الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَفِي رِوَايَةٍ: كَانَ إِذاَ صَلىَ الفَجرَ جَلَسَ فِي مُصَلَاّهُ حَتَّى تَطلُعَ الشَمسُ حَسَنًا.
رواه أحمد (5/ 91)، ومسلم (670)، وأبو داود (1294).
* * *
(85) باب في الإمامة، ومن أحق بها
[557]
- عَن أَبِي سَعِيدٍ الخُدرِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: إِذَا كَانُوا ثَلاثَةً فَليَؤُمَّهُم أَحَدُهُم،
ــ
الأول. قلت: وهذا فيه نظر، بل يمكن أن يقال: إنهم في ذلك الوقت كانوا يتكلمون؛ لأن الكلام فيه جائز غير ممنوع، إذ لم يرد في ذلك منع، وغاية ما هنالك أن الإقبال في ذلك الوقت على ذكر الله تعالى أفضل وأولى، ولا يلزم من ذلك أن يكون الكلام مطلوبَ التركِ في ذلك الوقت، والله تعالى أعلم.
وقوله حتى تطلع الشمس حسنًا؛ أي طلوعًا حسنًا، فيكون نعتًا لمصدر محذوف، ويعني بذلك أنه كان يستديم الذكر والمقام بمجلسه إلى أن يدخل الوقت الذي تجوز الصلاة فيه.
(85)
ومن باب: الإمامة، ومن أحق بها
قوله إذا كنتم ثلاثة فليؤمكم أكبركم ليس له مفهوم خطاب؛ لأنه إذا كانا اثنين أمَّهما أحدهما كما قال في الحديث حديث مالك بن الحويرث له ولصاحبه: إذا حضرت الصلاة فأذِّنا وأقيما، وليؤمّكما أكبركما. وإنما خصّ الثلاثة بالذكر لأنه سئل عنهم، والله تعالى أعلم.
وَأَحَقُّهُم بِالإِمَامَةِ أَقرَؤُهُم.
رواه أحمد (3/ 24 و 48)، ومسلم (672)، والنسائي (2/ 77).
[558]
- وعَن أَبِي مَسعُودٍ الأَنصَارِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: يَؤُمُّ القَومَ أَقرَؤُهُم لِكِتَابِ الله، فَإِن كَانُوا فِي القِرَاءَةِ سَوَاءً فَأَعلَمُهُم بِالسُّنَّةِ،
ــ
وقوله وأحقهم بالإمامة أقرؤهم؛ أي: أكثرهم قرآنًا، كما قال البخاري من حديث عمرو بن سلمة: ويؤمكم أكثركم قرآنًا (1). ومحمله على أنه إذا اجتمع جماعة صالحون للإمامة فكان أحدهم أكثر قرآنًا كان أحقَّهم بالإمامة للمزية الحاصلة فيه، فلو كانوا قد استظهروا القرآن كله فيرجح من كان أتقنهم قراءة وأضبط لها وأحسن ترتيلا، فهو الأقرأ بالنسبة إلى هؤلاء.
وقوله يؤمّ القوم أقرؤهم لكتاب الله، تمسك بظاهر هذا أبو حنيفة فقال: القارئ أولى من الفقيه. وقال مالك: الفقيه أولى من القارئ؛ لأن الحاجة إلى الفقه أكثر، وهو أعرف بما ينوبه من الحوادث في الصلاة. وتأول أصحاب الحديث بأن الأقرأ فيه هو الأفقه؛ لأن الأقرأ كان عندهم هو الأفقه، لأنهم كانوا يتفقهون في القرآن، وقد كان من عرفهم الغالب تسميتهم الفقهاء بالقراء. قلت: إن صحت غلبة العرف فالقول ما قاله مالك.
