الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(88) باب من نام عن صلاة الصبح حتى طلعت الشمس فله أن يؤذن إذا كان في جماعة، ويصلي ركعتي الفجر
[567]
- عَن أَبِي قَتَادَةَ قَالَ: خَطَبَنَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: إِنَّكُم تَسِيرُونَ عَشِيَّتَكُم وَلَيلَتَكُم، وَتَأتُونَ المَاءَ - إِن شَاءَ الله - غَدًا. فَانطَلَقَ النَّاسُ لا يَلوِي أَحَدٌ عَلَى أَحَدٍ، قَالَ أَبُو قَتَادَةَ: فَبَينَمَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَسِيرُ حَتَّى ابهَارَّ اللَّيلُ وَأَنَا إِلَى جَنبِهِ. قَالَ: فَنَعَسَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَمَالَ عَن رَاحِلَتِهِ، فأَتيتُهُ فَدَعَمتُهُ مِن غَيرِ أَن أُوقِظَهُ، حَتَّى اعتَدَلَ عَلَى رَاحِلَتِهِ. قَالَ: ثُمَّ سَارَ
ــ
(88)
ومن باب: شرح ما تضمنه حديث أبي قتادة وعمران بن الحصين من الغريب
قوله لا يلوي أحد على أحد؛ أي لا يعطف عليه ولا ينتظره، وأصله من لَيِّ العُنُق.
وقوله حتى ابهَارَّ الليل؛ أي انتصف، وبُهرَة كل شيء وسطه، وقيل: ذهب عامته وبقي نحو من ثلثه. قال أبو سعيد الضرير: ابهِرَارُ الليل طلوع نجومه إذا تَتَامَّت. وقال غيره: ابهارَّ الليل طال. والباهِرُ: الممتلئ نورًا. وقد صحّفه بعض الشارحين تصحيفًا قبيحًا فقال: انهار الليل - بالنون، وقال: ومنه قوله تعالى: {فَانهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ}
حَتَّى تَهَوَّرَ اللَّيلُ، مَالَ عَن رَاحِلَتِهِ. قَالَ: فَدَعَمتُهُ مِن غَيرِ أَن أُوقِظَهُ حَتَّى اعتَدَلَ عَلَى رَاحِلَتِهِ. قَالَ: ثُمَّ سَارَ، حَتَّى إِذَا كَانَ مِن آخِرِ السَّحَرِ مَالَ مَيلَةً هِيَ أَشَدُّ مِنَ المَيلَتَينِ الأُولَيَينِ، حَتَّى كَادَ يَنجَفِلُ، فَأَتَيتُهُ فَدَعَمتُهُ، ثم رَفَعَ رَأسَهُ فَقَالَ: مَن هَذَا؟ قُلتُ: أَبُو قَتَادَةَ. قَالَ: مَتَى كَانَ هَذَا مَسِيرَكَ مِنِّي؟ قُلتُ: مَا زَالَ هَذَا مَسِيرِي مُنذُ اللَّيلَةِ. ثم قَالَ: حَفِظَكَ الله بِمَا حَفِظتَ بِهِ نَبِيَّهُ! ثُمَّ قَالَ: هَل تَرَانَا نَخفَى عَلَى النَّاسِ؟ ثُمَّ قَالَ: هَل تَرَى مِن أَحَدٍ؟ قُلتُ: هَذَا رَاكِبٌ. ثُمَّ قُلتُ: هَذَا رَاكِبٌ آخَرُ، حَتَّى اجتَمَعنَا فَكُنَّا سَبعَةَ رَكبٍ. قَالَ: فَمَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَنِ الطَّرِيقِ فَوَضَعَ رَأسَهُ ثُمَّ قَالَ: احفَظُوا عَلَينَا صَلاتَنَا! فَكَانَ أَوَّلَ مَنِ استَيقَظَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَالشَّمسُ فِي ظَهرِهِ، قَالَ: فَقُمنَا فَزِعِينَ، ثُمَّ قَالَ: اركَبُوا! فَرَكِبنَا فَسِرنَا، حَتَّى إِذَا
ــ
وقوله وتَهَوَّرَ الليل، قال الهروي: معناه ذهب أكثره وانهدم كما يتهوَّر البناء، يقال: تَهَوَّر الليل وتَوَهَّر.
