الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(18) باب الصلاة على الميت في المسجد
[839]
- عَن عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَت: لَمَّا تُوُفِّيَ سَعدُ بنُ أَبِي وَقَّاصٍ أَرسَلَ
ــ
(18)
ومن باب: الصلاة على الميت في المسجد (1)
إنكار الناس إدخال الميت في المسجد يدلّ على أن العمل المستمرَّ كان على خلاف ذلك وأن الصلاة على سهيل وأخيه في المسجد إما منسوخ كما قاله الطحاوي، وأن الترك آخر الفعلين، وإما أن يكون خاصًّا بهما، وهذا العمل هو مُتمَسَّك من منع ذلك، وما تقدَّم من خروج النبي صلى الله عليه وسلم للصلاة على النجاشيِّ من المسجد، وهم جماعة منهم مالك في المشهور عنه وبعض أصحابه وأبو حنيفة وابن أبي ذئب والطحاوي، وقد دلّ على المنع أيضًا ما خرَّجه أبو داود من حديث أبي هريرة مرفوعًا: من صلّى على جنازة في المسجد فلا شيء له (2) - وفي إسناده صالح مولى التوأمة، وكان قد اختلط حديثُه بأخَرَة، فقال مالك فيه: ليس بثقة. وقال فيه غيره: حديثه قبل الاختلاط صحيح. وهذا الحديث مما رواه عنه ابن أبي ذئب قبل الاختلاط على ما قاله أبو أحمد بن عدي وغيره من أئمة المحدثين. وقد اعتضد المانع أيضًا بأن الميت نجس فلا يُدخل المسجد.
وقد اختلف في نجاسة الميت قول مالك والشافعي وأصحابهما، وقال بعض المتأخرين: الخلاف إنما يصحّ في المسلمين لا الكافرين، فإنهم متّفقون على تنجيس الميت منهم، وهذا القول حسن؛ لأنه قد تقرر الإجماع على أن الموت بغير زكاة سبب التنجيس فيما له نفس سائلة مطلقًا، وهذا يقتضي تنجيس
(1) العنوان ساقط من الشرح، واستدرك من التلخيص.
(2)
رواه أبو داود (3191)، وابن ماجه (1517).
أَزوَاجُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَن يَمُرُّوا بِجَنَازَتِهِ فِي المَسجِدِ فَيُصَلِّينَ عَلَيهِ فَفَعَلُوا،
ــ
الميت المسلم، إلا أنه قد صحّ عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: إن المؤمن لا ينجس (1). فهل يُحمل هذا على أنه لا ينجس حيًّا ولا ميتًّا فيستثنى تلك القاعدة الكلية؟ أو يحمل على أنه لا ينجس ما دام حيًّا؟ وهو الذي خرَّج عليه الحديث، وتحمل تلك القاعدة الكلية على أصلها، ويبقى الكافر على أصل القاعدة، وإنما الخلاف في نجاسة عين الكافر في حال حياته؛ فقال بنجاسته الشافعي وغيره متمسُّكًا بقوله تعالى:{إِنَّمَا المُشرِكُونَ نَجَسٌ} وقال مالك وغيره بطهارته متمسُّكًا بنوع من القياس، وهو المسمَّى بقياس العكس عند أصحابنا، وهو من باب قياس الدَّلالة.
تلخيصه أن يقال: لما كان الموت علّة التنجيس شرعًا لزم أن تكون الحياة علة الطهارة شرعًا؛ ضرورة عدم الواسطة بين التنجيس والطهارة، وقد استدلّ بعض أصحابنا على ذلك بقوله تعالى: وَلَقَد كَرَّمنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلنَاهُم فِي البَرِّ وَالبَحرِ وَرَزَقنَاهُم مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلنَاهُم عَلَى كَثِيرٍ مِمَّن خَلَقنَا تَفضِيلًا، وتقرير الحجة فيهما فيه طول، وموضعه الفقه.
