الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(36) باب دنو المصلي من سترته وما جاء فيما يقطع الصلاة
[404]
- عَن سَهلِ بنِ سَعدٍ السَّاعِدِيِّ، قَالَ: كَانَ بَينَ مُصَلَّى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَبَينَ الجِدَارِ مَمَرُّ الشَّاةِ.
رواه البخاري (496)، ومسلم (508)، وأبو داود (696).
[405]
- وَعَن سَلَمَةَ وَهُوَ ابنُ الأَكوَعِ، أَنَّه كَانَ يَتَحَرَّى مَوضِعَ مَكَانِ المُصحَفِ يُسَبِّحُ فِيهِ، وَذَكَرَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَتَحَرَّى ذَلِكَ المَكَانَ، وَكَانَ بَينَ المِنبَرِ وَالقِبلَةِ قَدرُ مَمَرِّ الشَّاةِ.
ــ
(36)
ومن باب: دنو المصلي من سترته (1)
قوله: كان بين مصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين الجدار مَمَرُّ الشاة: هذا يدل على استحباب القرب من السترة، كما قد جاء عنه نصًّا: إذا صلى أحدكم إلى سترة، فَليَدنُ منها، لا يقطع الشيطان عليه صلاته (2). ذكره أبو داود. ولا يُعارَضُ حديثُ مَمَرِّ الشاة بحديث صلاة النبي صلى الله عليه وسلم؛ إذ جعل النبي صلى الله عليه وسلم بينه وبين الجدار قدر ثلاثة أذرع؛ إذ قد حمل بعض شيوخنا حديث ممرّ الشاة على ما إذا كان قائمًا، وحديث ثلاثة أذرع على ما إذا ركع أو سجد، ولم يحدّ مالك في ذلك حدًّا، إلا أن ذلك بقدر ما يركع فيه ويسجد، ويتمكن من دفع من مرّ بين يديه. وقد قدّره بعض الناس بقدر الشبر، وآخرون بثلاثة أذرع، وآخرون بقدر ستة أذرع، وكل ذلك تحكمات.
وقوله في حديث ابن الأكوع: كان يتحرَّى الصلاة عند الأُسطُوانة (3).
(1) هذا العنوان لم يرد في الأصول، وأثبتناه من التلخيص.
(2)
رواه أبو داود (695) من حديث سهل بن أبي حثمة رضي الله عنه.
(3)
هذه الرواية في صحيح مسلم (1/ 365).
رواه أحمد (4/ 54)، ومسلم (509)(263).
[406]
وَعَن أَبِي ذَرٍّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: إِذَا قَامَ أَحَدُكُم يُصَلِّي فَإِنَّهُ يَستُرُهُ إِذَا كَانَ بَينَ يَدَيهِ مِثلُ آخِرَةِ الرَّحلِ، فَإِذَا لَم يَكُن بَينَ يَدَيهِ مِثلُ آخِرَةِ الرَّحلِ فَإِنَّهُ يَقطَعُ صَلاتَهُ الحِمَارُ وَالمَرأَةُ وَالكَلبُ الأَسوَدُ، قُلتُ: يَا أَبَا ذَرٍّ! مَا بَالُ الكَلبِ الأَسوَدِ مِنَ الكَلبِ الأَحمَرِ مِنَ الكَلبِ الأَصفَرِ؟ قَالَ: يَا ابنَ أَخِي سَأَلتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم كَمَا سَأَلتَنِي، فَقَالَ: الكَلبُ الأَسوَدُ شَيطَانٌ.
رواه أحمد (5/ 151)، ومسلم (510)، وأبو داود (702)، والترمذي (338)، والنسائي (2/ 63)، وابن ماجه (952).