وقوله فدعمته؛ أي أقمت مَيلَه وصرت له كالدّعامة تحته.
وقوله حتى كاد ينجفل؛ أي قارب أن ينقلب ويقع، ومنه ما جاء في الحديث أن البحر جَفَل سمكًا (1)؛ أي ألقاه فرمى به - ذكره الهروي.
وقوله فمال عن الطريق فوضع رأسه، هذا الفعل منه صلى الله عليه وسلم مثل قوله إذا عرستم فاجتنبوا الطريق، فإنه مأوى الهوام (2).
(1) انظر: النهاية في غريب الحديث والأثر (1/ 280).
(2)
رواه مسلم (1926)، وأبو داود (2569)، والترمذي (2862) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
ارتَفَعَتِ الشَّمسُ نَزَلَ، ثُمَّ دَعَا بِمِيضَأَةٍ كَانَت مَعِي فِيهَا شَيءٌ مَن مَاءٍ، فَتَوَضَّأَ مِنهَا وُضُوءًا دُونَ وُضُوءٍ، قَالَ: وَبَقِيَ فِيهَا شَيءٌ مِن مَاءٍ، ثُمَّ قَالَ لأَبِي قَتَادَةَ: احفَظ عَلَينَا مِيضَأَتَكَ، فَسَيَكُونُ لَهَا نَبَأٌ! ثُمَّ أَذَّنَ بِلالٌ بِالصَّلاةِ، فَصَلَّى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم رَكعَتَينِ، ثُمَّ صَلَّى الغَدَاةَ، فَصَنَعَ كَمَا كَانَ يَصنَعُ كُلَّ يَومٍ. قَالَ: وَرَكِبَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَرَكِبنَا مَعَهُ، قَالَ: فَجَعَلَ بَعضُنَا يَهمِسُ إِلَى بَعضٍ: مَا كَفَّارَةُ مَا صَنَعنَا بِتَفرِيطِنَا فِي صَلاتِنَا؟ ثُمَّ قَالَ: أَمَا لَكُم فِيَّ
ــ
والمِيضَأَةُ: الإناء الذي يتوضأ فيه، وهي التي قال فيها: أطلقوا لي غُمَرِي. والغُمَر: القعب الصغير. ويقال: تغَمَّرت؛ أي: شربت قليلا، قال أعشى باهلة:
يكفيه حُزَّةُ فِلذٍ إن ألمَّ بها
…
من الشِّواءِ ويُروي شُربَه الغُمَرُ
وقوله فتوضأ منها وضوءًا دون وضوء؛ يعني وضوءًا مخفّفًا، وكأنه اقتصر فيه على المرة الواحدة، ولم يكثر صبّ الماء لأنه أراد أن يفضل منه فضلة لتظهر فيها بركته وكرامته، وهذا أولى من قول من قال أراد بقوله وضوءًا دون وضوء الاستجمار بالحجارة؛ لأن ذلك لا يقال عليه وضوء عرفًا ولا لغة، لأنه لا نظافة فيه بالغة، ولما روى أبو داود في هذه القصة من حديث ذي مِخبَر الحبشي خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه صلى الله عليه وسلم توضأ وضوءًا لم يبتلّ منه التراب (1). والأسوة: القدوة.
وقوله فجعل بعضنا يهمس إلى بعض؛ أي: يحرك شفتيه بكلام خفي.
(1) رواه أحمد (4/ 91)، وأبو داود (445).
أُسوَةٌ؟ ثُمَّ قَالَ: أَمَا إِنَّهُ لَيسَ فِي النَّومِ تَفرِيطٌ، إِنَّمَا التَّفرِيطُ عَلَى مَن لَم يُصَلِّ الصَّلاةَ حَتَّى يَجِيءَ وَقتُ الصَّلاةِ الأُخرَى، فَمَن فَعَلَ ذَلِكَ فَليُصَلِّهَا حِينَ يَنتَبِهُ لَهَا، فَإِذَا كَانَ الغَدُ فَليُصَلِّهَا عِندَ وَقتِهَا.
ــ
وقوله إنه ليس في النوم تفريط يدل على أن النائم غير مكلف ولا مؤاخذ.
