الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(43) باب التطبيق في الركوع وما ثبت من نسخه
[426]
- عَنِ الأَسوَدِ وَعَلقَمَةَ، قَالا: أَتَينَا عبد الله بنَ مَسعُودٍ فِي دَارِهِ فَقَالَ: أَصَلَّى هَؤُلاءِ خَلفَكُم؟ فَقُلنَا: لا. قَالَ: فَقُومُوا فَصَلُّوا، فَلَم يَأمُرنَا بِأَذَانٍ وَلا إِقَامَةٍ.
قَالَ: وَذَهَبنَا لِنَقُومَ خَلفَهُ فَأَخَذَ بِأَيدِينَا، فَجَعَلَ أَحَدَنَا عَن يَمِينِهِ وَالآخَرَ عَن شِمَالِهِ، قَالَ: فَلَمَّا رَكَعَ وَضَعنَا أَيدِيَنَا عَلَى رُكَبِنَا قَالَ: فَضَرَبَ
ــ
(43)
ومن باب: التطبيق
قوله: أصلى هؤلاء خلفكم؟ هذه الإشارة إلى الأمراء؛ عاب عليهم تأخيرها عن وقتها المستحب، ويدل عليه آخر الحديث. وخلفكم: إشارة إلى موضعهم، فكأنه قال: الذين خلفكم، ولم يرد به أنهم أئمتهم؛ إذ قد صلى بهم عبد الله رضي الله عنه.
وقوله: فلم يأمرنا بأذان ولا إقامة: اختلف في صلاة الرجل وحده أو في بيته، فذهب بعض السلف من أصحاب ابن مسعود وغيرهم إلى أنه تجزئه إقامة أهل المصر وأذانهم. وذهب عامة فقهاء الأمصار إلى أنه لا بدّ له من إقامة الصلاة، ولا تجزئه إقامة أهل المصر، ولا يؤذن. واستحب ابن المنذر أن يؤذن ويقيم.
وقوله: وذهبنا لنقوم خلفه، فأخذ بأيدينا، فجعل أحدنا عن يمينه، والآخر عن شماله؛ هذه الكيفية هي مذهب ابن مسعود، والجمهور: على أنهما يقومان خلفه، وسيأتي حديث ابن عباس حيث أقامه النبي صلى الله عليه وسلم وجابر بن عبد الله
أَيدِيَنَا، وَطَبَّقَ بَينَ كَفَّيهِ، ثُمَّ أَدخَلَهُمَا بَينَ فَخِذَيهِ، قال: فَلَمَّا صَلَّى قَالَ: إِنَّهُ سَتَكُونُ عَلَيكُم أُمَرَاءُ يُؤَخِّرُونَ الصَّلاةَ عَن مِيقَاتِهَا، وَيَخنُقُونَهَا إِلَى شَرَقِ المَوتَى،
ــ
خلفه (1)، ولا خلاف أنهم إذا كانوا ثلاثة قاموا خلفه، فإن كان واحدًا قام عن يمينه على مذهب كافة العلماء، وحكي عن ابن المسيب أنه يقوم عن شماله؛ بحديث صلاة النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر في مرضه، على ما تقدم. وما ذكر من تشبيك اليدين وتطبيقهما بين الفخذين هو مذهب ابن مسعود وأصحابه خاصة، وهو صحيح من فعل النبي صلى الله عليه وسلم، إلا أنه منسوخ كما ذكر في حديث سعد بن أبي وقاص، ولم يبلغ ابن مسعود نسخه، والله أعلم. وعلى نسخ التطبيق كافة العلماء غير من ذكر.
وقوله: سيكون عليكم أمراء يؤخرون الصلاة: هذا وقع في بني أمية. وكذلك أخّر عمر بن عبد العزيز العصر، فدخل عليه عروة بن الزبير، فأنكر عليه، وهذا الحديث من أدلة نبوة النبي صلى الله عليه وسلم؛ إذ قد أخبر عن شيء من الغيب، فوقع على نحو ما أخبر، وكأن بني أمية كانوا قد ذهبوا إلى أن تأخير الصلاة إلى آخر وقت توسعتها أفضل، كما هو قياس قول أبي حنيفة حيث قال: إن آخر الوقت هو وقت الوجوب (2).
وقوله: يخنقونها إلى شرق الموتى؛ أي: يضيِّقون وقتها، ويتركون أداءها إلى ذلك الحين، يقال: هم في خناق من كذا؛ أي: في ضيق منه. قال
(1) سيأتي في التلخيص برقم (642).
(2)
يرى الأحنافُ أن التعجيل في أول الوقت هو المستحب في صلاتي الفجر والمغرب، أمّا صلاة الظهر فيستحبّ تأخيرها حتى تنكسر حدّة الشمس، وكذا صلاة العصر بحيث لا تؤثر إلى تغيّر قرص الشمس، والعشاء يستحب تأخيرها الى قبل ثلث الليل. انظر: فتح القدير لابن الهمام (1/ 158).