وقوله فإن كانوا في القرآن سواء فأعلمهم بالسنة يعتضد به أبو حنيفة لمذهبه من حيث فضّل فيه بين القرآن والسنة، وهذه الزيادة - هنا - انفرد بها الأعمش، ومحملها عندنا وعند الشافعي - والله أعلم - فيمن كان في أول الإسلام عند عدم التفقُّه، فكان المقدَّم القارئ وإن كان صبيًّا على ما جاء في حديث عمرو بن سلمة، فلما تفقه الناس في القرآن والسنة قُدِّم الفقيه، بدليل تقديم النبي صلى الله عليه وسلم أبا بكر لخلافته في الصلاة. وقد نص صلى الله عليه وسلم على أن أقرأهم أُبَيٌّ (2)، فلو
(1) رواه البخاري (4302).
(2)
رواه البخاري (4481).
فَإِن كَانُوا فِي السُّنَّةِ سَوَاءً فَأَقدَمُهُم هِجرَةً، فَإِن كَانُوا فِي الهِجرَةِ سَوَاءً فَأَقدَمُهُم سِلمًا.
ــ
كان الأمر على ما ذهب إليه أبو حنيفة لكان أُبَيٌ أولى بالإمامة في الصلاة.
والسنة المذكورة هي أحاديث السنن عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وفي قوله يؤم القوم أقرؤهم حجة لنا في منع إمامة المرأة للرجال؛ لأن القوم هم الرجال، لأنهم بهم قوام الأمور، وقد قال تعالى:{آمَنُوا لا يَسخَر قَومٌ مِن قَومٍ} وقال: {وَلا نِسَاءٌ مِن نِسَاءٍ} وقال الشاعر (1):
وما أدري وسوف إِخَالُ أدري
…
أقومٌ آلُ حِصنٍ أم نساء؟
فسَمّى الرجالَ قومًا.
وقوله فإن كانوا في السنة سواء فأقدمهم هجرة، هذه الزيادة فيها فضيلة الهجرة، قال الخطابي: وإن كانت الهجرة اليوم قد انقطعت ففضيلتها باقية على أبنائهم، فمن كان من أبنائهم أو كان في آبائه وأسلافه من له سابقةٌ وقِدمٌ في الإسلام فهو مُقَدَّم على غيره.
وقوله فإن كانوا في الهجرة سواء فأقدمهم سِلمًا؛ أي إسلامًا، وهذا لفضيلة السبق إلى الإسلام، كما قال تعالى:{وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ * أُولَئِكَ المُقَرَّبُونَ}
وفي الرواية الأخرى سِنًّا مكان سِلمًا، وهو راجع إلى سبق السن بالإسلام؛ لأن الأكبر سنًّا سبق الأصغر. قال القاضي: وقد روى الزهري في هذا الحديث: فإن استووا في القراءة فأفقههم في دين الله، فإن كانوا في الفقه سواء فأكبرهم سنًّا، فإن كانوا في السن سواء فأصبحهم وجهًا، فإن كانوا في الصباحة والحسن سواء فأكثرهم حسبًا (2). قال بعض العلماء: إنما رتب النبيُّ صلى الله عليه وسلم
(1) هو زهير بن أبي سُلمى.
(2)
ينظر: إكمال إكمال المعلم للأبي (2/ 333).
وَلا يَؤُمَّنَّ الرَّجُلُ الَّرجُلَ فِي سُلطَانِهِ وَلا يَقعُد فِي بَيتِهِ عَلَى تَكرِمَتِهِ إِلا بِإِذنِهِ.
وَفِي رِوَايَةٍ سِنًّا مَكَانَ سِلمًا.
رواه أحمد (4/ 118 و 124). ومسلم (673)(290)، وأبو داود (582)، والترمذي (235)، والنسائي (2/ 76)، وابن ماجه (980).
ــ
الأئمة هذا الترتيب لأنها خلافة النبيِّ صلى الله عليه وسلم؛ إذ هو إمام الناس في الدنيا والآخرة، فهي بعده للأقرب إليه منزلة والأشبه به مرتبة.