وقوله إنما التفريط على من لم يصلّ الصلاة حتى يجيء وقت الأخرى؛ أي: من لم يصلها عامدًا لتركها. وفيه ما يدل على أن أوقات الصلوات كلها موسعة.
وقوله فمن فعل ذلك فليصلها حين ينتبه لها، الإشارة بـ ذلك إلى ما وقع له من النوم عن الصلاة، ويحتمل أن يعود الضمير إلى جميع ما ذكر من النوم والتفريط على ما قررنا في قضاء العامد.
وقوله فإذا كان الغد فلّيصلِّها عند وقتها، قال قوم: ظاهره إعادة المقضيَّة مرتين عند ذكرها وعند حضور مثلها من الوقت الآتي، وقد وافق هذا الظاهر ما رواه أبو داود نصًّا من حديث عمران بن حصين - وذكر القصة، وقال في آخرها: فمن أدرك منكم صلاة الغداة من غدٍ صالحًا فليقض معها مثلها. قال الخطابي: لا أعلم أحدًا قال هذا وجوبًا، ويشبه أن يكون الأمر به استحبابًا ليُحرز فضيلة الوقت في القضاء.
قلت: وهذا كله يعارضه ما ذكره أبو بكر بن أبي شيبة من حديث الحسن عن عمران بن حصين في هذه القصة أنه صلى الله عليه وسلم لما صلى بهم المقضيَّة قالوا: ألا نقضيها لوقتها من الغد؟ فقال: لا ينهاكم الله عن الربا ويأخذه منكم (1). والصحيح ترك العمل بذلك الظاهر لهذه المعارضة، ولما حكى الخطابي، ولأن الطرق الصحاح المشهورة ليس فيها من تلك الزيادة شيء إلا
(1) رواه ابن أبي شيبة (2/ 64).
ثُمَّ قَالَ: مَا تَرَونَ النَّاسَ صَنَعُوا؟ قَالَ: ثُمَّ قَالَ: أَصبَحَ النَّاسُ فَقَدُوا نَبِيَّهُم، فَقَالَ أَبُو بَكرٍ وَعُمَرُ: رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بَعدَكُم، لَم يَكُن لِيُخَلِّفَكُم! وَقَالَ النَّاسُ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم بَينَ أَيدِيكُم، فَإِن يُطِيعُوا أَبَا بَكرٍ وَعُمَرَ يَرشُدُوا. قَالَ: فَانتَهَينَا إِلَى النَّاسِ حِينَ امتَدَّ النَّهَارُ وَحَمِيَ كُلُّ شَيءٍ، وَهُم يَقُولُونَ: يَا رَسُولَ اللهِ، هَلَكنَا، عَطِشنَا. فَقَالَ: لا هُلكَ عَلَيكُم! ثُمَّ قَالَ: أَطلِقُوا لِي غُمَرِي! قَالَ: وَدَعَا بِالمِيضَأَةِ، فَجَعَلَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَصُبُّ وَأَبُو قَتَادَةَ يَسقِيهِم، فَلَم يَعدُ أَن رَأَى النَّاسُ مَاءً فِي المِيضَأَةِ تَكَابُّوا عَلَيهَا، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: أَحسِنُوا المَلأَ، فَكُلُّكُم سَيَروَى. قَالَ: فَفَعَلُوا، فَجَعَلَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَصُبُّ وَأَسقِيهِم، حَتَّى مَا بَقِيَ غَيرِي وَغَيرُ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم. قَالَ: ثُمَّ
ــ
ما ذكر في حديث أبي قتادة، وهو محتمل كما قررناه، والله تعالى أعلم.
وقوله ثم قال: ما ترون الناس صنعوا؟ ، هذا قول النبي صلى الله عليه وسلم لمن كان معه مستفهمًا على جهة استحضار أفهامهم، ثم قال صلى الله عليه وسلم مخبرًا بما صنعوا وبما قالوا إلى قوله وقال الناس: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أيديكم، وهنا انتهى الخبر عنهم، ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم فإن يطيعوا أبا بكر وعمر يرشدوا؛ لأنهما وافقا الحق فيما قالاه، فصوابه إذًا أن يكون يطيعوا، ويرشدوا بياء الغائبين، وقد قيل في بعض النسخ بتاء المخاطبين، ووجهه أن النبي صلى الله عليه وسلم كأنه أقبل على الغائبين فخاطبهم.
