المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(19) باب زيارة القبور والتسليم عليها، والدعاء والاستغفار للموتى - المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم - جـ ٢

[أبو العباس القرطبي]

فهرس الكتاب

- ‌(3) كتاب الصلاة

- ‌(1) باب ما جاء في الأذان والإقامة

- ‌(2) باب الأذان أمان من الغارة، وما جاء في اتخاذ مُؤذِّنَينِ

- ‌(3) باب إذا سَمِعَ المؤذن قال مثل ما قال، وفضل ذلك، وما يقول بعد الأذان

- ‌(4) باب فضل الأذان وما يُصيب الشيطان عنده

- ‌(5) باب رفع اليدين في الصلاة، ومتى يرفعهما؟ وإلى أين

- ‌(6) باب التكبير في الصلاة

- ‌(7) باب ما جاء في القراءة في الصلاة وبيان أركانها

- ‌(8) باب ترك قراءة بِسمِ اللَّهِ الرَّحمَنِ الرَّحِيمِ في الصلاة

- ‌(9) باب حجة من قال: البسملة آية من أول كل سورة سوى براءة

- ‌(10) باب التَّشَهُّد في الصلاة

- ‌(11) باب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌(12) باب التَّحمِيد والتَّأمِين

- ‌(13) باب إنما جُعِلَ الإمام لِيُؤتَمَّ به

- ‌(14) باب استخلاف الإمام إذا مرض، وجواز ائتمام القائم بالقاعد

- ‌(15) باب العمل القليل في الصلاة لا يضرها

- ‌(16) باب إذا نَابَ الإمامَ شيءٌ فَليُسَبِّح الرجالُ وَليُصَفِّق النساءُ

- ‌(17) باب الأمر بتحسين الصلاة، والنهي عن مسابقة الإمام

- ‌(18) باب النهي عن رفع الرأس قبل الإمام، وعن رفع البصر إلى السماء في الصلاة، والأمر بالسكون فيها

- ‌(19) باب الأمر بتسوية الصفوف، ومن يلي الإمام

- ‌(20) باب في صفوف النساء وخروجهن إلى المساجد

- ‌(21) باب في قوله تعالى: {وَلا تَجهَر بِصَلاتِكَ وَلا تُخَافِت بِهَا}

- ‌(22) باب القراءة في الظهر والعصر

- ‌(23) باب القراءة في الصبح

- ‌(24) باب القراءة في المغرب والعشاء

- ‌(25) باب أمر الأئمة بالتخفيف في تمام

- ‌(26) باب في اعتدال الصلاة وتقارب أركانها

- ‌(27) باب اتباع الإمام والعمل بعده

- ‌(28) باب ما يقول إذا رفع رأسه من الركوع

- ‌(29) باب النهي عن القراءة في الركوع والسجود

- ‌(30) باب ما يقال في الركوع والسجود

- ‌(31) باب الترغيب في كثرة السجود، وعلى كم يسجد؟ وفيمن صلى معقوص الشعر

- ‌(32) باب كيفية السجود

- ‌(33) باب تحريمُ الصلاةِ التكبيرُ، وتحليلُها التسليمُ

- ‌(34) باب في سترة المصلي وأحكامها

- ‌(35) باب مَنع المصلي مَن مَرَّ بين يديه، والتَّغليِظ في المرور بين يدي المصلي

- ‌(36) باب دنو المصلي من سترته وما جاء فيما يقطع الصلاة

- ‌(37) باب اعتراض المرأة بين يدي المصلي لا يقطع الصلاة

- ‌(38) باب الصلاة بالثوب الواحد على الحصير

- ‌(39) باب أول مسجد وضع في الأرض، وما جاء أن الأرض كلها مسجد

- ‌(40) باب ابتناء مسجد النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌(41) باب تحويل القبلة من الشام إلى الكعبة، والنهي عن بناء المساجد على القبور وعن التصاوير فيها

- ‌(42) باب ثواب من بَنَى للهِ مسجدًا

- ‌(43) باب التطبيق في الركوع وما ثبت من نسخه

- ‌(44) باب [جواز الإقعاء على العقبين]