وقد تأوّل أصحابنا قوله تعالى: {إِنَّمَا المُشرِكُونَ نَجَسٌ} بأن معنى ذلك أنهم لا ينفَكُّون عن النجاسة لعدم تحرُّزِهم منها، ومنهم من حمله على معنى الذمّ.
ثم نرجع إلى أصل المسألة ونقول: لو سلمنا أن الميت المؤمن ليس بنجس فلا ينبغي أن يدخل المسجد؛ لإمكان أن ينفصل منه شيءٌ من النجاسات فيتلطخ المسجد، وقد تمسك من أجاز إدخال الميت في المسجد للصلاة عليه بما تمسكت به عائشة رضي الله عنها، ورأوا أنه حكم متعدٍّ لغير سهيل وأخيه، وتأولوا قوله صلى الله عليه وسلم من صلّى على جنازة في المسجد فلا شيء له على أن معناه فلا شيء عليه، كما قال تعالى:{وَإِن أَسَأتُم فَلَهَا} ؛ أي: عليها، وممن ذهب إلى جواز ذلك الشافعي في أحد قوليه وأحمد وإسحاق وابن حبيب من
(1) رواه أحمد (2/ 235 و 382)، والبخاري (283)، ومسلم (371)، وأبو داود (231)، والترمذي (121)، والنسائي (1/ 145)، وابن ماجه (534).
فَوُقِفَ بِهِ عَلَى حُجَرِهِنَّ يُصَلِّينَ عَلَيهِ، ثُمَ خُرِجَ بِهِ مِن بَابِ الجَنَائِزِ الَّذِي كَانَ إِلَى المَقَاعِدِ، فَبَلَغَهُنَّ أَنَّ النَّاسَ عَابُوا ذَلِكَ وَقَالُوا: مَا كَانَتِ الجَنَائِزُ يُدخَلُ بِهَا المَسجِدَ! فَبَلَغَ ذَلِكَ عَائِشَةَ، فَقَالَت: مَا أَسرَعَ النَّاسَ إِلَى أَن يَعِيبُوا مَا لا عِلمَ لَهُم بِهِ! عَابُوا عَلَينَا أَن يُمَرَّ بِجَنَازَةٍ فِي المَسجِدِ، وَمَا صَلَّى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى سُهَيلِ بنِ بَيضَاءَ إِلا فِي جَوفِ المَسجِدِ.
وَفِي رِوَايَةٍ: فقَالَت وَاللهِ لَقَد صَلَّى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى ابنَي بَيضَاءَ فِي المَسجِدِ؛ سُهَيلٍ وَأَخِيهِ.
رواه أحمد (6/ 79)، ومسلم (973)(100 و 101)، وأبو داود (3189 و 3190)، والترمذي (1533)، والنسائي (4/ 68).
* * *
ــ
أصحابنا والقاضي إسماعيل. قال أبو عمر: ورواه المدنيون عن مالك. ويعتضد هؤلاء بأن عمر بن الخطاب إنما صُلّي عليه في المسجد على ما ذكره مالك عن ابن عمر.
وأما صلاة المصلّي في المسجد على الجنازة فأجازها مالك إذا ضاق الموضع واتصلت الصفوف، وكرهه مع عدم ذلك. ومستندها خروج النبي صلى الله عليه وسلم والناس من المسجد للصلاة على النجاشي كما تقدَّم.
وقولها فوقف به على حُجَرِهنّ يُصَلِّين عليه؛ أي يدعون له، وهذا بعد أن صلي عليه الصلاة الجامعة، ويحتمل أن تكون هذه الصلاة هي الصلاة الجامعة (1)، ويكون معنى قولها فوقف به على حُجرِهن على هذا؛ أي: حُبِسَ بين حجرهن حتى يجتمع الناس للصلاة عليه فيُصَلِّين عليه في جملة الناس، والله تعالى أعلم.
(1) ساقط من (هـ).