ويجري هذا مجرى قول عمر الجبلّ يا سارية (1) وهو بالمدينة، وسارية بمصر أو بالشام، فسمعه سارية ولجأ إلى الجبل ونجا هو وأصحابه، والله أعلم.
ويحتمل أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم حاكيًا قولهم.
وقوله وأحسنوا الملأ بفتح الميم والهمزة مقصورًا؛ أي الخُلُق - قاله
(1) أسد الغابة (2/ 306).
صَبَّ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ لِي: اشرَب! فَقُلتُ: لا أَشرَبُ حَتَّى تَشرَبَ يَا رَسُولَ اللهِ! قَالَ: إِنَّ سَاقِيَ القَومِ آخِرُهُم. قَالَ: فَشَرِبتُ، وَشَرِبَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم. قَالَ: فَأَتَى النَّاسُ المَاءَ جَامِّينَ رِوَاءً.
رواه أحمد (5/ 298)، ومسلم (681)، وأبو داود (5228)، وابن ماجه (3434).
[568]
- وعَن عِمرَانَ بنِ حُصَينٍ قَالَ: كُنتُ مَعَ نَبِيِّ الله صلى الله عليه وسلم فِي مَسِيرٍ لَهُ، فَأَدلَجنَا لَيلَتَنَا، حَتَّى إِذَا كَنَا فِي وَجهِ الصُّبحِ عَرَّسنَا، فَغَلَبَتنَا أَعيُنُنَا حَتَّى
ــ
جماعة من اللغويين: أبو زيد، والمفضل، والزجاج، وابن السكيت، وابن قتيبة - وأنشد بعضهم (1):
تنادوا يا لَبُهثَة إذ رَأَونا
…
فقلنا أحسني ملأ جُهينا
أي خلقًا، وروى ابن قتيبة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه حين زجروا الأعرابي البائل في المسجد أحسنوا مَلأَكُم (2)؛ أي خلقكم، ومن روى هذا الحرف مِلأكم ساكنة اللام مهموزة من معنى الامتلاء فقد أخطأ؛ لأنه لم يملأ أحد في هذه النازلة قِربةً ولا وعاءً، وإنما كان شربًا.
وقوله فأتى الناسُ الماءَ جامّين رواءً؛ أي نشاطًا صالحي الأحوال، ورِواء من الرِّيِّ وهو الامتلاء من الماء.
وفي حديث أبي قتادة أوجه من الفقه لا تخفى على متأمل.
وقوله في حديث عمران فأدلجنا ليلتنا؛ أي سرنا ليلتنا كلها، يقال
(1) هو الجهني.
(2)
النهاية (4/ 350).
بَزَغَتِ الشَّمسُ. قَالَ: فَكَانَ أَوَّلَ مَنِ استَيقَظَ مِنَّا أَبُو بَكرٍ، وَكُنَّا لا نُوقِظُ رسول الله صلى الله عليه وسلم مِن مَنَامِهِ إِذَا نَامَ حَتَّى يَستَيقِظَ، ثُمَّ استَيقَظَ عُمَرُ، فَقَامَ عِندَ نَبِيِّ الله صلى الله عليه وسلم فَجَعَلَ يُكَبِّرُ، وَرفَعُ صَوتَهُ حَتَّى استَيقَظَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَلَمَّا رَفَعَ رَأسَهُ وَرَأَى الشَّمسَ قَد بَزَغَت قَالَ: ارتَحِلُوا! فَسَارَ بِنَا حَتَّى إِذَا ابيَضَّتِ الشَّمسُ نَزَلَ فَصَلَّى بِنَا الغَدَاةَ، فَاعتَزَلَ رَجُلٌ مِنَ القَومِ لَم يُصَلِّ مَعَنَا، فَلَمَّا انصَرَفَ قَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: يَا فُلانُ، مَا مَنَعَكَ أَن تُصَلِّيَ مَعَنَا؟ قَالَ: يَا نَبِيَّ الله، أَصَابَتنِي جَنَابَةٌ ولا ماء! فَأَمَرَهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَتَيَمَّمَ بِالصَّعِيدِ فَصَلَّى، ثُمَّ عَجَّلَنِي فِي رَكبٍ بَينَ يَدَيهِ نَطلُبُ المَاءَ وَقَد عَطِشنَا عَطَشًا شَدِيدًا، فَبَينَا نَحنُ نَسِيرُ إِذَا نَحنُ بِامرَأَةٍ سَادِلَةٍ رِجلَيهَا بَينَ مَزَادَتَينِ، فَقُلنَا لَهَا: أَينَ المَاءُ؟ فقَالَت: أَيهَاه أَيهَاه، لا مَاءَ لَكُم! فقُلنَا: فَكَم بَينَ أَهلِكِ
ــ
أَدلَج - بقطع الألف وسكون الدال؛ أي سار الليل كله، يدلج إدلاجًا. وادّلج - بوصل الألف وتشديد الدال: سار من آخره. وقد قيل: هما بمعنى واحد. والتعريس في أصله: النزول من آخر الليل، وقد تقدم. وبزغت الشمس؛ أي: بدأ طلوعها.
