الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(48) باب النهي عن الاختصار في الصلاة، وما يجوز من مس الحصى فيها، وما جاء في البصاق في المسجد
[437]
- عَن أَبِي هُرَيرَةَ قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَن يُصَلِّيَ الرَّجُلُ مُختَصِرًا.
رواه أحمد (2/ 399)، والبخاري (1219 و 1220)، ومسلم (545)، وأبو داود (947)، والترمذي (383)، والنسائي (2/ 127).
ــ
(48)
ومن باب: النهي عن الاختصار في الصلاة
قوله: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يصلي الرجل مختصرًا: اختُلف في تأويله على أقوال:
أحدها: أن يأخذ بيده عصًا يتوكأ عليها. قاله الهروي.
وثانيها: أن يقرأ من آخر السورة آية أو اثنتين في فرضه، ولا يكملها. قاله أبو هريرة.
وثالثها: هو أن يضع يده على خَصره في الصلاة؛ لأنه مِن فعل أهل الكِبر. وقيل: لأنه من فعل اليهود؛ كما قال صلى الله عليه وسلم: الاختصار راحة أهل النار (1)؛ يعني اليهود والمتكبرين؛ لا أنّ لهم في النار راحة.
ورابعها: هو حذف الصلاة، بحيث لا يتم ركوعها، ولا سجودها، ولا حدودها.
(1) رواه النسائي (3/ 6).
[438]
- وَعَن مُعَيقِيبٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ فِي الرَّجُلِ يُسَوِّي التُّرَابَ حَيثُ يَسجُدُ، قَالَ: إِن كُنتَ فَاعِلا فَوَاحِدَةً.
رواه أحمد (3/ 426)، والبخاري (1207)، ومسلم (546)، وأبو داود (946)، والترمذي (380)، والنسائي (3/ 7)، وابن ماجه (1026).
ــ
وقول معيقيب: إنهم سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المسح في الصلاة؛ يعني: مسح التراب حيث يسجد؛ لئلا يتأذّى به في سجوده. وقد جاء مفسرًا في الرواية الأخرى، وأُبيح له مرة واحدة استخفافًا لأمرها، وليدفع ما يتأذى به منها، ومُنع فيما زاد عليها؛ لئلا يكثر الشغل، ويقع التشويش في الصلاة. هذا مذهب الجمهور، وحكى الخطابي عن مالك جواز مسح الحصى مرة وثانية في الصلاة. والمعروف عنه ما عليه الجمهور، وقيل: بل عنى مسح الغبار عن وجهه، ويشهد له حديث النسائي عن أبي ذر، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا قام أحدكم إلى الصلاة فلا يمسح الحصى، فإن الرحمة تواجهه (1)، زاد في مسند سفيان بن عيينة: فلا يمسح إلا مرة.
وقد كره السلف مسح الجبهة في الصلاة وقبل الانصراف مما يعلق بها من الأرض؛ لكثرة الأجر في تَترِيب الوجه، والتواضع لله، والإقبال على صلاته بجميعه.
وقوله: إن كنت فاعلا فواحدة، رويناه بنصب واحدة، ورفعه. فنصبه بإضمار فعل تقديره: فامسح واحدة، أو يكون نعتًا لمصدر محذوف. ورفعه على الابتداء وإضمار الخبر، تقديره: فواحدة تكفيه، أو كافيته، ويجوز أن يكون المبتدأ هو المحذوف، وتكون واحدة: الخبر، تقديره: فالمشروع - أو الجائز - واحدة، وما أشبهه.
(1) رواه أحمد (5/ 150) وأبو داود (945) والترمذي (379) والنسائي (3/ 6) وابن ماجه (1027).
[439]
- وعَن أَبِي هُرَيرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رَأَى نُخَامَةً فِي قِبلَةِ المَسجِدِ، فَأَقبَلَ عَلَى النَّاسِ، فَقَالَ: مَا بَالُ أَحَدِكُم يَقُومُ مُستَقبِلَ رَبِّهِ، فَيَتَنَخَّعُ أَمَامَهُ؟ أَيُحِبُّ أَحَدُكُم أَن يُستَقبَلَ فَيُتَنَخَّعَ فِي وَجهِهِ؟ فَإِذَا تَنَخَّعَ أَحَدُكُم فَليَتَنَخَّع عَن يَسَارِهِ، تَحتَ قَدَمِهِ، فَإِن لَم يَجِد فَليَقُل هَكَذَا، وَوَصَفَ القَاسِمُ: فَتَفَلَ فِي ثَوبِهِ، ثُمَّ مَسَحَ بَعضَهُ عَلَى بَعضٍ.