- ‌(45) باب نسخ الكلام في الصلاة

- ‌(46) باب جواز الإشارة بالسلام في الصلاة، ولعن الشيطان

- ‌(47) باب جواز حمل الصغير في الصلاة، وجواز التقدم والتأخر، ومن صلى على موضع أرفع من موضع المأموم

- ‌(48) باب النهي عن الاختصار في الصلاة، وما يجوز من مس الحصى فيها، وما جاء في البصاق في المسجد

- ‌(49) باب الصلاة في النعلين والثوب المعلم وبحضرة الطعام

- ‌(50) باب النهي عن إتيان المساجد لمن أكل الثوم أو البصل، وإخراج من وُجد منه ريحها من المسجد

- ‌(51) باب النهي عن أن تنشد الضالَّة في المسجد

- ‌(52) باب الأمر بسجود السهو، وما جاء فيمن سها عن الجلسة الوسطى

- ‌(53) باب فيمن لم يّدرِ كم صلى

- ‌(54) باب فيمن سلَّم من اثنتين أو ثلاث

- ‌(55) باب ما جاء في سجود القرآن

- ‌(56) باب كيفية الجلوس للتشهد

- ‌(57) باب كم يسلم من الصلاة، وبأي شيء كان يعرف انقضاء صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌(58) باب الاستعاذة في الصلاة من عذاب القبر وغيره

- ‌(59) باب قدر ما يقعد الإمام بعد السلام وما يقال بعده

- ‌(60) باب السكوت بين التكبير والقراءة في الركعة الأولى وما يقال فيه

- ‌(61) باب فضل التحميد في الصلاة

- ‌(62) باب إتيان الصلاة بالسكينة، ومتى تقام؟ ومتى يقام لها؟ وإتمام المسبوق

- ‌(63) باب من أدرك ركعة من فعل الصلاة أو وقتها فقد أدركها

- ‌(64) باب إذا ذكر الإمام أنه مُحدِث خرج فأمرهم بانتظاره

- ‌(65) باب أَوقَات الصَّلَوَاتِ

- ‌(66) باب الإبراد بالظهر في شدة الحر

- ‌(67) باب تعجيل الظهر بعد الإبراد وفي زمن البرد

- ‌(68) باب تعجيل صلاة العصر

- ‌(69) باب ما جاء في الصلاة الوسطى

- ‌(70) باب من فاتته صلوات كيف يقضيها

- ‌(71) باب المحافظة على الصبح والعصر

- ‌(72) باب تعجيل صلاة المغرب

- ‌(73) باب تأخير العشاء الآخرة

- ‌(74) باب التغليس بصلاة الصبح

- ‌(75) باب المنع من إخراج الصلاة عن وقتها

- ‌(76) باب صلاة الفذ جائزة، والجماعة أفضل

- ‌(77) باب التغليظ في التخلف عن الجماعة والجمعة

- ‌(78) باب النهي عن الخروج من المسجد بعد الأذان، وفضل العشاء والصبح في جماعة

- ‌(79) باب الرخصة في التخلف عن الجماعة للعذر

- ‌(80) باب صلاة النفل في جماعة، والصلاة على البسط وإن عتقت وامتهنت

- ‌(81) باب فضل انتظار الصلاة في المسجد

- ‌(82) باب من كانت داره عن المسجد أبعد كان ثوابه في إتيانه أكثر

- ‌(83) باب المشي إلى الصلاة تمحى به الخطايا وترفع به الدرجات

- ‌(84) باب الجلوس في المصلى بعد صلاة الصبح

- ‌(85) باب في الإمامة، ومن أحق بها

- ‌(86) باب ما جاء في القنوت والدعاء للمُعَيَّنِ وعليه في الصلاة

- ‌(87) باب من نام عن صلاة أو نسيها

- ‌(88) باب من نام عن صلاة الصبح حتى طلعت الشمس فله أن يؤذن إذا كان في جماعة، ويصلي ركعتي الفجر

