الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(105) باب فيمن غلب عن حزبه، وفيمن خاف أن يغلب عن وتره، وفضل طول القنوت وآخر الليل
[633]
عن عُمَرَ بنَ الخَطَّابِ قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: مَن نَامَ عَن حِزبِهِ أَو عَن شَيءٍ مِنهُ، فَقَرَأَهُ فِيمَا بَينَ صَلَاةِ الفَجرِ وَصَلَاةِ الظُّهرِ كُتِبَ لَهُ كَأَنَّمَا قَرَأَهُ مِن اللَّيلِ.
ــ
الفقهاء السبعة (1)، ومذهب أهل المدينة. وقال الأوزاعي: إن وصل حسن، وإن فصل حسن، ثم المستحبُّ عند الشافعي وأصحابه، وعند مالك، وجل أصحابه: أن يقرأ في الوتر بـ {قُل هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} والمعوذتين. وقيل عن مالك: بـ {قُل هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} فقط، وبه قال الثوري، وأحمد، وأصحاب الرأي، وعليه أكثر أهل العلم. واختار أبو مصعب: أن يقرأ في كل ركعة من الشفع والوتر بـ قل هو الله أحد. واختارت طائفة من أهل العلم: أن يقرأ في الشفع بـ {سَبِّحِ اسمَ رَبِّكَ الأَعلَى} و {قُل يَا أَيُّهَا الكَافِرُونَ} وفي الوتر بـ {قُل هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} والمعوّذتين، أخذًا بما خرَّجه النسائي والترمذي من فعله صلى الله عليه وسلم لذلك (2).
(105)
ومن باب: مَن غُلِب عن حزبه (3)
قوله صلى الله عليه وسلم: مَن نام عن حِزبه، فقرأه فيما بين صلاة الفجر وصلاة الظهر، كُتِب له كأنما قرأه مِنَ الليل. هذا تفضل من الله تعالى، ودليل: على أن صلاةَ
(1) هم فقهاء المدينة السبعة: خارجة بن زيد، سعيد بن المسيب، عروة بن الزبير، قاسم بن محمد، أبو بكر بن عبد الرحمن بن حارث بن هشام، سليمان بن يسار، عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود -رحمهم الله تعالى-.
(2)
رواه النسائي (3/ 136)، والترمذي (462).
(3)
هذا الباب بكامله ساقط من (م).
رواه مسلم (747)، وأبو داود (1313)، والترمذي (581)، والنسائي (3/ 259)، وابن ماجه (1343).
[634]
وعَن جَابِرٍ، قَالَ: سَمِعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: أَيُّكُم خَافَ أَلا يَقُومَ مِن آخِرِ اللَّيلِ فَليُوتِر، ثُمَّ لِيَرقُد. وَمَن وَثِقَ بِقِيَامٍ مِن اللَّيلِ فَليُوتِر مِن آخِرِهِ، فَإِنَّ قِرَاءَةَ آخِرِ اللَّيلِ مَحضُورَةٌ، وَذَلِكَ أَفضَلُ.
ــ
الليل أفضلُ من صلاة النهار. والحزبُ هنا الجزءُ من القرآن يُصلَّى به. وهذه الفضيلةُ إنما تحصلُ لمن غلبه نوم، أو عذر منعه من القيام مع أن نيَّتَهُ القيام. وقد ذكر مالك في الموطأ عنه صلى الله عليه وسلم قال: ما مِن امرئ تكونُ له صلاة بليل فَغَلبه عليها نوم إلا كتب الله له أجرَ صلاته، وكان نومُه صدقةَ عليه (1)، وهذا أتَمُّ في التَّفضيل والمجازاة بالنية، وظاهِرُه أن له أجرَه مُكملا مُضاعَفًا، وذلك لحسن نيته، وصدق تلهّفه، وتأسّفه. وهذا قولُ بعضِ شيوخنا، وقال بعضُهم: يُحتمل أن يكونَ غيرَ مضاعَفٍ إذ الذي يُصليها أكمل وأفضل.