فَإِذَا رَأَيتُمُوهُم قَد فَعَلُوا ذَلِكَ فَصَلُّوا الصَّلاةَ لِمِيقَاتِهَا، وَاجعَلُوا صَلاتَكُم مَعَهُم سُبحَةً، وَإِذَا كُنتُم ثَلاثَةً فَصَلُّوا جَمِيعًا، وَإِذَا كُنتُم أَكثَرَ مِن ذَلِكَ فَليَؤُمَّكُم أَحَدُكُم، وَإِذَا رَكَعَ أَحَدُكُم فَليُفرِش ذِرَاعَيهِ على فَخِذَيهِ، وَليَحنِ وَليُطَبِّق بَينَ كَفَّيهِ. فَكَأَنِّي أَنظُرُ إِلَى اختِلافِ أَصَابِعِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم.
وَفي رِوَايَةٍ: وَهُوَ رَاكِعٌ فَأَرَاهُم.
وَفِي أُخرى: فَلَمَّا صَلَّى قَالَ: هَكَذَا فَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم.
رواه مسلم (534)، والنسائي (2/ 184).
[427]
- وَعَن مُصعَبِ بنِ سَعدٍ، قَالَ: صَلَّيتُ إِلَى جَنبِ أَبِي، قَالَ: وَجَعَلتُ يَدَيَّ بَينَ رُكبَتَيَّ. فَقَالَ لِي أَبِي: اضرِب بِكَفَّيكَ عَلَى رُكبَتَيكَ.
ــ
أبو عبيد: سأل الحسن بن محمد ابن الحنفية عن هذا الحديث؟ فقال: ألم تر إلى الشمس إذا ارتفعت عن الحيطان، وصارت بين القبور وكأنها لُجَّة، فذلك شرق الموتى. وقال الهروي في تفسير شرق الموتى: قال ابن الأعرابي: فيه معنيان:
أحدهما: أن الشمس في ذلك الوقت إنما تثبت ساعة، ثم تغيب، فشبّه قلّة ما بقي من الوقت ببقاء تلك الساعة.
والثاني: شرق الميت بريقه، فشبّه قلّة ما بقي من الوقت بما بقي من حياة من شرق بريقه، حتى تخرج روحه، وقيل: شرق الموتى: إذا ارتفعت الشمس، وقيل: هو اصفرار الشمس قبل غروبها.
وقوله: واجعلوا صلاتكم معهم سبحة؛ أي: نافلة. وهذا لما يُخشى من أذاهم، ومن المخالفة عليهم.
وقوله: وَليَحنُ رواية العذري بضم النون، من: حَنَوتُ العود؛ إذا عطفته. ورواية أكثر الشيوخ: وليحنِ بكسر النون، من: حَنَيتُ العود، وهما
قَالَ: ثُمَّ فَعَلتُ ذَلِكَ مَرَّةً أُخرَى، فَضَرَبَ يَدَيَّ وَقَالَ: إِنَّا نُهِينَا عَن هَذَا وَأُمِرنَا أَن نَضرِبَ بِالأَكُفِّ عَلَى الرُّكَبِ.
وَفي رِوَايةٍ: فَقُلتُ بَيَدِيَّ هَكَذَا، يَعنِي طَبَقَ بهما وَوَضَعهُمَا بَينَ فَخذَيهِ، فَقَالَ أَبِي: قَد كُنَّا نَفعَلُ هَذَا، ثُمَّ أُمِرنَا بالرُّكَبِ.
وَفِي أُخرَى: ثُمَّ أُمِرنَا أَن نَرفَعَ إِلَى الرُّكَبِ.
رواه مسلم (535)، والنسائي (2/ 185).
* * *
ــ
لغتان. وعند الطبري: فَليَجنَأ بالجيم، وفتح النون، وبهمز آخره، وكلها صحيح. والمراد به الانحناء في الركوع؛ وهو تَعَقُّفُ الصُّلب، يقال: حنا على الشيء يحنو حُنُوًا بالحاء، وجَنَأَ يَجنَأُ جناء وجُنُوءًا بالجيم والهمز: إذا فعل ذلك. وأصل الركوع في لغة العرب: الخضوع والذِّلَّة؛ قال شاعرهم:
لا تعادِ الفقيرَ علّك أن
…
تركع يومًا والدهر قد رفعه
ثم هو في الشرع: عبارة عن التذلل بالانحناء، وأقلُّه عندنا تمكين وضع اليدين على الركبتين منحنيًا، وهو الواجب. وهل الطمأنينة واجبة، أو ليست بواجبة؟ قولان، وعند أبي حنيفة: الواجب منه أقلّ ما يطلق عليه اسم المنحني.
والحديث الصحيح يردّ عليه، على ما يأتي إن شاء الله تعالى.
* * *