان وابن مسعود وحذيفة. وقال الحسن وابن شهاب: يقصر في مسيرة يومين. وأولاها القول الأول، والله تعالى أعلم.

وقول عروة إنها تأوّلت ما تأوّل عثمان، اختلف في تأويل إتمام عائشة وعثمان في السفر على أقوال، وأولى ما قيل في ذلك أنهما تأوّلا أن القصر رخصة غير واجبة وأخذا بالأكمل، وما عدا هذا القول إما فاسد وإما بعيد، ولنذكر ما قيل في ذلك:

فمنها: أن عائشة تأوّلت أنها أم المؤمنين، فحيث حَلّت نزلت في أهلها وولدها، وهذا يبطل بما بين المنزلتين من المسافات البعيدة، فإنها كانت تتم فيها وهي على ظهر سفر.

ومنها: أنها كانت لا ترى القصر إلا في الحج والعمرة والغزو، وذلك باطل؛ لأن ذلك لم ينقل عنها ولا عُرف من مذهبها، ثم قد أتمّت في سفرها إلى عليٍّ (1) رضي الله عنهما.

ومنها: أنها حيث أتمّت لم تكن في سفر جائز، وهذا باطل قطعًا، فإنها كانت أتقى لله وأخوف وأطوع من أن تخرج في سفر لا يرضاه الله تعالى، وهذا التأويل عليها هو من أكاذيب الشيعة المبتدعة وتشنيعاتهم عليها، {سُبحَانَكَ هَذَا بُهتَانٌ عَظِيمٌ} ! وإنما خرجت رضي الله عنها مجتهدة محتسبة في خروجها تريد أن تطفئ نار الفتنة، ثم خرجت الأمور عن الضبط، وأقل درجاتها أن تكون ممن قال فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران، وإن أخطأ فله أجر (2).

(1) أي: في موقعة الجمل.

(2)

رواه أحمد (2/ 187) من حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما.

ص: 327

[569]

- وعَنِ ابنِ عَبَّاسٍ قَالَ: فَرَضَ الله الصَّلاةَ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّكُم فِي الحَضَرِ أَربَعًا وَفِي السَّفَرِ رَكعَتَينِ، وَفِي الخَوفِ رَكعَةً.

رواه أحمد (1/ 232)، ومسلم (687)(5)، وأبو داود (1247)، والنسائي (3/ 118 - 119)، وابن ماجه (1072).

ــ

وقد ذكرنا من حديث النسائي عن عائشة ما يبيّن أن المعنى الذي لأجله أتمت في السفر إنما هو ما اخترناه أوّلا.

وأما عثمان فقد تُؤوِّلَ له أنه كان إمام الناس، فحيث حلّ فهو منزله، وهذا يردّه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان أولى بذلك ومع ذلك فلم يفعله.

ومنها: أنه كان معه أهله بمكة. وهذا يردّه أن النبي صلى الله عليه وسلم سافر بزوجاته وكن معه بمكة ومع ذلك فقصر.

ومنها: أنه إنما فعل ذلك من أجل الأعراب لئلا يظنوا أن فرض الصلاة أبدًا ركعتان. وهذا يردّه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان أولى بذلك ولم يفعله، ثم قد عَلِمَ الأعرابُ والكلُّ من المسلمين أن الصلاة في الحضر أربع، ومن جهل ذلك من قرب عهد بالإسلام نادر قليل لا تغير القواعد لأجله.

ومنها: أن عثمان أزمع على المقام بمكة بعد الحج، ويردّه أن المقام بمكة للمهاجر أكثر من ثلاث ممنوع (1).

ومنها: أنه كان لعثمان بمنىً أرضٌ ومالٌ فرأى أنه كالمقيم. وهذا فيه بُعدٌ؛ إذ لم يقل أحدٌ إن المسافر إذا مرّ بما يملكه من الأرض ولم يكن له فيها أهل حكمه حكم المقيم.

والوجه ما ذكرناه أولا.

وقول ابن عباس وفي الخوف ركعة، ذهب جماعة من السلف إلى ظاهر هذا، فقالوا: صلاة الخوف ركعة واحدة عند الشدّة. وهو قول إسحاق؛ قال: أما عند الشدة فركعة واحدة يومئ بها إيماء، فإن لم يقدر فسجدة، فإن لم يقدر

(1) زاد في (ع): محرّم. انظر: المفهم، كتاب: الجهاد، باب: لا هجرة بعد الفتح، والتمهيد (11/ 185).

ص: 328

[570]

- وعَن يَعلَى بنِ أُمَيَّةَ قَالَ: قُلتُ لِعُمَرَ بنِ الخَطَّابِ: {فَلَيسَ عَلَيكُم جُنَاحٌ أَن تَقصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ إِن خِفتُم أَن يَفتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا} فَقَد أَمِنَ النَّاسُ! فَقَالَ: عَجِبتُ مِمَّا عَجِبتَ مِنهُ، فَسَأَلتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَن ذَلِكَ، فَقَالَ: صَدَقَةٌ تَصَدَّقَ الله بِهَا عَلَيكُم، فَاقبَلُوا صَدَقَتَهُ.