قلتُ: والظاهِرُ التمسُّكُ بالظَّاهر، فإن الثوابَ فَضلٌ من الكريم الوهاب، وقد تقدَّم من حديث عائشة رضي الله عنها: أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا غَلَبَهُ نوم، أو وَجَعٌ، صلَّى من النهار اثنتي عشرة ركعة (2). وهذا كلُّه إنما هو يبقى في تحصيل مثل ما غُلِب عليه، لا أنه قضاءٌ له، إذ ليس في ذمَّته شيء، ولا يُقضَى إلا ما تعلَّق بالذمة، وقد رأى مالك أن يصلِّي حزبه مَن فاته بعد طُلُوع الفجر، وهو عنده وقتُ ضرورة لمن غُلِب على حزبه وفاته. كما يقول في الوتر.
وقوله صلى الله عليه وسلم: أيكُم خاف ألَاّ يقومَ من آخر الليل فليوتر ثم ليرقد. . . . إلى
(1) رواه مالك في الموطأ (1/ 117).
(2)
سبق تخريجه برقم (928).
رواه أحمد (3/ 337 و 348)، ومسلم (755)، والترمذي (455)، وابن ماجه (1187).
[635]
وعنه، قَالَ: سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَيُّ الصَّلَاةِ أَفضَلُ؟ قَالَ: طُولُ القُنُوتِ.
رواه أحمد (3/ 302 و 314)، ومسلم (756)(165)، والترمذي (387)، والنسائي (5/ 58)، وابن ماجه (1124).
ــ
آخره. يدلُّ: على أن تأخيرَ الوتر أفضلُ لمن قَوِيَ عليه، وأنَّ تعجيلَه حزمٌ لئلا يفوتُ بطلوع الفجر. وقد روى أبو سليمان الخطابي عن سعيد بن المسيّب: أنَّ أبا بكر وعمر رضي الله عنهما تذاكرا الوترَ عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال أبو بكر: أما أنا فإنِّي أنام على وتر، فإن صليتُ صليتُ شَفعًا حتى أصبحَ، وقال عُمر: لكني أنامُ على شفع ثم أوتر من السَّحر. فقال النبي صلى الله عليه وسلم لأبي بكر: حَذِر هذا. وقال لعمر: قَوِيَ هذا (1). وقد دلَّ قولُ أبي بكر في هذا الحديث: على أنَّ مَن صلَّى وِترَه في أول الليل، ثم نشطَ للصَّلاة من آخره صلّى ما شاء مِن شَفع، ولا يلزمُه أن يُوتر من آخر صلاته وترًا آخر؛ لقوله صلى الله عليه وسلم فيما خرَّجه أبو داود عن طلق بن علي مرفوعًا: لا وتران في ليلة (2)، وهو صحيح، ولا يجوزُ أن يضيفَ إلى وتره المتقدِّم وِترًا آخر، فينقض المتقدِّم، وقد اختلفَ فيه. وإلى ما فَعَلَه أبو بكر ذهبَ كثير من الصحابة، والتابعين وأئمة الفتوى: مالك، وغيره، وقد ذهبَ إلى النَّقض جماعة من الصَّحابة وغيرهم، وروي عن مالك، والصَّحيحُ: فِعل أبي بكر، والله أعلم.
(1) رواه عبد الرزاق في مصنفه (5/ 46).
(2)
رواه أبو داود (1439).
[636]
وعنه، قَالَ: سَمِعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: إِنَّ فِي اللَّيلِ سَاعَةً، لَا يُوَافِقُهَا رَجُلٌ مُسلِمٌ، يَسأَلُ اللَّهَ خَيرًا مِن أَمرِ الدُّنيَا وَالآخِرَةِ إِلَّا أَعطَاهُ إِيَّاهُ، وَذَلِكَ كُلَّ لَيلَةٍ.
رواه أحمد (3/ 313 و 331)، ومسلم (757)(166).
[637]
وعَن أَبِي هُرَيرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: يَنزِلُ رَبُّنَا تَبَارَكَ
ــ
وقد تقدَّم الكلامُ في القنوت، وفيما هو الأفضلُ، هل طول القيام [في الصلاة](1) أفضل؟ أو كثرة السُّجود؟
وقوله: إن في الليل ساعة
…
الحديث؛ هذه الساعةُ هي التي يُنادي فيها المنادي: من يسألني فأعطيه
…
الحديث. وهي في الثُّلُث الأخير من الليل إلى أن يطلعَ الفجر، كما يأتي.