رواه أحمد (2/ 250)، والبخاري (416)، ومسلم (550)، وأبو داود (477)، والنسائي (1/ 163)، وابن ماجه (1022).
[440]
- وَعَن أَبِي سَعِيدٍ الخُدرِيِّ: أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم رَأَى نُخَامَةً فِي قِبلَةِ
ــ
وقوله: رأى نخامة في قبلة المسجد، النُّخامَة، والنُّخاعَة: ما يخرج من الصدر؛ يقال: تَنَخَّم وتنخع بمعنى واحد، والبصاق بالصاد والزاي: ما يخرج من الفم. والمخاط: ما يخرج من الأنف. ويقال: بصق الرجل يبصق، وبزق كذلك. وتَفَل بفتح العين يتفِل بكسرها، وبالتاء باثنتين لا غير. ونَفَثَ ينفث. قال ابن مكي في تثقيف اللسان: التَّفَل بفتح الفاء: نفخ لا بصاق معه، والنفث لا بد أن يكون معه شيء من الريق. قاله أبو عبيد. وقال الثعالبي: المَجُّ: الرمي بالريق، والتفل أقل منه، والنفث أقل منه.
وقوله: ما بال أحدكم يقوم مستقبل ربه؛ هذا محمول على تعظيم حرمة هذه الجهة وتشريفها؛ كما قال: الحجر الأسود يمين الله في الأرض (1)؛ أي: بمنزلة يمين الله. ولما كان المصلي يتوجه بوجهه وقصده وكليته إلى هذه الجهة، نَزَّلها في حقه منزلة وجود الله تعالى، فيكون هذا من باب الاستعارة، وقد يجوز أن يكون من باب حذف المضاف، وإقامة المضاف إليه مقامه، فكأنه قال: مستقبل قبلة ربه،
(1) رواه الطبراني وأبو عبيد القاسم بن سلام عن ابن عباس مرفوعًا. وكذا الخطيب في تاريخه (6/ 328). انظر: كشف الخفاء (1109).
المَسجِدِ فَحَكَّهَا بِحَصَاةٍ، ثُمَّ نَهَى أَن يَبزُقَ الرَّجُلُ عَن يَمِينِهِ أَو أَمَامَهُ، وَلَكِن يَبزُق عَن يَسَارِهِ أَو تَحتَ قَدَمِهِ اليُسرَى.
رواه أحمد (3/ 58 و 93)، والبخاري (409)، ومسلم (548)، وأبو داود (480)، والنسائي (2/ 51 - 52).
ــ
أو رحمة ربه؛ كما قال في الحديث الآخر: فلا يبصق قبل القبلة، فإن الرحمة تواجهه.
وقوله: فحكّها بحصاة. زاد أبو داود فيه: ثم أقبل على الناس مغضبًا، وهذا يدل على تحريم البصاق في جدار القبلة، وعلى أنه لا يتكفر بدفنه، ولا بحكّه، كما قال في حلة المسجد: البصاق في المسجد خطيئة، وكفارتها دفنها، فلو يكفر البزاق في القبلة بالحك لما غضب؛ إذ قد كان تكفي الكفارة في ذلك - وهي الحك -، كما اكتفى بها في حديث الأعرابي الذي وطئ في نهار رمضان، ولم يذمه ولا غضب عليه. وقد ظهرت خصوصية جهة القبلة حيث نزلها منزلة الرب تعالى، كما تقرر، وظهر أيضًا التخفيف في ساحة المسجد؛ كما قد ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه خيمة لسعد بن معاذ بعدما رمي في أكحله، فكان الدم يسيل من خيمته إلى جهة الغفاريين، هذا مع ما قيل: إن هذا كان لضرورة داعية إلى ذلك.
وقد ذكر مسلم في حديث جابر الطويل (1): أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل مكان النُّخَامَة عنبرًا. وروى النسائي الحديث الأول من طريق أنس (2)، فقال: غضب حتى احمرّ وجهه، فقامت امرأة من الأنصار فحكّتها، وجعلت مكانها خلوقًا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما أحسن هذا! . ويصحّ الجمع بين هذه الأحاديث بأن يقال: كان ذلك في أوقات مختلفة: ففي وقت حكّها صلى الله عليه وسلم وطيّبها بيده، ومرة أخرى فعلت هذه المرأة ما ذُكر. ويمكن أن يقال: نسب الحكّ والطيب للنبي صلى الله عليه وسلم من حيثُ الأمرُ به، والمرأة من حيث المباشرة.
(1) رواه مسلم في الزهد (3008).
(2)
رواه النسائي (2/ 52 - 53).
