الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(16) باب في كيفية القبور وكراهية تجصيصها والبناء عليها، وهل يجعل في القبر شيء
؟
[832]
- عَن سَعدَ بنَ أَبِي وَقَّاصٍ أَنَهُ قَالَ فِي مَرَضِهِ الَّذِي هَلَكَ فِيهِ: الحَدُوا لِي لَحدًا، وَانصِبُوا عَلَيَّ اللَّبِنَ نَصبًا - كَمَا صُنِعَ بِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم.
رواه أحمد (1/ 184)، ومسلم (966)، والنسائي (4/ 80)، وابن ماجه (1556).
ــ
(16)
ومن باب: كيفية القبور
قوله اتخذوا لِي لَحدًا، اللحد: هو أن يُشَقَّ في الأرض ثم يحفر قبر آخر في جانب الشق من جهة القبلةِ، يدخل فيه الميت ويُسدُّ عليه باللَّبِن، وهو أفضل عندنا من الشقّ، وكل واحد منهما جائز، غير أن الذي اختار الله لنبيه صلى الله عليه وسلم هو اللحد؛ وذلك أنه لما أراد الصحابة أن يحفروا للنبي صلى الله عليه وسلم اشتَوَرُوا في ذلك، وكان في المدينة رجلان أحدهما يلحد والآخر لا يلحد، فقالت الصحابة: اللهم اختر لنبيك، فجاء الذي يُلحد أوَّلا فلحدوا. اشتِوَارُهم في ذلك وتَوقُّفُهم يدلّ على أنه لم يكن عندهم في أفضليَّة أحدهما من النبي صلى الله عليه وسلم تعيينٌ، ولذلك رجعوا إلى الدعاء في تعيين الأفضل، ولم يقع في كتاب مسلم ذكر غسله صلى الله عليه وسلم ولا الصلاة عليه، وقد ذُكِر في غيره. فأما غسله صلى الله عليه وسلم فغسل في قميصه، وذلك أنهم أرادوا أن ينزعوا قميصه ليغسلوه فسمعوا قائلا يقول: لا تنزعوا القميص - كما ذكره مالك في الموطأ (1). وأما الصلاة عليه فصلّى الناس عليه أفواجًا: الرجال، والنساء، والصبيان - من غير إمام؛ صلّوا فوجًا بعد فوج على ما ذكر أهل السير، واختلف في
(1) رواه مالك بلاغًا في الموطأ (2/ 231).
[833]
- وَعَن فَضَالَةَ بنِ عُبَيدٍ قَالَ: سَمِعتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَأمُرُ بِتَسوِيَتِهَا - يَعنِي القُبُور.
رواه مسلم (968)، وأبو داود (3219)، والنسائي (4/ 88).
[834]
- وَعَن أَبِي الهَيَّاجِ الأَسَدِيِّ قَالَ: قَالَ لِي عَلِيُّ: أَلا أَبعَثُكَ عَلَى مَا بَعَثَنِي عَلَيهِ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم؟ أَلا أَدَعَ تِمثَالا إِلا طَمَستَهُ، وَلا قَبرًا مُشرِفًا إِلا سَوَّيتَهُ.
ــ
سبب ذلك على أقوال؛ فقيل: لأنهم لم يكن لهم إمام - وهذا خطأ؛ لأن إمامة الفريضة لم تتعطل، ولأن البيعة لأبي بكر تمت قبل دفنه وهو إمام الناس. وقيل: بل صُلِّي عليه كذلك ليأخذ كل من الناس بنصيبه من الأجر والفضل.
ومات النبي صلى الله عليه وسلم يوم الاثنين، وأُخِّرَ دفنُه إلى يوم الثلاثاء، وأُخِّر دفنه (1) لأنهم اشتغلوا بأمر الإمامة؛ لأنهم خافوا ثَوَرَانَ فتنةٍ.
والتمثال: مثال صورة ما فيه روح، وهو يعمّ ما كان متجسِّدًا وما كان مصوَّرًا في رَقمٍ أو نقشٍ، لا سيما وقد رُوي صورة مكان تمثال، وقيل: إن المراد به هنا ما كان له شخص وجسد دون ما كان في ثوب أو حائط منقوشًا، وسيأتي الكلام عليهما.
وحاصل هذا الحديث الأمر بتغيير الصور مطلقًا، وأنّ إبقاءها كذلك منكَرٌ، وطمسها: تغييرها، وذلك يكون بقطع رؤوسها وتغيير وجوهها وغير ذلك مما يُذهِبُها.
وقوله ولا قبرًا مشرفًا إلا سويته ظاهره منع تسنيم القبور ورفعها، وأن تكون لاطية، وقد قال به بعض أهل العلم. وذهب الجمهور إلى أن هذا
(1) ساقط من (ع).