وقوله ولا يؤمّن الرجل الرجل في سلطانه؛ أي في موضع سلطنته، وهو ما يملكه أو يتسلط عليه بالتصرف فيه، وفيه حجة على أن الإمام المنصوب من السلطان أو من جعل له الصلاة أحق بالتقديم من غيره حيث كان، قال الخطابي: وهذا في الجمعات والأعياد لتعلقها بالسلاطين، فأما في الصلوات المكتوبات فأعلمهم أولاهم، قال القاضي: وهذا ما لا يوافق عليه، بل الصلاة لصاحب السلطنة حق من حقه وإن حضر أفضل منه. وقد تقدم الأمراء من عهد النبي صلى الله عليه وسلم فمن بعدهم على من تحت أيديهم وفيهم الأفضل، وقد ذكر شيوخنا أن الإمام على الجملة أفضل دون تفصيل في وجه، وحكى الماوردي قولين في الأحق؛ هو أو ربّ المنزل؟ ثم صاحب المنزل أحق من زائره لأنه سلطانه وموضع تدبيره، إلا أن يأذن صاحب المنزل للزائر، ويستحب له إن حضر من هو أفضل منه أن يقدمه.
وقوله ولا يقعد في بيته على تكرمته إلا بإذنه، التكرمة هنا الفراش الذي يقعد عليه، ووجه هذا المنع أنه مبني على منع التصرف في ملك الغير إلا بإذنه، غير أنه خصّ التكرمة بالذكر للتساهل في القعود عليها، وإذا منع القعود فمنع التصرف بنقلها مثلا أو ببيعها أولى.
[559]
وعَن مَالِكِ بنِ الحُوَيرِثِ قَالَ: أَتَينَا رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَنَحنُ شَبَبَةٌ مُتَقَارِبُونَ، فَأَقَمنَا عِندَهُ عِشرِينَ لَيلَةً، وَكَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم رَحِيمًا رَقِيقًا، فَظَنَّ أَنَّا قَدِ اشتَقنَا أَهلَنَا، فَسَأَلَنَا عَمن تَرَكنَا مِن أَهلِنَا فَأَخبَرنَاهُ، فَقَالَ: ارجِعُوا إِلَى أَهلِيكُم فَأَقِيمُوا فِيهِم وَعَلِّمُوهُم وَمُرُوهُم، فَإِذَا حَضَرَتِ الصَّلاةُ فَليُؤَذِّن لَكُم أَحَدُكُم ثُمَّ لِيَؤُمَّكُم أَكبَرُكُم.
رواه البخاري (6008)، ومسلم (674)(292)، وأبو داود (589)، والترمذي (205)، والنسائي (2/ 77).
[560]
- وعَنهُ قَالَ: أَتَيتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَنَا وَصَاحِبٌ لِي، فَلَمَّا أَرَدنَا الإِقفَالَ مِن عِندِهِ قَالَ لَنَا: إِذَا حَضَرَتِ الصَّلاةُ فَأَذِّنَا ثُمَّ أَقِيمَا،
ــ
وقول مالك بن الحويرث أتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن شَبَبَةٌ متقاربون، وفي الرواية الأخرى أتيت النبي صلى الله عليه وسلم أنا وصاحب لي - يحتمل أن يكون في وفادتين أو في وفادة واحدة، غير أن ذلك الفعل تكرر منه ومن النبي صلى الله عليه وسلم على ما ذكر، والله أعلم.
والإقفال: الرجوع من السفر. ومصروفه ثلاثي؛ يقال: قَفَلَت، فهي قافلة، وقفل الجند من مبعثهم؛ أي: رجعوا. ومصدره: القفول، كالدخول والخروج. ويحتمل أن يكون هذا مُعَدَّى قفل، ويكون معناه: فلما أردنا أن يُقفلنا هو، والله أعلم.
وقوله فأذِّنا وأقيما يدل على تأكد الأذان والإقامة، وإن لم يكن في المساجد بل في السفر، وكافة العلماء على استحباب الأذان للمسافر إلا عطاء، فإنه قال: إذا لم يؤذن ولم يقم أعاد الصلاة. وحكى الطبري عن مالك في المسافر أنه يعيد إذا ترك الأذان، ومشهور مذهبه الاستحباب، ويوصى به على المسافر قال داود.