وقوله وكنا لا نوقظ رسول الله صلى الله عليه وسلم من منامه، إنما كان ذلك لأنه كان يوحى إليه في النوم، فكان يُخاف أن يكون إيقاظه قطعًا للوحي وتشويشًا له.
وقوله ثم عجَّلني مشدد الجيم؛ أي أمرني بالاستعجال، وأكّده عليّ.
وقوله فإذا نحن بامرأة سادلة رجليها بين مزادتين؛ سادلة أي مرسلة، وكذلك رواية الجماعة. وللعُذَري سابلة بالباء بواحدة، والأول أصوب؛ لأنه لا يقال سَبَلَت، إنما يقال أَسبَلَت. والمزادتان: القربتان، وقيل: المزادة القِربة الكبيرة التي تحمل على الدابة، سُمّيت بذلك لأنه يزاد فيها جلد من غيرها لتكبر.
وقولها أيهاه أيهاه، كذا روي هنا بالهمزة في أولهما وبالهاء في
وَبَينَ المَاءِ؟ قَالَت: مسيرة يَومٍ وَلَيلَةٍ. قُلنَا: انطَلِقِي إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم! قَالَت: وَمَا رَسُولُ اللهِ؟ فَلَم نُمَلِّكهَا مِن أَمرِهَا شَيئًا حَتَّى انطَلَقنَا بِهَا، فَاستَقبَلنَا بِهَا رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَسَأَلَهَا، فَأَخبَرَتهُ مِثلَ الَّذِي أَخبَرَتنَا، وَأَخبَرَتهُ أَنَّهَا مُوتِمَةٌ لَهَا صِبيَانٌ أَيتَامٌ، فَأَمَرَ بِرَاوِيَتِهَا فَأُنِيخَت، فَمَجَّ فِي العَزلاوَينِ العُليَاوَينِ، ثُمَّ
ــ
آخرهما، وتروى بالتاء أيضًا في آخرهما، وهي هيهات المذكورة في قوله تعالى:{هَيهَاتَ هَيهَاتَ لِمَا تُوعَدُونَ} ؛ أبدلت الهاء همزة، ومعناها البعد، والهاء في آخرها للوقف. وقيل: هي مُرَكّبة من هَي للتأسف وهاوه للتأوه، فقلبت الهاء في الوصل تاء ثم حركت بالفتح والضم والكسر، وقد قرئ بها في قوله تعالى:{هَيهَاتَ هَيهَاتَ} وهي اسم من أسماء الأفعال؛ فتارة تقدَّر ببعد كما في قول الشاعر:
فهيهات هيهات العقيقُ وأهلُهُ
…
وهيهات خِلٌّ بالعقيقِ نُواصِلُه
أي: بَعُدَ العقيق وأهله. وتارة تقدر بِبُعدٍ الذي هو المصدر، كما قيل في قوله تعالى:{هَيهَاتَ هَيهَاتَ لِمَا تُوعَدُونَ} ؛ أي: بُعدًا بُعدًا للذي توعدون، هي حكاية عن قول الكفار.
ومؤتِمة - بكسر التاء؛ أي: ذات أيتام. وراويتها هنا الجمل الذي تستقي عليه الماء، وهذه رواية الجماعة، وعند السمرقندي فأمر براويتيها وكأنه أراد المزادتين، وفيه بعد من جهة اللفظ.