وَفِي رِوَايَةٍ: وَلا صُورَةً إِلا طَمَستَهَا.
رواه أحمد (1/ 96 و 129)، ومسلم (969)، وأبو داود (3219)، والترمذي (1049)، والنسائي (4/ 88 - 89).
[835]
- وَعَن جَابِرٍ قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَن يُجَصَّصَ القَبرُ وَأَن يُقعَدَ عَلَيهِ، وَأَن يُبنَى عَلَيهِ.
رواه أحمد (3/ 332)، ومسلم (970)(94)، والنسائي (4/ 88)، وابن ماجه (1562).
ــ
الارتفاع المأمور بإزالته ليس هو التسنيم ولا ما يعرف به القبر كي يحترم، وإنما هو الارتفاع الكثير الذي كانت الجاهلية تفعله؛ فإنها كانت تُعلي عليها وتَبني فوقها تفخيمًا لها وتعظيمًا، وأما تسنيمها فذلك صفة قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم وقبر أبي بكر وعمر رضي الله عنهما على ما ذكر في الموطأ، وقد جاء عن عمر أنه هدمها وقال: ينبغي أن تسوَّى تسويةَ تسنيمٍ. وهذا معنى قول الشافعي: تُسَطَّح القبور ولا تُبنى ولا تُرفع، وتكون على وجه الأرض، وتسنيمها اختيار أكثر العلماء وجملة أصحابنا وأصحاب أبي حنيفة والشافعي.
قلت: والذي صار إليه عمر أولى، فإنه جمع بين التسوية والتسنيم.
وقوله نهى أن يجصص القبر ويُبنَى عليه، التجصيص والتقصيص هو البناء بالجصّ، وهو القَصّ والقَصّة، والجصاص والقصاص واحد، فإذا خلط الجصُّ بالرماد فهو الجيّار. وذكر معنى ذلك أبو عبيد وابن الأعرابي، وقد تقدَّم في الحيض ذكر القصّة البيضاء (1).
وبظاهر هذا الحديث قال مالك، وكَرِه البناء والجصّ على القبور، وقد أجازه غيره، وهذا الحديث حجة عليه، ووجه النهي عن
(1)"القصة": القطنة أو الخرقة البيضاء التي تحتشي بها المرأة عند الحيض.
[836]
- وَعَنِ ابنِ عَبَّاسٍ قَالَ: جُعِلَ فِي قَبرِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَطِيفَةٌ حَمرَاءُ.
رواه مسلم (967)، والترمذي (1048)، والنسائي (4/ 81).
* * *
ــ
البناء والتجصيص في القبور أن ذلك مباهاة واستعمال زينة الدنيا في أول منازل الآخرة، وتشبُّه بمن كان يعظّم القبور ويعبدها. وباعتبار هذه المعاني وبظاهر هذا النهي ينبغي أن يقال هو حرام، كما قد قال به بعض أهل العلم.
وقوله وأن يقعد عليها، وقوله لا تجلسوا على القبور (1)، وقوله لأن يجلس أحدكم على جمرة فتحرق ثيابه خير له من أن يجلس على قبر - (2) اختلف في معناه؛ فمنهم من حمله على ظاهره من الجلوس ورأى أن القبر يحترم كما يحترم المسلم المدفون فيه فيعامل بالأدب وبالتسليم عليه وبغير ذلك، ومنهم من تأوَّله على أنه كناية عن إلقاء الحدث في القبور - وهو تأويل مالك. ولا شك في أن التخلي على القبور وبينها ممنوع؛ إما بهذا الحديث وإما بغيره، لحديث الملاعن الثلاث، فإنه مجلس الزائر للقبر، فهو في معنى التخلّي في الظِلال والطرق والشجر المثمر وغير ذلك، ولأن ذلك استهانة بالميت المسلم وأذى لأوليائه الأحياء، والله أعلم.
وقوله جعل في قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم قطيفة حمراء، هذه القطيفة كان النبي صلى الله عليه وسلم يلبسها ويفترشها، فلما مات اختَلَف في أخذها عليٌّ وعبَّاس وتنازعا فيها، فأخذها شُقران (3) وجعلها في القبر، وقال: والله لا يلبسها أحدٌ بعده أبدًا. وقيل: إنما جعلت في قبره لأن المدينة سَبِخَةٌ، والله تعالى أعلم.
(1) سيأتي تخريجه في التلخيص برقم (838).
(2)
سيأتي تخريجه في التلخيص (837).
(3)
هو مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان مملوكًا ثم عُتِق.