ــ
يتحرَّى: يقصد ويتعمد، ومنه قوله تعالى:{فَمَن أَسلَمَ فَأُولَئِكَ تَحَرَّوا رَشَدًا} ؛ أي: قصدوا. والأُسطُوانة: السارية. ولا خلاف في جواز الصلاة إليها، إلا أنه يجعلها في حاجبه الأيمن أو الأيسر، ولا يصمد إليها صمدًا، وكذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم، وكذلك كان يفعل، على ما رواه أبو داود، ولعل هذا كان أول الإسلام؛ لقرب العهد بإِلفِ عبادة الحجارة والأصنام، حتى تظهر المخالفة في استقبال السترة؛ لما كانوا عليه من استقبالهم تلك المعبودات، فأما الصلاة بين الأساطين، فاختلف العلماء ومالك في إجازته وكراهيته إلا عند الضرورة. وعلة المنع: أن الصفوف منقطعة بالأساطين؛ ولأنه رُوي أنه مصلى الجن المؤمنين.
وقوله: يقطع الصلاة الحمار والمرأة والكلب الأسود. تمسّك بظاهر هذا طائفة من أهل العلم، وقال ابن حنبل: يقطع الصلاة الكلب الأسود، وفي قلبي من الحمار والمرأة شيء. وذهب الجمهور إلى أنه لا يقطع الصلاة مرور شيء بين يدي المصلي؛ لا هذه المذكورات ولا غيرها، متمسِّكين بقوله عليه الصلاة والسلام:
[407]
- وَعَن أَبِي هُرَيرَةَ، قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: يَقطَعُ الصَّلاةَ المَرأَةُ وَالحِمَارُ وَالكَلبُ، وَيَقِي ذَلِكَ مِثلُ مُؤخِرَةِ الرَّحلِ.
رواه أحمد (2/ 425)، ومسلم (511)، وابن ماجه (951).
* * *
ــ
لا يقطع الصلاة شيء (1)، وهذا معين لتخصصه: بأن النبي صلى الله عليه وسلم قد صلى وبينه وبين القبلة عائشة (2)، وبمرور حمار ابن عباس بين يدي بعض الصف، فلم ينكر ذلك عليه أحد، وبأنه عليه الصلاة والسلام لَمّا صلى بمنى ورُكزت له العنزة، كان الحمار والكلب يمرّان بين يديه لا يُمنعان، وظاهر هذا بينه وبين العنزة. وفي هذه المعارضة نظر طويل، إذا حُقِّق ظهر به: أنه لا يصلح شيء من هذه الأحاديث لمعارضة الحديث الأول.
وقوله: الكلب الأسود شيطان؛ حمله بعض العلماء على ظاهره، وقال: إن الشيطان يتصور بصورة الكلاب السود، ولأجل ذلك قال عليه الصلاة والسلام: اقتلوا منها كل أسود بهيم (3). وقيل: لما كان الكلب الأسود أشدَّ ضررًا من غيره وأشدّ ترويعًا، كان المُصَلِّي إذا رآه اشتغل عن صلاته؛ فانقطعت عليه لذلك، وكذا تأوَّل الجمهور قوله: يقطع الصلاة المرأة والحمار؛ فإن ذلك مبالغة في الخوف على قطعها وإفسادها بالشغل بهذه المذكورات؛ وذلك أن المرأة تفتن، والحمار ينهق، والكلب يروِّع فيتشوَّش المُتفَكّر في ذلك حتى تنقطع عليه الصلاة وتفسد، فلما كانت هذه الأمور تفيد آيلة إلى القطع، جعلها قاطعة؛ كما قال للمادح: قطعت عنق أخيك (4)؛ أي: فعلت به فعلا يخاف هلاكه فيه؛ كمن قطع عنقه. وقد ذهب
(1) رواه أبو داود (719) من حديث أبي سعيد رضي الله عنه.
(2)
ساقط من (ع).
(3)
رواه أحمد (4/ 85) من حديث عبد الله بن مغفل رضي الله عنه.
(4)
رواه أحمد (5/ 51) من حديث أبي بكرة رضي الله عنه.