رواه أحمد (1/ 25)، ومسلم (686)(4)، وأبو داود (1199)، والترمذي (3037)، والنسائي (3/ 116).

[571]

- وعَن حَفصِ بنِ عَاصِمِ بنِ عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ، عَن أَبِيهِ قَالَ: صَحِبتُ ابنَ عُمَرَ فِي طَرِيقِ مَكَّةَ، قَالَ: فَصَلَّى لَنَا الظُّهرَ رَكعَتَينِ، ثُمَّ أَقبَلَ وَأَقبَلنَا مَعَهُ حَتَّى جَاءَ رَحلَهُ، وَجَلَسَ وَجَلَسنَا مَعَهُ، فَحَانَت مِنهُ التِفَاتَةٌ نَحوَ

ــ

فتكبيرة. وقال الضحاك: إن لم يقدر على ركعة فتكبيرتان. وقال الأوزاعي: لا يجزئه التكبير. وقال قتادة والحسن: صلاة الخوف ركعة ركعة لكل طائفة من المأمومين، وللإمام ركعتان، وسيأتي القول في صلاة الخوف.

وقوله {فَلَيسَ عَلَيكُم جُنَاحٌ أَن تَقصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ} ؛ يعني به القصرَ من عدد الركعات والقصرَ بتغيير الهيئات، بدليل قوله صلى الله عليه وسلم: صدقة تصدق الله بها عليكم عندما سئل عن قصرها مع الأمن، فكان قوله ذلك تيسيرًا وتوقيفًا. على أن الآية متضمَّنة لقصر الصلاة مع الخوف ومع غير الخوف، فالقصر مع الخوف هو في الهيئات على ما يأتي ومع الأمن في الركعات، والمتصدَّق به إنما هو إلغاء شرط الخوف في قصر عدد الركعات مع الأمن، وعلى هذا فيبقى اعتبار الخوف في قصر الهيئات على ما يأتي. وقد أكثر الناس في هذه الآية، وما ذكرناه أولى وأحسن؛ لأنه جمع بين الآية والحديث. والجناح: الحرج. وهذا يشعر أن القصر ليس واجبًا لا في السفر ولا في الخوف؛ لأنه لا يقال في الواجب لا جناح في فعله.

ص: 329

حَيثُ صَلَّى، فَرَأَى نَاسًا قِيَامًا، فَقَالَ: مَا يَصنَعُ هَؤُلاءِ؟ قُلتُ: يُسَبِّحُونَ. قَالَ: لَو كُنتُ مُسَبِّحًا لأَتمَمتُ صَلاتِي، يَا ابنَ أَخِي، إِنِّي صَحِبتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي السَّفَرِ، فَلَم يَزِد عَلَى رَكعَتَينِ حَتَّى قَبَضَهُ الله، وَصَحِبتُ أَبَا بَكرٍ فَلَم يَزِد عَلَى رَكعَتَينِ حَتَّى قَبَضَهُ الله، وَصَحِبتُ عُمَرَ فَلَم يَزِد عَلَى رَكعَتَينِ حَتَّى قَبَضَهُ الله، ثُمَّ صَحِبتُ عُثمَانَ فَلَم يَزِد عَلَى رَكعَتَينِ حَتَّى قَبَضَهُ الله، وَقَد قَالَ الله تعالى:{لَقَد كَانَ لَكُم فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسوَةٌ حَسَنَةٌ}

ــ

وقوله في حديث ابن عمر يسبِّحون؛ أي: يصلون سبحة الضحى أو غيرها من النوافل، والسبحة: صلاة النافلة. قال الهروي: تسمى الصلاة تسبيحًا، ومنه:{فَلَولا أَنَّهُ كَانَ مِنَ المُسَبِّحِينَ} ؛ أي: من المصلين. وقول ابن عمر لو كنت مُسَبِّحًا لأتممت ظاهر هذا أن ابن عمر كان يمنع من التنفُّل في السفر ليلا ونهارًا، هكذا نقل أهل الخلاف عنه، وحُكي عنه أنه منعه بالنهار وجوَّزه بالليل لقوة أمر القيام بالليل إذ كان فرضًا، وعامة العلماء على جوازه، وقد روى جابر وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتنفل في السفر على راحلته وبالأرض ليلا ونهارًا (1).

وقوله إن النبي صلى الله عليه وسلم والخلفاء كانوا يصلون ركعتين لا يزيدون هو محمول على أنهم ما كانوا يتنفَّلون رواتب الفرائض في السفر لا قبل الفرض ولا بعده، وأما في غير ذلك فقد روى جابر وعلي بن أبي طالب أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتنفل في السفر ليلا ونهارًا.

وقوله ثم صحبت عثمان فلم يزد على ركعتين حتى قبضه الله، قد روي

(1) رواه البخاري (1094).

ص: 330