- ‌(89) باب ما جاء في حكم قَصرِ الصلاة في السفر

- ‌(90) باب من أين يبدأ بالقصر إذا خرج من وطنه، واستمراره على القصر ما لم ينو إقامة

- ‌(91) باب قَصر الصلاة بِمنىً

- ‌(92) باب جواز التخلف عن صلاة الجماعة والجمعة لعذر المطر

- ‌(93) باب التنفل والوتر على الراحلة في السفر

- ‌(94) باب الجمع بين الصلاتين في السفر والحضر

- ‌(95) باب الانصراف من الصلاة عن اليمين والشمال

- ‌(96) باب إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة

- ‌(97) باب ما يقول عند دخول المسجد، والأمر بِتحيَّتِهِ

- ‌(98) باب في صلاة الضحى

- ‌(99) باب الوصية بالضحى وأقله ركعتان

- ‌(100) باب ما جاء في ركعتي الفجر

- ‌(101) باب رواتب الفرائض وفضلها

- ‌(102) باب في صلاة النفل قائمًا وقاعدًا

- ‌(103) باب كيف صلاة الليل وكم عددها

- ‌(104) باب في صلاة الوتر

- ‌(105) باب فيمن غلب عن حزبه، وفيمن خاف أن يغلب عن وتره، وفضل طول القنوت وآخر الليل

- ‌(106) باب الترغيب في قيام رمضان وليلة القدر وكيفية القيام

- ‌(107) باب في كيفية صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم بالليل، وتَبَتُّلِه ودُعَائِهِ

- ‌(108) باب ترتيل القراءة والجهر بها في صلاة الليل وتطويلها

- ‌(109) باب استغراق الليل بالنوم من آثار الشيطان

- ‌(110) باب أفضل النوافل ما صُلِّي في البيت

- ‌(111) باب أَحَبُّ العمل إلى الله أَدوَمُهُ وإن قَلَّ، وكراهية التَّعَمُّقِ والتشديد

- ‌أبواب فضائل القرآن وما يتعلق بها

- ‌(112) باب الأمر بِتَعاهُدِ القرآن، وذَمِّ من فرط فيه حتى نسي

- ‌(113) باب تحسين الصوت بالقراءة والترجيع فيها

- ‌(114) باب إقراء النبي صلى الله عليه وسلم القرآن وتعليمه كيفية الأداء

- ‌(115) باب فضل تعلُّم القرآن وقراءته وفضل سورة البقرة وآل عمران

- ‌(116) باب فضل فاتحة الكتاب وآية الكرسي وخواتيم سورة البقرة

- ‌(117) باب فضل سورة الكهف، وتنزل السكينة عند قراءتها

- ‌(118) باب فضل قراءة {قُل هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ}

