الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(2) باب الدعاء في السُّقيَا في المسجد وبغير صلاة
[766]
- عَن أَنَسِ بنِ مَالِكٍ، أَنَّ رَجُلا دَخَلَ المَسجِدَ يَومَ جُمُعَةٍ، مِن بَابٍ كَانَ نَحوَ دَارِ القَضَاءِ، وَرَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَائِمٌ يَخطُبُ، فَاستَقبَلَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَائِمًا، ثُمَّ قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، هَلَكَتِ الأَموَالُ وَانقَطَعَتِ
ــ
(2)
ومن باب: الدعاء في السقيا
دار القضاء سميت بذلك؛ لأنها بيعت في قضاء دَينِ عمر بن الخطاب الذي كتبه على نفسه لبيت مال المسلمين، وأوصى أن يباع فيها ماله، فباع عبد الله ابنه داره هذه من معاوية، وباع ماله بالغابة، فكان يُقال لها: دار قضاء دين عمر، ثم اختصروا فقالوا: دار القضاء، وهي دار مروان، وكان دين عمر عشرين ألفًا، وقد غلط من قال فيها (1): دار قضاء الأمراء.
وظاهر هذا الحديث يدل على جواز كلام الداخل مع الخطيب في حال خطبته، ويحتمل أن يكون إنما كلّمه في حال سكتةٍ كانت من النبي صلى الله عليه وسلم؛ إما لاستراحة في النطق، وإما في حال الجلوس. والله أعلم.
وقوله: هلكت الأموال؛ أي: المواشي. وأصل المال: كل ما يُتَمَوَّل، وعُرفُه عند العرب: الإبل؛ لأنها معظم أموالهم. وانقطعت السبل؛ أي: الطرق؛ لهلاك الإبل، ولعدم ما يؤكل في الطرق.
(1) في (هـ) و (ل) وقد غلط من ظن أنها. وفي (ظ) وقد غلط من ظنها. والمثبت من (ع).
السُّبُلُ، فَادعُ الله يُغِثنَا. قَالَ: فَرَفَعَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَدَيهِ ثُمَّ قَالَ: اللهمَّ أَغِثنَا، اللهمَّ أَغِثنَا، اللهمَّ أَغِثنَا، قَالَ أَنَسٌ: فَلا وَالله، مَا نَرَى فِي السَّمَاءِ مِن سَحَابٍ وَلا قَزَعَةٍ، وَمَا بَينَنَا وَبَينَ سَلعٍ مِن بَيتٍ وَلا دَارٍ. قَالَ: فَطَلَعَت مِن وَرَائِهِ سَحَابَةٌ مِثلُ التُّرسِ، فَلَمَّا تَوَسَّطَتِ السَّمَاءَ انتَشَرَت، ثُمَّ أَمطَرَت. قَالَ: فَلا وَالله مَا رَأَينَا الشَّمسَ سَبتًا. قَالَ: ثُمَّ دَخَلَ رَجُلٌ مِن ذَلِكَ البَابِ فِي الجُمُعَةِ
ــ
وقوله: اللهم أغثنا بالهمزة رباعيًا، هكذا رويناه، ومعناه: هب لنا غيثًا، والهمزة فيه للتعدية، وقال بعضهم: صوابه: غِثنا؛ لأنه من غاث. قال: وأما أغثنا؛ فإنه من الإغاثة، وليس من طلب الغيث، والأول الصواب. والله أعلم.
وقوله: ولا قزعة؛ أي: ولا قطعة من سحاب، وجمعه: قزع. قال أبو عبيد: وأكثر ما يكون في الخريف. وسلع: بفتح السين المهملة، وسكون اللام، وهو: جبل مشهور بقرب المدينة. في البخاري: هو الجبل الذي في السوق (1).
وتشبيه السحابة بالتُّرس؛ في كثافتها واستدارتها. وأمطرت: أنزلت رباعيًا، ويقال: ثلاثيًّا؛ بمعنى واحد، وقيل: أمطر في العذاب، ومطر في الرحمة. والأول أعرف.
وقوله: ما رأينا الشمس سبتًا؛ أي: من سبتٍ إلى سبتٍ؛ كما تقول: جمعة؛ أي: من جمعة إلى جمعة. والسبت في اللغة: القطع، وبه سُمِّي يوم السبت. وقال ثابت في تفسير قوله: سبتًا: أنه القطعة من الزمان، يقال: سبتٌ من الدهر؛ أي: قطعة منه، وسبتُّه: قطعته، وقد رواه الداودي: سِتًّا، وفسره: بستة أيام من الدهر، وهو تصحيف.
(1) كذا في المغانم المطابة للفيروزابادي ص (183). والواقع الجغرافي للمدينة يؤيد ذلك.
المُقبِلَةِ وَرَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَائِمٌ يَخطُبُ فَاستَقبَلَهُ قَائِمًا، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! هَلَكَتِ الأَموَالُ وَانقَطَعَتِ السُّبُلُ، فَادعُ الله يُمسِكهَا عَنَّا. قَالَ: فَرَفَعَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَدَيهِ، ثُمَّ قَالَ: اللهمَّ حَولَنَا وَلا عَلَينَا، اللهمَّ عَلَى الآكَامِ وَالظِّرَابِ وَبُطُونِ الأَودِيَةِ، وَمَنَابِتِ الشَّجَرِ. قَالَ: فَانقَلَعَت وَخَرَجنَا نَمشِي فِي الشَّمسِ.