وقوله: ينزل ربُّنا، كذا صحَّتِ الروايةُ هنا، وهي ظاهِرة في النُزول المعنوي، وإليها يردُّ ينزلُ على أحد التأويلات، ومعنى ذلك: أنَّ مقتضى عظمةِ الله تعالى، وجلاله، واستغنائه، ألَّا يعبأ بحقيرٍ، ذليل، فقير، لكن ينزل بمقتضى كرمه ولُطفه؛ لأن يقول: من يقرضُ غيرَ عَدُوم ولا ظَلُوم (2). ويكون قولُه: إلى السَّماء الدُّنيا عبارةً عن الحاجة القريبة إلينا، والدُّنيا بمعنى: القُربى، والله أعلم. وقد قيَّده بعضُ الناس يُنزِل بضم الياء، من: أنزل، فيكون مُعدَّى إلى مفعولِ محذوف؛ أي: يُنزل اللهُ مَلَكًا فيقولُ: كذا. وأما رواية: ينزل ثلاثيًّا، مِن نزل، فهي صحيحةٌ أيضًا، وهي من باب حَذف المضاف وإقامة المضاف إليه مقامه. كما قال: وَاسألِ القَريَةَ. وقد دلَّ على صحَّة هذا التأويل ما رواه
(1) من (ظ) و (ط).
(2)
رواه مسلم (758/ 171).
وَتَعَالَى - كُلَّ لَيلَةٍ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنيَا - حِينَ يَبقَى ثُلُثُ اللَّيلِ الآخِرُ فَيَقُولُ: مَن يَدعُونِي فَأَستَجِيبَ لَهُ! وَمَن يَسأَلُنِي فَأُعطِيَهُ! وَمَن يَستَغفِرُنِي فَأَغفِرَ لَهُ! .
رواه أحمد (2/ 419 و 504)، والبخاري (1145)، ومسلم (758)(168)، وأبو داود (1315)، والترمذي (3493)، وابن ماجه (1366).
[638]
وعنه، عَن رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: يَنزِلُ اللَّهُ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنيَا كُلَّ لَيلَةٍ حِينَ يَمضِي ثُلُثُ اللَّيلِ الأَوَّلُ، فَيَقُولُ: أَنَا المَلِكُ، مَن ذَا الَّذِي يَدعُونِي فَأَستَجِيبَ لَهُ؟ ! مَن ذَا الَّذِي يَسأَلُنِي فَأُعطِيَهُ؟ ! مَن ذَا الَّذِي يَستَغفِرُنِي فَأَغفِرَ لَهُ؟ ! فَلَا يَزَالُ كَذَلِكَ حَتَّى يُضِيءَ الفَجرُ.
وفي رواية: ينزل الله تبارك وتعالى في السماء الدنيا.
رواه مسلم (758)(169 و 171).
* * *
ــ
النسائيُّ عن أبي هريرة وأبي سعيد قالا: قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: إن الله عز وجل يُمهل حتى يمضي شطرُ الليل الأول، ثم يأمرُ مناديًا يقول: هل مِن داعٍ يُستجاب له؟ هل من مُستغفر يُغفر له؟ هل من سائل يُعطى؟ (1) وهذا صحيح، وهو نص. وبه يرتفع الإشكال، وقد قدَّمنا في كتاب الإيمان ما تُحمل عليه هذه المشكلات كلُّها.
وقوله: من يدعوني فأستجيبَ له؛ أي: فأجيبه، وهذا مِنَ الله وعدٌ حق، وقَول صدق:{وَمَن أَوفَى بِعَهدِهِ مِنَ اللَّهِ} وإذا وقعت هذه الشُروطُ من العبد على حقيقتها وكَمالها؛ فلا بُدَّ من المشروط، فإن تخلَّفَ شيء مِن ذلك؟ فذلك لخللٍ في الشرط.
(1) رواه النسائي (482) في عمل اليوم والليلة.