- ‌(119) باب فضل قراءة المعوذتين

- ‌(120) باب لا حسد إلا في اثنتين، ومن يرفع بالقرآن

- ‌(121) باب إنزال القرآن على سبعة أحرف

- ‌(122) باب قراءة سورتين في ركعة من النوافل

- ‌(123) باب الأوقات التي نهي عن الصلاة فيها

- ‌(124) باب في الركعتين بعد العصر

- ‌(125) باب الركوع بعد الغروب وقبل المغرب

- ‌(126) باب صلاة الخوف

- ‌(4) كتاب الجمعة

- ‌(1) باب فضل الغسل للجمعة وتأكيده، ومن اقتصر على الوضوء أجزأه

- ‌(2) باب فضل يوم الجمعة، والساعة التي فيه

- ‌(3) باب فضل التهجير للجمعة ووقتها

- ‌(4) باب الإنصات للخطبة وفضله

- ‌(5) باب الخطبة، والقيام لها، والجلوس بين الخطبتين، والإشارة باليد

- ‌(6) باب ما يقال في الخطبة ورفع الصوت بها

- ‌(7) باب ركوع من دخل والإمام يخطب، والتعليم في حالة الخطبة

- ‌(8) باب ما يُقرَأُ به في صلاة الجمعة، وفي صبح يومها

- ‌(9) باب ما جاء في التنفل بعد الجمعة

- ‌(10) باب التغليظ في ترك الجمعة

- ‌(5) أبواب صلاة العيدين

- ‌(1) باب الخروج إلى المصلى في العيدين، وخروج النساء

- ‌(2) باب لا صلاة قبل صلاة العيدين في المصلى، ولا أذان ولا إقامة

- ‌(3) باب الصلاة فيهما قبل الخطبة

- ‌(4) باب ما يقال في الخطبة

- ‌(5) باب ما يقرأ في صلاة العيدين

- ‌(6) باب الفرح واللعب في أيام الأعياد

- ‌(6) أبواب الاستسقاء

- ‌(1) باب الخروج إلى المصلى لصلاة الاستسقاء، وكيفية العمل فيها

- ‌(2) باب الدعاء في السُّقيَا في المسجد وبغير صلاة

- ‌(3) باب التبرك بالمطر، والفرح به، والتعوُّذ عند الريح والغيم

- ‌(7) أبواب كسوف الشمس والقمر

- ‌(1) باب الأمر بالصلاة والذكر والصدقة عند الكسوف

- ‌(2) باب كيفية العمل فيها، وأنها ركوعان في كل ركعة

- ‌(3) باب ما جاء أن في كل ركعة ثلاث ركعات

- ‌(4) باب ما جاء أن في كل ركعة أربع ركعات

- ‌(5) باب يطول سجودها كما يطول ركوعها

- ‌(6) باب ما جاء أن صلاة الكسوف ركعتان كسائر النوافل

- ‌(7) باب شهود النساء صلاة الكسوف

- ‌(8) كتاب الجنائز

- ‌(1) باب تلقين الموتى، وما يقال عند المصيبة، وعند حضور المرضى والموتى

- ‌(2) باب في إغماض الميت، والدعاء له

- ‌(3) باب ما جاء في البكاء على الميت، وعنده

- ‌(4) باب في عيادة المريض، والصبر عند الصدمة الأولى

- ‌(5) باب ما جاء أن الميت ليعذبُ ببكاءِ الحَيِّ عليه

- ‌(6) باب التشديد في النياحة، وما جاء في اتباع الجنائز

- ‌(7) باب الأمر بغسل الميت وكيفيته

- ‌(8) باب في تكفين الميت وتسجيته، والأمر بتحسين الكفن

- ‌(9) باب الإسراع بالجنازة، وفضل الصلاة عليها، واتباعها

- ‌(10) باب الاستشفاع للميت، وأن الثناء عليه شهادة له، وأنه مستريح ومستراح منه

- ‌(11) باب الأمر بالصلاة على الميت، وكيفية الصلاة عليه، وكم التكبيرات

- ‌(12) باب الدعاء للميت، وأين يقوم الإمام من المرأة

- ‌(13) باب ما جاء في الصلاة على القبر

- ‌(14) باب الأمر بالقيام للجنازة ونسخه

- ‌(15) باب ركوب المتبع للجنازة إذا انصرف منها

- ‌(16) باب في كيفية القبور وكراهية تجصيصها والبناء عليها، وهل يجعل في القبر شيء

- ‌(17) باب النهي عن الجلوس على القبور والصلاة إليها

- ‌(18) باب الصلاة على الميت في المسجد

- ‌(19) باب زيارة القبور والتسليم عليها، والدعاء والاستغفار للموتى

- ‌(20) باب من لا يصلى عليه

- ‌(21) باب النهي عن تمني الموت لضر نزل به

- ‌(22) باب من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه

الفصل: ‌(19) باب زيارة القبور والتسليم عليها، والدعاء والاستغفار للموتى

(19) باب زيارة القبور والتسليم عليها، والدعاء والاستغفار للموتى

[840]

- عَنِ بُرَيدَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: نَهَيتُكُم عَن زِيَارَةِ القُبُورِ فَزُورُوهَا، وَنَهَيتُكُم عَن لُحُومِ الأَضَاحِيِّ فَوقَ ثَلاثٍ فَأَمسِكُوا مَا بَدَا لَكُم، وَنَهَيتُكُم عَنِ النَّبِيذِ إِلا فِي سِقَاءٍ فَاشرَبُوا فِي الأَسقِيَةِ كُلِّهَا وَلا تَشرَبُوا مُسكِرًا.