[441]
- وَعَن أَنَسِ بنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: إِذَا كَانَ أَحَدُكُم فِي الصَّلاةِ فَإِنَّهُ يُنَاجِي رَبَّهُ، فَلا يَبزُقَنَّ بَينَ يَدَيهِ وَلا عَن يَمِينِهِ، وَلَكِن عَن شِمَالِهِ تَحتَ قَدَمِهِ.
رواه البخاري (405 و 417)، ومسلم (551)، والنسائي (1/ 163 و 2/ 52 - 53)، وابن ماجه (1024).
ــ
وفي هذا الحديث: استحباب أو جواز تطييب المساجد بالطيب، وتنظيفها؛ كما نص عليه أبو داود من حديث عائشة: أمر ببناء المساجد في الدور، أن تُطيَّب وتُنَظَّف (1). ومن حديث سمرة: ونصلحُ صَنعَتها (2).
ونهيه عن البصاق عن يمينه دليل: على احترام تلك الجهة، وقد ظهر منه تأثير ذلك، حيث كان يحب التيمن في شأنه كله، وحيث كان يبدأ بالميامن في الوضوء والأعمال الدينية، وحيث كان يعدّ يمينه لحوائجه، وشماله لما كان من أذى. وقد علل ذلك في حديث أبي داود حيث قال: والمَلَك عن يمينه (3)، بل وفي البخاري: عن يمينه ملَكًا (4). ويقال على هذا: إن صحّ هذا التعليل لزم عليه أن لا يبصق عن يساره؛ فإن عليه أيضًا ملَكًا؛ بدليل قوله تعالى: {عَنِ اليَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ} والجواب بعد تسليم أن على شماله ملكًا: أن ملك اليمين أعلى وأفضل، فاحتُرم بما لم يحترم غيره من نوعه، والله تعالى أعلم. وهذا النهي مع التمكن من البصاق في غير جهة اليمين، فلو اضطر إلى ذلك جاز.
وقوله: أو تحت قدمه بإثبات أو، وفي الآخر: عن شماله تحت قدمه
(1) رواه أبو داود (455)، والترمذي (594)، وابن ماجه (758).
(2)
رواه أبو داود (456).
(3)
رواه أبو داود (480).
(4)
رواه البخاري (416).
[442]
- وَعَنهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: البُزَاقُ فِي المَسجِدِ خَطِيئَةٌ وَكَفَّارَتُهَا دَفنُهَا.
رواه أحمد (3/ 232)، والبخاري (415)، ومسلم (552)(55)، وأبو داود (474 - 476)، والترمذي (572)، والنسائي (2/ 51 - 52).
[443]
- وَعَن أَبِي ذَرٍّ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: عُرِضَت عَلَيَّ أَعمَالُ أُمَّتِي حَسَنُهَا وَسَيِّئُهَا، فَوَجَدتُ فِي مَحَاسِنِ أَعمَالِهَا الأَذَى يُمَاطُ عَنِ الطَّرِيقِ، وَوَجَدتُ فِي مَسَاوِئ أَعمَالِهَا النُّخَاعَةَ تَكُونُ فِي المَسجِدِ لا تُدفَنُ.
رواه أحمد (5/ 180)، ومسلم (553).
ــ
بغير أو، هكذا الرواية. وظاهر: أو: الإباحة والتخيير، ففي أيهما بصق لم يكن به بأس، وإليه يرجع معنى قوله: عن شماله تحت قدمه، فقد سمعنا من بعض مشايخنا: أن ذلك إنما يجوز إذا لم يكن في المسجد إلا التراب أو الرمل، كما كانت مساجدهم في الصدر الأول، فأما إذا كان في المسجد بُسُطٌ، وما له بالٌ من الحُصُر مما يفسده البصاق ويُقَذِّره، فلا يجوز احترامًا للماليَّة، والله تعالى أعلم.
وقوله: البزاق في المسجد خطيئة وكفارتها دفنها، قال ابن مكي: إنما تكون خطيئة لمن تفل فيه ولم يدفنه؛ لأنه يقذّر المسجد، ويتأذى به من تعلق به، أو رآه؛ كما جاء في الحديث الآخر: لئلا يصيب جلد مؤمن أو ثوبه فيؤذيه. فأمّا من اضطرّ إلى ذلك فدفن، وفعل ما أمر به، فلم يأت خطيئة. وأصل التكفير: التغطية، فكان دَفنها غطاء ما يتصور عليه من الذمّ والإثم لو لم يفعل. وهذا كما سُمِّيت تَحِلَّةُ اليمين: كفارة، وليست اليمين بمأثم فتكفره، ولكن لما جعلها الشرع فسحة لعباده في حلّ ما عقدوه من أيمانهم ورفعها لحكمها سمّاها كفارة، ولهذا جاز إخراجها قبل الحِنث، وسقوط حكم اليمين بها على الأصح من القولين.