رواه أحمد (3/ 104 و 187)، والبخاري (1013)، ومسلم (897)(8)، وأبو داود (1174 و 1175)، والنسائي (3/ 154 و 155).
[767]
- وَعَنهُ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَخطُبُ يَومَ الجُمُعَةِ فَقَامَ إِلَيهِ النَّاسُ فَصَاحُوا، وَقَالُوا: يَا نَبِيَّ الله، قَحَطَ المَطَرُ،
ــ
وقوله في الثانية: هلكت الأموال وانقطعت السبل؛ أي: لامتناع الرعي والتصرف؛ لكثرة المطر. وحوالينا: ظرف متعلق بمحذوف، تقديره: اللهم أنزل حوالينا ولا تنزل علينا. والآكام: جمع أكمة، وهي: دون الجبال. والآكام: بفتح الهمزة والمد، ويقال بالكسر: إِكام، وأَكم، وأُكم - بفتحها وضمها -، وقال الخليل: الأكَمة: هو تل. والظِّراب: الروابي، واحدتها: ظرب، ومنه الحديث: فإذا حُوتٌ مثل الظِّرب (1). قال الثعالبي: الأكمة: أعلى من الرابية.
وقحط المطر؛ أي: امتنع وانقطع، وفي البارع: قَحَطَ المطر: بفتح القاف والحاء. وقحط الناسُ: بفتح الحاء وكسرها، وفي الأفعال بالوجهين في المطر، وحُكي: قُحِط الناسِ - بضم القاف وكسر الحاء -، يُقحطون، قحطًا وقحوطًا (2).
(1) رواه أحمد (3/ 306)، والبخاري (4365) من حديث جابر بن عبد الله.
(2)
هكذا في الأصول (ع) و (هـ) و (ظ). وفي لسان العرب (مادة قحط): القحط: احتباس المطر. وقد قَحَط وقَحِط، والفتح أعلى قَحْطًا وقَحَطًا وقُحُوطًا. وقَحِط الناس، بالكسر على ما لم يُسَمَّ فاعله لا غير.
وَاحمَرَّ الشَّجَرُ، وَهَلَكَتِ البَهَائِمُ، وَسَاقَ الحَدِيثَ. وَفِيهِ: فَتَقَشَّعَت عَنِ المَدِينَةِ، فَجَعَلَت تُمطِرُ حَوَالَيهَا، وَمَا تُمطِرُ بِالمَدِينَةِ قَطرَةً، فَنَظَرتُ إِلَى المَدِينَةِ، وَإِنَّهَا لَفِي مِثلِ الإِكلِيلِ.
وَفِي رِوَايَةٍ قَالَ: اللهمَّ حَوَالَينَا وَلا عَلَينَا قَالَ: فَمَا يُشِيرُ بِيَدِهِ إِلَى نَاحِيَةٍ إِلا تَفَرَّجَت، حَتَّى رَأَيتُ المَدِينَةَ فِي مِثلِ الجَوبَةِ، وَسَالَ وَادِي قَنَاة شَهرًا، وَلَم يَجِئ أَحَدٌ مِن نَاحِيَةٍ إِلا أَخبَرَ بِجَودٍ.
وَفِي أُخرَى: فَرَأَيتُ السَحَابَ يَتَمَزَّقُ كَأَنَّهُ المُلَاءُ حِينَ يُطوَى.
ــ
واحمرّ الشجر: يبس. وتقشعت: انكشفت، والإكليل: قال أبو عبيد: هو ما أحاط بالظفر من اللحم، والإكليل أيضًا: العصابة، وروضة مكللة: محفوفة بالنَّور، وأصله: الاستدارة. والجوبة: هي الفجوة بين البيوت، والفجوة أيضًا: المكان المتسع من الأرض، والمعنى: أن السحاب تقطّع حول المدينة مستديرًا، وانكشف عنها حتى باينت ما جاورها مباينة الجوبة لما حولها. وقال الداودي: هي كالحوض المستدير. ومنه قوله: {وَجِفَانٍ كَالجَوَابِ} وواحدة الجوابي: جابية. وقناة: اسم وادٍ من أودية المدينة، وكأنه سمّي مكانه قناة، وقد جاء في غير كتاب مسلم: وسال وادي قناة شهرًا على الإضافة.
والجَود: المطر الواسع الغزير.
ويتمزق: يتقطع، والمُلا مقصورًا - جمع ملاءةٍ -، وهي: الملاحف.
وانجابت انجياب الثوب؛ أي: تقطعت كما يتقطع الثوب قطعًا متفرقة.
وقوله هنا: حين يُطوى؛ يعني: أن السحاب بعد أن كان منتشرًا؛ انضمّ عن جهات المدينة، فصار كأنه ثوب طوي عنها.