رواه أحمد (5/ 350)، ومسلم (977)، والنسائي (8/ 310 - 311).

[841]

- وَعَن أَبِي هُرَيرَةَ قَالَ: زَارَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَبرَ أُمِّهِ فَبَكَى،

ــ

قلت: وظاهره أنهن صلَّين عليه صلاة أخرى، وفيه دليل (1) لمن قال بجواز إعادة الصلاة على الميت كما تقدَّم.

(19)

ومن باب: زيارة القبور

قوله فزوروها نصٌّ في النسخ للمنع المتقدم، لكن اختلف العلماء هل هذا النسخ عام للرجال وللنساء أم هو خاص للرجال دون النساء (2)؟ والأول أظهر، وقد دلّ على صحة ذلك أنه صلى الله عليه وسلم قد رأى امرأة تبكي عند قبر فلم ينكر عليها الزيارة، وإنما أنكر عليها البكاء كما تقدّم.

(1) في (هـ) و (ظ): حجة.

(2)

في (هـ): أم هو خاص بالرجال، وبقي حكم النساء على المنع.

ص: 632

فأَبكَى مَن حَولَهُ، فَقَالَ: استَأذَنتُ رَبِّي فِي أَن أَستَغفِرَ لَهَا فَلَم يُؤذَن لِي، وَاستَأذَنتُهُ فِي أَن أَزُورَ قَبرَهَا فَأُذِنَ لِي، فَزُورُوا القُبُورَ فَإِنَّهَا تُذَكِّرُ المَوتَ.

رواه أحمد (2/ 141)، ومسلم (976)(108)، وأبو داود (3234)، والنسائي (4/ 90)، وابن ماجه (1572).

ــ

وقوله في الحديث الآتي زوروا القبور فإنها تُذَكِّر الموت، وتذَكُّر الموت يحتاج إليه الرجال والنساء، على أن أصحّ ما في نهي النساء عن زيارة القبور ما خرّجه الترمذي عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لعن زوَّارات القبور (1)، صححه الترمذي، على أن في إسناده عمر بن أبي سلمة وهو ضعيف عندهم. ثم إن هذا اللعن إنما هو للمكثرات من الزيارة؛ لأن زوارات للمبالغة، ويمكن أن يقال: إن النساء إنما يُمنَعن من إكثار الزيارة لما يؤدي إليه الإكثار من تضييع حقوق الزوج والتبرج والشهرة والتشبه بمن يلازم القبور لتعظيمها، ولما يخاف عليها من الصراخ وغير ذلك من المفاسد، وعلى هذا يفرِّق بين الزائرات والزوارات.

والصحيح نسخ المنع عن الرجال والنساء كما تقدم، والله تعالى أعلم.

وسيأتي القول على نسخ منع ادخار لحوم الأضاحي، ومنع الانتباذ في الحنتم والدُّباء والمزفت في بابهما.

وقد زاد مالك في هذا الحديث لا تقولوا هُجرًا (2)، وهو الفحش من القول كالنوح والترنم به وغير ذلك، وبكاؤه صلى الله عليه وسلم على قبر أمه إنما كان لما فاتها من أيامه ومن الإيمان به.

وقوله فاستأذنته في أن أستغفر لها فلم يُؤذَن لي يحتمل أن يكون هذا

(1) رواه الترمذي (1056).

(2)

رواه مالك في الموطأ (2/ 485)، والحاكم (1/ 376).