وقوله فأنيخت فمج؛ أي طرح من فيه فيهما، ومعناه: وبَزَق فيهما. والعزلاوان قال ابن ولاّد: العَزلاء بالمد عزلاء المزادة؛ وهي مخرج الماء منها. وقال الهروي: هو فوها الأسفل. والذي في الكتاب يشهد لما ذكره ابن ولاّد.
بَعَثَ بِرَاوِيَتِهَا، فَشَرِبنَا وَنَحنُ أَربَعُونَ رَجُلا عِطَاشٌ حَتَّى رَوِينَا، وَمَلأنَا كُلَّ قِربَةٍ مَعَنَا وَإِدَاوَةٍ وَغَسَّلنَا صَاحِبَنَا، غَيرَ أَنَّا لَم نَسقِ بَعِيرًا، وَهِيَ تَكَادُ تَنضَرِجُ مِنَ المَاءِ - يَعنِي المَزَادَتَينِ، ثُمَّ قَالَ: هَاتُوا مَا كان عِندَكُم! فَجَمَعنَا لَهَا مِن كِسَرٍ وَتَمرٍ، وَصَرَّ لَهَا صُرَّةً فَقَالَ لَهَا: اذهَبِي فَأَطعِمِي هَذَا عِيَالَكِ، وَاعلَمِي أَنَّا لَم نَرزَأ مِن مَائِكِ. فَلَمَّا أَتَت أَهلَهَا قَالَت: لَقَد لَقِيتُ أَسحَرَ البَشَرِ، أَو إِنَّهُ لَنَبِيٌّ كَمَا زَعَمَ، كَانَ مِن أَمرِهِ ذَيتَ وَذَيتَ - فَهَدَى الله ذَاكَ الصِّرمَ بِتِلكَ المَرأَةِ، فَأَسلَمَت وَأَسلَمُوا.
وَفِي رِوَايَةٍ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي سَفَرٍ، فَسَرَينَا لَيلَةً، حَتَّى إِذَا كَانَ مِن آخِرِ اللَّيلِ قُبَيلَ الصُّبحِ وَقَعنَا بتِلكَ الوَاقعَةَ الَّتِي لا وَقعَةَ عِندَ المُسَافِرِ أَح لَى مِنهَا، فَمَا أَيقَظَنَا إِلا حَرُّ الشَّمسِ.
وَفِيهَا: فَلَمَّا استِيقَظَ عُمَرُ وَرَأَى مَا أَصَابَ النَّاسَ، وَكَانَ أَجوَفَ
ــ
وقوله وغسَّلنا صاحبنا؛ أي أعطيناه من الماء ما يغتسل به، وهو مشدّد السين.
وقوله وهي تتضّرج من الماء، كذا عند ابن ماهان بتاءين وبـ من، وعند الجماعة تنضرج بالماء، وهي بمعنى واحد؛ أي: تقارب أن تنشق من الامتلاء.
ولم نرزأ؛ أي لم ننقص، ومنه قولهم: ما رزأته زِبالا؛ أي: ما نقصته.
وذَيتَ وذَيتَ؛ أي: كَيتَ وكَيتَ، وهو كناية عن حديث معلوم.
والصِّرم بكسر الصاد، قال يعقوب: هو أبيات مجتمعة.
ولا يخفى ما تضمنه هذا الحديث من الأحكام ومن معجزات النبي صلى الله عليه وسلم، وأن حديث عمران بن حصين نازلة أخرى غير ما تضمنه حديث أبي قتادة.
جَلِيدًا، فَكَبَّرَ وَرَفَعَ صَوتَهُ بِالتَكبِيِر، حَتَى استِيقَظَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم لِشِدَّةِ صَوتِهِ، فَلَمَّا استَيقَظَ رَسُولُ اللهِ شَكَوا إِلَيهِ الَّذِي أَصَابَهُم، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: لا ضَيرَ، ارتَحِلُوا! وَاقتَصَّ الحَدِيثَ.
رواه أحمد (4/ 434)، والبخاري (344)، ومسلم (682).
* * *
ــ
وقوله لا ضير؛ أي: لا ضرر، وقد تقدم في كتاب الإيمان.
* * *