ص: 633

[842]

- وعَن عَائِشَةَ: أَلا أُحَدِّثُكُم عَنِّي وَعَن رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم؟ قُلنَا: بَلَىَ. قَالَت: لَمَّا كَانَت لَيلَتِي الَّتِي كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِيهَا عِندِي انقَلَبَ فَوَضَعَ رِدَاءَهُ، وَخَلَعَ نَعلَيهِ فَوَضَعَهُمَا عِندَ رِجلَيهِ، وَبَسَطَ طَرَفَ إِزَارِهِ عَلَى فِرَاشِهِ فَاضطَجَعَ، فَلَم يَلبَث إِلا رَيثَمَا ظَنَّ أَن قَد رَقَدتُ، فَأَخَذَ رِدَاءَهُ رُوَيدًا، وَانتَعَلَ رُوَيدًا، وَفَتَحَ البَابَ رُوَيدًا فَخَرَجَ، ثُمَّ أَجَافَهُ رُوَيدًا، فَجَعَلتُ دِرعِي فِي رَأسِي وَاختَمَرتُ وَتَقَنَّعتُ إِزَارِي، ثُمَّ انطَلَقتُ عَلَى إِثرِهِ، حَتَّى جَاءَ البَقِيعَ فَقَامَ فَأَطَالَ القِيَامَ، ثُمَّ رَفَعَ يَدَيهِ ثَلاثَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ انحَرَفَ فَانحَرَفتُ، فَأَسرَعَ وَأَسرَعتُ، فَهَروَلَ فَهَروَلتُ، فَأَحضَرَ فَأَحضَرتُ، فَسَبَقتُهُ فَدَخَلتُ، فَلَيسَ إِلا

ــ

الاستئذان قبل نزول قوله تعالى: {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَن يَستَغفِرُوا لِلمُشرِكِينَ وَلَو كَانُوا أُولِي قُربَى} ويحتمل أن يكون بعد ذلك وارتجى خصوصية أمّه بذلك، والله تعالى أعلم.

وهذا التأويل الثاني أولى.

وقول عائشة فلم يلبث إلا ريثما ظن أني قد رقَدتُ؛ أي مقدار ذلك، ورويدًا أي مترفقًا متمهلا لئلا ينبهها، وهو مصدر في موضع الحال.

وقولها ثم أجافه رويدًا؛ أي أغلقه بلطف لئلا تعلم بخروجه وبقائها في الليل وحدها فتستوحش وتذعر، وظاهر خروجها خلفه إنما كان لأنها ظنت خروجه إلى بعض أزواجه.

والبقيع: هو بقيع الغرقد، وهو مدفن أهل المدينة (1)، والغرقد: شجر العَوسَج. ومعنى انحرف مال للرجوع، والهرولة فوق الإسراع، والإحضار فوق الهرولة، وكلها مراتب الجري.

(1) ساقط من (هـ).

ص: 634

أَنِ اضطَجَعتُ فَدَخَلَ، فَقَالَ: مَا لَكِ يَا عَائِشُ حَشيَا رَابِيَةً؟ ! قَالَت: قُلتُ: لا بِي شَيء. قَالَ: أتُخبِرِينِي أَو لَيُخبِرَنِّي اللَّطِيفُ الخَبِيرُ؟ قَالَت: قُلتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، بِأَبِي أَنتَ وَأُمِّي! فَأَخبَرتُهُ، قَالَ: فَأَنتِ السَّوَادُ الَّذِي رَأَيتُهُ أَمَامِي؟ قُلتُ: نَعَم. فَلَهَدَنِي فِي صَدرِي لَهدَةً أَوجَعَتنِي، ثُمَّ قَالَ: أَظَنَنتِ أَن يَحِيفَ اللهُ عَلَيكِ وَرَسُولُهُ؟ قَالَت: مَهمَا يَكتُمِ النَّاسُ يَعلَمهُ اللهُ. قَالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم: فَإِنَّ جِبرِيلَ عليه السلام أَتَانِي حِينَ رَأَيتِ فَنَادَانِي، فَأَخفَاهُ مِنكِ، فَأَجَبتُهُ، فَأَخفَيتُهُ مِنكِ، وَلَم يَكُن يَدخُلُ عَلَيكِ وَقَد وَضَعتِ ثِيَابَكِ، وَظَنَنتُ أَن قَد رَقَدتِ فَكَرِهتُ أَن أُوقِظَكِ، وَخَشِيتُ أَن تَستَوحِشِي، فَقَالَ: إِنَّ رَبَّكَ يَأمُرُكَ أَن تَأتِيَ أَهلَ البَقِيعِ فَتَستَغفِرَ لَهُم! قَالَت: قُلتُ: كَيفَ أَقُولُ

ــ

وقوله ما لك يا عائش حشيا رابية؟ ، عائش: منادى مرخَّم، وحشيا رابية: وقع بها الربو، وهو البُهر الذي يلحق من الجري. قال الهروي: يقال منه امرأة حشيا وحشية، ورجل حشيان وحشٍ.

وقولها في جوابها لا بي شيء قيّد الأسدي هذا الحرف لأيِّ شيء؟ بالياء باثنتين وخفض شيء على الاستفهام تغطية لحالها، كأنها تقول: لأيِّ شيء تسأل؟ ورواه العذري لا بي شيء بالباء الواحدة ورفع شيء على أن تكون لا بمعنى ليس؛ أي: ليس بي شيء - وهي روايتنا، وفي بعض النسخ لا شيء، وهي أقربها.

والسواد: الشخص. ولَهَدَني: ضربني ودفعني. قال ابن القوطية: لَهدتُه لَهدًا دفعته، وأَلهَدتُ به قصرت به.

وقوله أظننت أن يحيف الله عليك ورسوله؟ ؛ أي يجور، وهذا يؤيد أنها ظنت أن قد سار إلى بعض أهله.

وقوله أمرت أن آتي أهلَ البقيع وأستغفر لهم يدلّ على أنه دعا لأهل البقيع واستغفر، وأن هذا هو الذي عبّر عنه في الرواية الأخرى يصلي، وقد

ص: 635

لَهُم يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: قُولِي السَّلامُ عَلَى أَهلِ الدِّيَارِ مِنَ المُؤمِنِينَ وَالمُسلِمِينَ، وَيَرحَمُ اللهُ المُستَقدِمِينَ مِنَّا وَالمُستَأخِرِينَ، وَإِنَّا إِن شَاءَ اللهُ بِكُم لَلاحِقُونَ.

ــ

قيل: إنه صلّى عليهم صلاته على الجنازة، ويؤيد هذا القول أنه قد جاء في حديث مالك فأُصلّي عليهم.

وقولها فقام فأطال القيام، ثم رفع يديه ثلاث مرار، ثم الذي يقول بهذا يرى أن ذلك خصوص بالنبي صلى الله عليه وسلم، والأول أظهر، وهذا محتمل.

وقوله السلام على أهل الديار من المؤمنين والمسلمين هذا يدل على أن السلام على الموتى كالسلام على الأحياء خلافًا لمن قال: إن تحية الميت: عليك السلام - بتقديم عليك السلام، تمسكًا بما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم سلّم رجلٌ عليه فقال: عليك السلام يا رسول الله! فقال: لا تقل عليك السلام؛ فإن عليك السلام تحية الميت (1). وهذا لا حجَّة فيه؛ لأنه صلى الله عليه وسلم إنما كره منه أن يبدأ بعليك السلام؛ لأنه كذلك كانت تحية الجاهلية للموتى، كما قال شاعرهم:

عليك سلام الله قيس بن عاصم

ورحمته ما شاء أن يترحّما

ومقصوده صلى الله عليه وسلم أن سلام المؤمنين (2) على الأحياء والموتى مخالف لما كانت الجاهلية تفعله وتقوله، والله أعلم.

وقد تقدّم قوله وإنا إن شاء الله بكم لاحقون في الطهارة.

وفي إسناد هذا الحديث قال ابن جريج: أخبرني عبد الله رجل من قريش، عن محمد بن قيس بن

(1) رواه أحمد (5/ 63)، وأبو داود (4084)، والترمذي (2721)، وابن حبان (522).

(2)

في (ع): المسلمين.

ص: 636